صحيفة المثقف

ثمانية عقود.. شمعة واحدة

زياد كامل السامرائيبمناسبة اليوم العالمي للمرأة

أنحت منه لأمي نخلة.

ذلك المحراب الذي أضاء صلاتنا في ظلام الأبديّة..

روّى أفاريز القلب المتورَّد بخفقاتٍ منها ولها، فقد نحيا سنوات نناجيها  وقد لا نحيا دونها. 

ترتجف الكلمات والجُمل، حاسرات البصر، حائرة على باب وصفكِ ولو بــ "خُصلة" واحدة منكِ.

لكني أكتبُ لكِ ارتباكي و أنا في لجّة الأرض وأحشاء المصير..

لا عذر أقدّمُه اليكِ اليومَ .. انْ هي الجنّة تحتَ أقدامكِ خاشعة راكعة مُستبشرة، منذ القيامة الأولى لشهيق القلب. فما بالها الحياة تستغرقنا، تلفّنا بعبائتها السوداء دونكِ.

أكتبُ لك خبري، عن خُبزي، عن كل يومٍ ونبضٍ أنا فيه .. حتى لو كنتُ أخاف الأمل، وكنتِ أنتِ اللمعة في أعالي الضياء.

أنا أتنفسكِ يا أمي..

ليسَ لأني رئة وأنتِ الهواء ..

ولا كونكِ سماءُ الروح الصافية، الواقفة بلا أعمدة لزرع قوس قزح لا يغادر الآفاق منها.

ولا لأنك الدهشة لطفل إعتنقَ الحياة، فرفستهُ بكل زينتها ولمْ يجد غير صدركِ الطبيب الشافي من كلِّ علّة و اختناق.

ولا أنتِ سِحر الضوء بعينيه الوسنى، وهو يغفو على أهدابِ حنانكِ، يزهو بحلمٍ قد لا يأتي الاّ وأنتِ فيه منارة.

لم أقل أبدا لأصحابي: بانكِ الطين والماء الذي خفق ليحتبس في جسدٍ، صار "أنا" فيما بعد...

ولم أستطعْ أنْ أقول لحبيبتي ايضا : بان كل نسمة أنعشتْ خاطري، و هفهفتْ على زهرة عمري هي بفعل يديك الفراشتين..

وكل قطرة حياة خفقتْ على غصن عمري الغضّ هي من مائدة غيماتكِ الكريمة، و رحمة هبوبها كانت روضة لأيامي الجاحدة.

أخاف أن اتذكر الشذى وهو يحتضن جسدي ثوبكِ.. لئلا أستيقظ على فجرٍ

يسكبني كأجراس.

العمر كله لايساوي لحظة سهاد، إرتعش فيه قلبكِ .. و أنا عند حضنك الوثير ، وفي فمي طعم حلم أبيض.

آه أيها البعيد حضنك، القريب من سرّي و أسراري و جنّتي.

لن أنسى كل هذا .. فأنتِ من حَملتْ وأنجبتْ ربما عشرة من البنين والبنات وما انكفأتْ ظلالكِ على وجهِ الأرضِ اليباب، ولمْ  تجعلْ قسوة الحياةِ المرّة منكِ، سوى أغنية، يعزفها نايُّ اسطوريُّ لا يلبثَ ان يستنجدَ بكِ كلما ضاع منه اللحن.

أكتبُ لك عن الحليب الذي نما بين شفتيّ وصار لحاء لشجرة عمري اليابس بعد أنْ غادرته العصافير ولم يبق منها سوى ظل باهت.

هل كان أبي مُحقّا حين وصفكِ ذات ربيع على إنك "اله" ؟

ومنكِ كانت اليه هدية الفراديس !

ما كنا سوى شحوب بين يديه دونكِ، ساعة تغيبين وانت تُطعمي أحلامنا

كراريس البقاء.

أنتِ .. مَنْ ولدتْ منها الشواطيء وعبرتْ اليها كل شموسَ الأصيلِ .. حيث لا نهايةَ لدفئكِ ولا خطوطٌ واضحة لتعبّرَ عنكِ قصيدة شاعر، يحسبُ نفسه طير، تنخفضُ جناحيهِ، كلما وصلَ الى نهاية قدميكِ.

فلا أستطيعُ أنْ أفي بعمري المنهوب، لكِ ..

هي دمعة حَرَّى وقُبلة

تمتزجان.. تطوفان حولكِ بدعاءٍ جليل.

 ***

 زياد كامل السامرائي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم