صحيفة المثقف

كرة الثلج ومنحدرات الفرح

بكر السباتينينزل الطفل سامي متدلياً عن كتف والده.. يقترب من كرة الثلج العملاقة.. يتأملها والابتسامة تشرق في محياه، وكأنهما يعرفان بعضهما، تدور الكرة مغتبطة حول مركزها.. تعكس بلورات الثلج التي ترصع سطحها ما يبزغ من ضوء الشمس من خلال الأشجار العارية التي تطوق المكان.. يلحق بالطفلِ سامي أقرانُه الصغارُ فيصنعون منها تماثيلَ تسر البال والخاطر.. فكلما نحتوا منها جانباً استقرت الكرة عليه وتقزمت. ولكن الفكرة البريئة ظلت في المقاييس الفيزيائية مجرد ثقل يمكنه أن يتابع طريقه في المنحدرات من جديد فيزداد حجم الكرة الثلجية دون سيطرة من أحدٍ عليها. لم ينتبهوا إلى أن كرة الثلج العملاقة استقرت في مرابع الطفولة وأنشغل الأطفال في تهشيم سطحها بقبضات أياديهم الصغيرة، يفتتونها كقطعة الكيك الإسفنجية، فينحتون أحلامهم من ثلوجها الهشة وهم يتصايحون في غبطة وانبهار، غير آبهين بالبرد القارس الذي لسع أطراف أصابعهم الطرية. ثم ينتهي المشهد بجرافة البلدية تقترب بعجلاتها الضخمة.. كأنها وحش هادر الصوت.. يصيب الأطفال الهلع وهي تناور حول الكرة التي تهيأ للأطفال أنها ترتجف هلعاً بينما تخيلها رجال البلدية كأنها مجرم هارب من وجه العدالة. فترفع الجرافة شفرتها إلى أقصى ما تستطيع، ثم تهوي بها على كرة الثلج فتهرسها.. ويتشبث الصغار بمعاطف آبائهم وبعضهم يبكي على أحلامهم المهدورة دون أن يعبأ بها أحد.. لا بأس.. يقبض الطفل سامي كمشة ثلج هشة. ويقذفها إلى عمال البلدية فيقلده الصغار ثم يبادلهم الكبار اللعب بالثلج ويتناسى الجميع قصة الأحلام المهدورة.

ويمضي اليوم دون أن ينسى الطفل سامي تفاصيل ما جرى.. وهو يتخيل كرة الثلج تُهرس مجاناً أمام عينيه دون أن يكترث بصراخها أحد.. صراخ مزق قلب الصغير سامي.. وكانت أمه تهدل في أذنه هامسة: "نم يا سامي قرير العين"

فيغلب عليه النعاس ثم يستلبه النوم بينما أمه تغني له أغنية فيروز:

"ثلج.. ثلج.. عم بتشني الدنيا ثلج..

والنجمات حيرانين وزهور الطرقات بردانيين"

ويمضي اليوم دون أن ينسى الطفل سامي تفاصيل ما جرى.. وهو يتخيل كرة الثلج تُهرس مجاناً أمام عينيه دون أن يكترث بصراخها أحد.. صراخ مزق قلب الصغير سامي.. وكانت أمه تهدل في أذنه هامسة: "نم يا سامي قرير العين"

فيغلب عليه النعاس ثم يستلبه النوم بينما أمه تغني له أغنية فيروز:

"ثلج.. ثلج.. عم بتشني الدنيا ثلج..

والنجمات حيرانين وزهور الطرقات بردانيين"

يتململ سامي في فراشه وهديل أمه يغمره بندف الثلج الدافئة:

"تلج تلج عم بتشتي الدنيي تلج"

نامت الأم بعد أن أركنت رأسها على صدر ابنها الصغير سامي الذي بدا كالحمل الوديع، وكأنها تستمع لهديل صوتها في قلبه الذي يفيض بالغناء. ويستمر الثلج في الهطول خارج النافذة.. والرياح المتناوحة تستفرد بالطرقات الخالية.. وندف الثلج على النوافذ تغمر المكان بصوت أجراسها الذي يشبه غناء الملائكة البريء.. فتخرج من قلوب الآمنين كرة الفرح بقبضة قلب طفل غرير كالطفل الهاجع في حضن أمه.. سامي.. وتتدحرج في منحدرات الفرح لتكبر وتكبر دون أن يوقفها رجال البلدية الذين ناموا بعد أن تعبوا في يومهم البارد الطويل.

***

قصة قصيرة

بقلم بكر السباتين

..........................

مهداة إلى حفيدي الوحيد سامي غيث

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم