صحيفة المثقف
وهم الاعقادات الدينية وباء من نوع آخر
يصلح الدين ان يكون مروضاً نفسياً ومعززاً ذاتياً ودافعاً معنوياً للإنسان، فهو يشتغل من الداخل للتطوير والمعالجة، وبما أن بعض الأمراض تحتاج الى نفس قوية وإرادة صلبة، يحل الإعتقاد بشكله العام والديني بنحو الخصوص محل العلاج المهم في المرحلة التي يحتاجها الانسان، فيعزز ذاته بقدرات داخلية ويمنحها إدراكات وإستطاعات إستثنائية ويحول الإرتخاء والوهن الى نشاط وحيوية ودافع نحو المثابرة والبقاء.
الأمور الروحية مهمة في الاعتقاد لأنها فطرية وتأتي من إيمان لا يرتكز على العقل، بل هو مغروز في عمق الثقافة الماورائية.
لا يغب عن ذهنك أخي صاحب الاعتقاد، بأن بقية الناس لها إعتقادات أخرى وتوجهات تختلف عنك وعن طقوسك، والذي تؤمن به، كالمنجي والمخلص والمشافي والمعافي والشفيع وغيرها هناك من يمتلك وسائل أخرى تودي به الى نفس النتيجة التي تتحدث عنها انت لكن ليس بنفس وسائلك!
فالبقرة تحقق إطمئناناً وسكينة روحية للمعتقد بها، وبذلك يشترك الايمان والاطمئنان والسكينة عند المعتقد بالبقرة كما تعتقد انت تماماً بإيماناتك، الاختلاف فقط في الوسيلة وليس في النتيجة.
دعونا نتفق ان هذه الاعتقادات وان كانت خرافية ومجنونة او خزعبلات فأنها تؤثر نفسياً على المعتقدين بها والمؤمنين بتأثيرها.
الإشكالية العظمى ان يتحول هذا الإعتقاد الذاتي البسيط وغير المرتكز على آليات علمية او معرفية الى إعتقاد متسلط ومتسع ولا يُقبل التشكيك به او الإشارة اليه، المشكلة عندما يريد ان يوهم أصحاب الخرافة أصحاب العلم ،بان الدعاء والزيارة والضريح والتراب هو الطبيب والمعالج الحقيقي لأي مرض او وباء.
مشكلتنا ليس في الادعاءات الكبيرة التي يطرحها رجال الدين من جميع المذاهب والملل، بل بالتشويه والضرر والتخاذل الذي يبتلع المجتمع ويطرحه كمادة فاقدة المفعول.
فعندما يحاول البعض (الجاهل) بإستبعاد العلم والطب من ثقافة المجتمع ويدني ثقافة التضرع والتذلل والتمرغ كبديل فعلي للأمراض فعندها يمكن ان يتحول المجتمع وباء قاتل ومهلك.
لا تقتصر عملية الاعتقادات على شخص او ضريح او مكان مهجور بل ربما تأخذ بعداً مجهولاً لا يتحقق الا في ذهنية المعتقِد نفسه، بعض الناس يؤمنون بأن الاضرحة والمقامات يمكنها دفع الضرر والمرض والشر وكيد وغضب الطبيعة عنهم، والبعض يعنونون لكل ضريح إختصاص وشأنية مهمة .
في كتابه حفريات في الذاكرة من بعيد يقول الدكتور محمد عابد الجابري :
الواقع ان الأضرحة في مدينة فجيج، كثيرة ومتنوعة الاختصاصات، فإختصاص ضريح سيدي منصور غير إختصاص ضريح سيدي الحاج محمد او فضل وغير إختصاص سيدي بايزيد او ضريح سيدي الطيفور ومهما يكن فقد كانت هذه الاضرحة بمثابة مستشفيات ترتادها النساء لطلب الشفاء لهن او لأبنائهن وكثير ما يتطلب الإستشفاء المرابطة في الضريح عدة أيام. ص58 انتهى
أكاد أجزم ان لكل بلد أضرحته ومقدساته وإيماناته وإعتقاداته ولكل مجتمع الثقة العالية التي يمنحها للأشخاص الاحياء او الأموات بصيغة الاولياء او الخارقين للطبيعة.
وأبشع ما رأيت ان الناس تتنابز وتتطاعن وتستهزأ بمعتقدات الاخر دون التمعن او التأمل او المراجعة الحقيقية للمعتقدات الذاتية الشخصية.
أثبتت الامراض والوباءات التي أنهكت وأهلكت المجتمعات، ان ليس بمقدور أي إعتقاد ديني ان يلحق به بها ولو شيئاً قليلاً من الضرر وأثبتت تلك الامراض ان لا منجي من المرض الا الاخذ بالوسائل والفحوصات العلمية، اثبتت الامراض ان ليس بمقدور الخرافة ان تتغلب على العقل في ميدان الازمة ، كذلك أثبتت زيف وإفك بعض الذين يأمرون الناس بالتداوي بالاضرحة والمقامات بينما هم يذهبون الى أرقى الأطباء.
عندما يكون الانسان إنساناً مستقلاً واعياً وغير منتمياً الا للعلم والبحث الحقيقي سيكتشف الزيف والمخاتلة العظمى التي يمتهنا البعض من رجال العقيدة على البعض الاخر من بسطاء الناس.
مصطفى العمري