صحيفة المثقف

فايروس كورونا، ما أحدثه سيكولوجيا واجتماعيا.- العراقيون انموذجا

قاسم حسين صالحمن الشائع في اي وباء ان يثير في الناس الشعور بالخوف والقلق والتوتر، لكن فايروس كورونا اثار الفزع والهلع بين اكثر من خمسة مليار انسان في العالم في اقل من شهر مع ان (كوفيد 19) هذا ما كان في بداياته قاتلا مثل فيروس السارس الذي انتشر بحالة رهيبة عام 2003 وقتل 774 شخصا وتعدت نسبة الوفيات من المصابين به 9% في حين لم تزد نسبته المماثلة في كورونا على 5% لغاية منتصف آذار /مارس 2020.

ويجمع المختصون بالصحة النفسية بان الرعب في حالات الوباء تعزى سيكولوجيا الى:

- الخوف من:

- الاصابة بالمرض والموت

- فقدان سبل العيش وعدم القدرة على العمل اتثاء مدة العزل

- الطرد من العمل

- الاستبعاد الاجتماعي، بوضع المصاب في الحجر الصحي.

- الانفصال عن المقربين ومقدمي الرعاية بسبب انظمة الحجر الصحي

- والخوف من اعادة احياء تجربة المرور في محنة وبائية سابقة.

* الشعور بالعجز، الملل ، الوحدة ، والاكتئاب بسبب العزل واجراءات قاسية

* شعور الافراد بانهم عاجزون عن حماية المقربين لهم، وقلق يومي من فقدانهم بسبب اصابتهم بالفيروس.

* رفض رعاية القصّر غير المصحوبين او المنفصلين عن ذويهم، والاشخاص ذوي الاعاقة، وكبار السن، بسبب الخوف من العدوى بعد الحجر الصحي على ذويهم ومقدمي الرعاية لهم.

ومع ان جميع حالات الطواريء تكون مصحوبة بالضغط النفسي لكن الضغوط النفسية التي اشاعها فيروس كورونا المستجد Covid 19 اضافت مجهولية طريقة السيطرة عليه، فضلا عن وجود اعراض مشابهة لمشاكل صحية اخرى قد يساء فهمها كأحد اعراض كورونا مما يثير الخوف من العدوى- ولوحظ ان الوضع الجسدي والنفسي لكبار السن وذوي الاعاقة قد تدهور لدى كثيرين خاصة اولئك الذين لم توفر لهم وسائل الدعم والرعاية الصحية.يضاف لها حالة سيكولوجية اخرى هي وصم الاشخاص الذين يتعاملون مع المصابين بفيروس كورونا (الاطباء، الممرضات، سائقو سيارات الاسعاف..) والخوف منهم ان ينقلوا العدوى لافراد عوائلهم واصدقائهم.

وسيكولوجيا، يؤدي الخوف المستمر والقلق وترقّب الشر والضغوط النفسية الى تدهور العلاقات الاجتماعية بين الناس، الناجم عن وصمة اجتماعية حتى للمتعافين منه، فيما قد يؤدي سياسيا الى حدوث احتجاجات ضد الحكومة وفقدان الثقة بالمعلومات التي تقدمها واعتداءات او اتهامات اساءة ضد العاملين في المؤسسات الصحية.

مخاوف عالمية وتطمينات صينية

اعلنت منظمة الصحة العالمية ان فيروس كورونا اصبح (وباءا عالميا)، واعلنت اميركا في 13 آذار/ مارس الجاري حالة الطواريء الوطنيةEmergency) National)، حتى مجلس الأمن الدولي اعلن تقليص جدول اعماله خلال مارس/آذار كاجراء احترازي بسبب فيروس كورونا المستجد، بعد ان اجتاح اكثر من مئة بلدا، مخلفا (140) الف اصابة ووفاة اكثر من خمسة آلاف انسان، لغاية منتصف آذار الجاري.

من جهة أخرى، دعا الأمين العام للأمم المتحدة شعوب العالم الى عدم الاستسلام للهلع، مطمئنا الناس بأن الأختبارت والأجراءات الصحية تقللان من فرص انتشاره، فيما اكدت منظمة الصحة العالمية بان فيروس (كوفيد 19) يمكن السيطرة عليه- غير ان الصين قدمت للعالم تطمينا عمليا باعلانها ان البلاد تجاوزت ذروة تفشي وباء كورونا بعد ان تعافى منه اكثر من 62 الف مصابا، مدعوما بتأكيد بعثة الخبراء التي ارسلتها منظمة الصحة العالمية الى الصين في 6 آذار، من ان الصين استطاعت وبكلفة عالية تحقيق انخفاض سريع فى حالات الاصابة بكورونا..ما يعني ان كورونا يمكن السيطرة عليه اذا اعتمدت الدولة اجراءات وقائية وخدمات صحية مصحوبة بتعاون مجتمعي شامل.

العراقيون.. وفيروس كورونا

كيف يتعامل العراقيون مع فيروس كورونا؟

الاجابة الصحيحة تكون باجراء دراسة استطلاعية.. وقد عملنا ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي تضمنت الآتي:

(نقوم باجراء دراسة عن التداعيات السيكولوجية والاجتماعية التي احدثها فيروس كورونا في المجتمع العراقي- نرجو تحديد ما حدث لك، لأسرتك، لأصدقائك، لآخرين..بشواهد عملية وليس اراء نظرية - مع وافر الشكر والامتنان - 12/3/2020).

تنوعت أساليب تعامل العراقيين مع فيروس كورونا على النحو الآتي:

1- اللامباة

افاد كثيرون بأنهم لا يكترثون ولا يخافون من كورونا..مبررين ذلك بأن:

- حياتنا بائسة، زائفة، مزعجة ، ولن يغير كورونا من الواقع شيئا،

- هذا الجيل ما يسمع كلام مستهزءا بالحياة بعضهم يقول ياريت يجينه كورونا ونموت ونخلص من هالحياة بالعراق.

- ابو المحل اقول له خلي تعقيم يقول والله انت بطرانه.- ياريت يجي ونخلص من حياتنا بالعراق.

والتحليل السيكولوجي لعدم الأكتراث هذا يعود في أحد أهم أسبابه الى ان قيمة الحياة لدى العراقيين لم تعد مقدسة بعد ان شهدوا عبر اربعين سنة (1980-2020) توابيت قتلى الحرب العراقية الأيرانية، وصولا الى الأحتراب الطائفي (2006-2008) وما بعده الذي وصل فيه الحال الى قتل الآخر لمجرد أن اسمه (حيدر او عمر او رزكار)..فضلا عن توالي الخيبات وانعدام الأمل في الخلاص من حياة بائسة- وهم بهذا يقدمون دليلا عمليا..ميدانيا..تجريبياـ لعلماء نفس العالم ليصححوا نظرياتهم التي تقول بأن الانسان يمكن ان يعتاد بالتكرار على اي فعل الا خوفه من الموت..بل ويصححوا فرويد ايضا بقوله (نحن لا نعترف بأننا سنموت ، بل نعتقد في لاشعورنا بأننا خالدون)..فكيف تريدهم ان يخشوا كورونا وهم يعيشون في زمن توالي الخيبات وقناعتهم بانهم فانون!

2- فزع وهلع

تنوعت حالاته بين وساوس قهرية، قلق مفرط، توقع شر، مبالغة في استخدام المنظفات والمطهرات، متابعة يومية مستمرة لأخبار انتشار كورونا عبر فضائيات عربية وعالمية تشيع الرعب، تجنب الاختلاط حتى بين افراد الأسرة الواحدة.

من حالاته ان احدهم (صار يخاف من الموبايل اذا كان يتحدث مع مصاب!) وقول احداهن:

(صرت اتحسب من كل عطسة وكل كحه).. وقول أخرى (آني اعصابي تلفت).

 

وسيكولوجيا..ان الذعر سببه الخوف من مجهول يحمل الشر، وان التهويل يساعد على انتشار الشائعات من قبيل ان فيروس كورونا هو (فلم امريكي) يستهدف الصين وايران، وان الصين ارادت ان تصنع سلاحا فتاكا من الفيروس التاجي فانقلب السحر على الساحر.وانتشار الخرافات ايضا التي تمثلت بدعوة بعض رجال الدين الى الوضوء والأستغفار وقراءة دعاء عاشوراء والمعوذات، مع علمهم ان الخوف لن يقلل من انتشار فيروس كورونا بل يؤدي الى اثار نفسية واجتماعية وأسرية سلبية.

3- ضغوط نفسية وأسرية

تمثلت حالاتها في :ملل، ضجر، عزلة مقرفة، كآبة، ( ضوجه حيل، لا لعبات لا طلعات لا روحات للسوق)، فيما تمثلت الضغوط الأسرية بالمشاجرات بسبب عدم التزام احد افراد الاسرة بالنظافة او لبس الكمامات والقفازات.

4- روحانيات ومعتقدات خرافية

تمثلت بقراءة الأدعية وطكطة الحرمل وقول بعض رجال الدين (من دخل الايمان في قلبه لا يصاب بفيروس كورونا!).وقيام دجالين بكتابة حروز وتعويذات ، وقيام سياسيين بدعوة الناس الى التوجه الى مراكز العبادة فيما هم يستخدمون احدث وسائل الوقاية الصحية.

ونشير هنا الى ان كورونا (عادل) في استهدافه، فهو لا يفرّق بين رئيس دولة وعامل نظافة، وملياردير ومن لا يجد قوت يومه ، وعالم دين وملحد، وابيض وأسود.

5- الوعي الصحي

التزم الكثير من العراقيين بتعليمات الوقاية الصادرة من المؤسسات الصحية العراقية ومنظمة الصحة العالمية، وكانت هنالك اسر عراقية مثلت انموذج الوعي الصحي في التعامل مع فيروس كورونا.

6- توقف مصادر الرزق

تطلبت اجراءات الحد من انتشار كورونا..غلق المطاعم، والمقاهي والنوادي وبعض المحلات واصحاب سيارات الأجرة والفئات الأجتماعية الأخرى..لينعكس سلبيا على الحياة الأجتماعية للكسبة بشكل عام والحياة الأسرية بشكل خاص..ادى الى ضغوط نفسية ومشكلات اسرية ، مصحوبا بهلع اشد من احتمالية خفض رواتب الموظفين بسبب انخفاض اسعار النفط..وما سينجم عنه من اضطرابات سياسية وتفكك اجتماعي وذعر من تحول كورونا الى وباء قاتل في العراق.

كورونا.. قضية وطنية

ما ينبغي التنويه اليه هو النظر الى فيروس كورونا بأنه قضية وطنية لا علاقة لها بالخلافات السياسية، وانه يشكل تحديا خطيرا في العراق لسببين رئيسين: ضعف امكانات وزارة الصحة الناجم عن تولي المسؤوليات فيها اشخاص لا يتمتعون بالكفاءة، والفساد الذي مارسته احزاب الآسلام السياسي..اللذان شكّلا اهم اسباب هلع بعض العراقيين وعدم ثقتهم بالمؤسسات الصحية والمعلومات التي تقدمها (حكومة مستقيلة) ، مع ان بعض المؤسسات الصحية (مديرية صحة بغداد الكرخ- تحديدا) نجحت في احتواء المصابين وشفاء عدد منهم.

ولضمان احتواء هذا الفايروس ، فأننا نوصي بالآتي:

1- غلق المنافذ الحدودية مع ايران في الحال، والغاء اي قرار صدر او قد يصدر بتأجيل تنفيذه.

2- احالة من يستغل منصبه السياسي او الحزبي او الديني الذي يضغط على شرطة المنافذ الحدودية بالسماح للقادمين من ايران بالدخول الى العراق عبر شركاته السياحية الى محكمة الجنايات.

3- القاء القبض على الدجالين والمشعوذين الذين يستغلون الحدث لأستغلال البسطاء من الناس وعدم اطلاق سراحهم الا بضمانات رادعة.

4- قيام الوقفين السنّي والشيعي بالزام رجال الدين وخطباء الجوامع والحسينيات بدعوة الناس الى الألتزام بالوعي الصحي اولا بوصفه هو الأساس في تجنب الأصابة بالفايروس.

5.قيام وسائل الأعلام ، المرئية والسمعية والمقروءة، بالتعاون مع المؤسسات الصحية بما يسهم في نشر الوعي الصحي ، والتحول من موقف تصيد الأخطاء والهفوات الى الناقد الايجابي.

6- قيام السيكولوجيين والأطباء النفسيين بما يعزز المناعة النفسية لدى الفرد بتفنيد التهويل الذي تشيعه وسائل التواصل الأجتماعي، والتهوين المعزز بأدلة علمية تؤكد ان خطر الفايروس هو اقل مما يشاع عنه اعلاميا.

ان الألتزام بتنفيذ هذه الأجراءات والتوصيات يسهم في احتواء فيروس ماكر وخبيث، ويجنب العراقيين شر بلاء آخر..جديد!.

 

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

15 / 3 / 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم