صحيفة المثقف

ركلة البغل والدنجوان

بكر السباتينعندما شاهد سائق التكسي المتصابي سيدة فاتنة الجمال تخرج من أحد المحلات التجارية، وتؤشر له بيدها البضة الناعمة، ركن سيارته جانباً، وعلى غير عادته وكأن لوثة داهمت عقله المسلوب، نزل المتملق من سيارته وهو يمسد شاربيه المصبوغين، وعيناه تلامسان مفاتن هذا الصيد الصباحي المثير. ومن باب المجاملة غير المعتادة انحنى صاحبنا كأنه راكع يصلي للشيطان، وأخذ يفتح الباب الأمامي كأنه يعزف على الكمنجة، بينما أخذت عيناه ترصدان مفاتن السيدة البضة كلص مسلوب الحجا، وتوقع أن الوليمة تقترب من أشداقه التي سال منها اللعاب.. وبغتة! شعر بأن شاحنة صدمت مؤخرته.. حينما تعرض قفاه لركلة قوية حشرته لقوتها مع الشياطين في المقعد الخلفي.. فبدأ كأنه نمر طوقته الخطوب.. سيفعل ما يعيد إليه الكرامة التي هدرت أما السيدة التي تعالى صوتها حتى ظن المسكين بأنها تشتم صاحب القدم الضخمة انتصاراً له، وقد أخلّت الضربة توازنه، فاستشعر بطاقة الغضب تحرضه على النزال، صارخاً:

" طاب لك الموت يا أبو الفوارس"..

عبارة خرجت من فمه كالزير.. بينما عيناه تبحثان عن "القنوة" الخشبية المخفية تحت المقعد الجلدي، حتى يؤدب المعتدي مهما كانت صفته بالنسبة للمرأة.. لكنه تراجع سريعاً عن موقفه والدهشة تأكل لسانه، وفتح حدقتي عينيه من شدة الرعب، واستلبه الصمت كأن على رأسه غراب، هامساً بتلعثم:

" اعقل يا عنترة زمانك"

فقد شاهد وهو يحاول التمترس خلف نافذة الباب الخلفي الذي أطبق عليه، منكبين عريضين فتلت عليهما عضلات أفعوانيه طوقت ذراعيه حتى الرقبة، والتي أُركن عليها رأسُ هزبرٍ مطوقٍ بالشعر الكثيف.. صارخاً فيه بصوته المزلزل:

"أين أجلس إذا جلست المدام إلى جوارك يا تافه.. بقي عليك أن تقبل يدها!"

وتداركاً للموقف، خرج السائق من الباب المقابل وهو يجزل بالكلام اللين معتذراً من هذا الدب الضخم الذي يقف خلف السيارة وقد تأبطت السيدة ذراعه بافتخار، حتى قال بصوت مرتجف خجول وهو يحلف أغلظ الأيمان:

" سامحك الله.. والله يا سيدي إنما انحنيت فقط احتراما لطلتك البهية.. عن أي امرأة تتحدث فأنا أجل وأرفع من ذلك! هزلت يا رجل! لك مقود سيارتي لو شئت".

لكن غضب المرأة لأجل كرامتها التي جرحت للتو، كان أشد إيلاماً، حينما أمرت بغلها بمغادرة السيارة، ثم أطبقت الباب على يد الدنجوان المتخبط في غيّه.. وتركته وسط زحام الفضوليين يصرخ ويلعن حظه العاثر الذي نحسته الغربان.

***

قصة قصيرة

بقلم بكر السباتين

12 مارس 2020

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم