صحيفة المثقف

قراءة في رواية تجلت فتحكمت للروائية نسرين ابو قلام

عقيل العبودعن دار الكتب العلمية للطباعة والنشر العراقية، تم إصدار رواية جديدة تحمل عنوان تجلت فتحكمت ب 263 صفحة من القطع المتوسط.

وهو الإنجاز الثالث للقاصة والروائية نسرين ابو قلام ويصنف ضمن النوع الاجتماعي ذات السرد التاريخي للرواية.

موضوعها يعالج أنماط التفكير الساذج للعقل الجمعي واتجاهات التسيب الثقافي مقابل انحسار العقل الواعي وتحجيم دوره في المجتمع.

والمشهد يعالج الأحداث المأساوية والتمزق الحاصل في الربع الأخير من القرن العشرين حيث صورة العراق من العام ٢٠٠٣ أوما قبل ذلك بسنوات حتى الآن.

مشهد الرواية قائم على تصوير التركيبة الاجتماعية للعائلة العراقية، حيث شخصية (ام الخير) شيماء بطلة الرواية والتي تنتمي الى الطبقة المتوسطة والبسيطة، وأنماط تعاملها وتفكيرها في المجتمع، حيث والدها الاسطة شاكر وامها معلمة الرياضيات في مدرسة الوحدة المختلطة الست (محاسن) وصديقة ام الخير (أنغام)، والتي راحت تروج فيما بعد على انها مديرة أعمال ام الخير ص ١٥١

مقابل (نصر) الطالب المتعثر في الدراسة والذي يمثل الطبقة السياسية الفاشلة في العراق.

حيث يلتقي مع ام الخير على قارعة الطريق يوم كان بصحبة زملائه والبداية مع المشهد الذي يبتدئ بمحاورة بين (ام الخير) قارئة الطالع (ونصر) الذي يتم مفاجأته من قبل ام الخير بأنه سيكون من اصحاب الشأن في المستقبل.

حيث مع هذه الإشارات، العقد النفسية تتأجج في نفس (نصر) الذي يبقى يعيش الوهم مستمدا منه لغة القوة حتى يتحقق له ما يريد تحت رعاية ظروف عوجاء ودائرة مشوهة من الجهل.

وعنوان الرواية (تجلت فتحكمت) يحكي عن مضمونها، والتجلي مقولة في موضوع الصوفية والعرفان ويعني انكشاف كنه الذات اي حقيقتها الجوهرية، التي إنما يشار بها الى أعمق مظهر من مظاهر الوجود الحسي للذات، وذلك إنما ارادت الكاتبة إيضاحه، اومعالجته في نهاية الراوية حيث شعور ام الخير بقدراتها الخارقة على كشف الأشياء أوبعض المخفيات لتتمكن من التأثير على عقول الناس وتتحكم بهم ومنه اسم الرواية ص ٢٠٥

(ارتاحت نفس (ام الخير) بحالة التجلي التي انتابتها)

وهو ما لايتطابق وطبيعة الحقيقة الجوهرية لشخصية (ام الخير) بطلة الرواية التي ارتبط اسمها بذات المضمون.

باعتبار انها أصلا اعتمدت الكذب والخداع في تضليل الاخرين وايهامهم بمصائرهم، اعتمادا على جارتها وزميلة دراستها (أنغام) التي كانت تنقل لها اخبار أهل الحي، ليتم تضليلهم فيما بعد من خلال متابعة تفاصيلهم كما حصل مع زوج جارتهم ام ايناس الذي التقطته أنغام يوم كان يلقم حبيته في المطعم بعض الطعام ليتم ادعاء العلم بذلك على لسان ام الخير ص ١٦.

فأم الخير بقيت تقنع نفسها كما فعل (نصر) من خلال ايجاد التبريرات المناسبة لعملها حيث راحت تهتم بدراسة (الكتب المتخصصة بعالم الغيبيات، وراحت تسجل ملاحظاتها ...عن فانغا العرافة البلغارية العمياء وداموس العراف المشهور) ص ١٢٨-١٢٩

وعلى غرار ذلك يصعد نجم (نصر) ( الذي يستلم حقيبة وزارة التجارة مع سطوع نجم موهبته التجارية الفذة) ص١٤٥

 

وتتصاعد وتيرة الأحداث لتحكي عن انهيار وضياع عائلة الاسطة شاكر والد شيماء ام الخير بعد فقدان شقيقها محمود، وبعد ان بقي مصير ام الخير خائبا معطلا، فهي لم تتزوج الا في نهاية المشهد من قبل محسن الذي احبها منذ زمان دون ان يحقق حلمه حتى حين ص٢٦٣.

ومع تقاطع الأحداث وتداخلها، صور المشهد الروائي تدور في تحليل ما حصل لاحقا من احداث اجتماعية تزامنت مجرياتها مع تركيبة الشخصيات وطبيعة التفكير الذي دائما ما يتصالح وحيثيات الواقع من توافقات وتخالفات سياسية واجتماعية وفكرية، حيث يفرض القوي ارادته على الضعيف مستغلا حاجته الاجتماعية اوالاقتصادية.

كما في المشهد التالي (اكل الندم قلب ام الخير ...ذلك امام سطوة نصر الذي قابل فيما بعد ام الخير في مكتبه لتجد نفسها ضعيفة امام نفوذه الذي به استطاع بعض الشئ ان يوقع ام الخير في حبائل شهوته لحاجة أرادت ان يقضيها لها لولا انها تداركت الأمر فيما بعد بيد انها بعد هذا الانصياع احست بالغربة عن المحيط الذي انتسبت إليه ص ١٨٧-١٨٨ تعبيرا عن الشعور بالضياع وسط ضبابية المسميات.

هنا من خلال انسيابية الخط الزماني للدراما الخاص بالمشهد الروائي للشخصيات، تتنامى فكرة الكشف عن الشخصية من جديد لدى الكاتبة من خلال اضافة بعض الموضوعات والرموز، حيث دراسة الباراسايكولوجي والعقل الباطن من قبل (ام الخير) ، مقابل (نصر ) الذي صار يبحث لان يكون رئيسا لحزب الوحدة وتحقيق النجاح في عمله بناء على تصعيد ما جاءت به ام الخير عند اول لحظة قراءة الطالع له، إشارة الى التشبث بدائرة الوهم من خلال البحث عن طريقة لإسناد هذا الوهم.

ومن خلال هذه اللحظة تتصاعد وتيرة الأحداث الخاصة بالسرد القصصي حيث ان مبنى ابو قلام قائم على سؤال مفاده هل ان ما يتنبأ به الإنسان امر فطري ام من صناعة المجتمع، كيف يصنع المجتمع ابطالا من خلال عقدة الوهم التي تلد وتكبر وتاخذ محلها في التأثير على الاخرين، كيف للوهم ان يصبح حقيقة ليأخذ طريقه في التأثير والإقناع .

فأم الخير الطالبة شيماء بنت الأسطة النجار شاكر صار لها شأن من خلال تنبوء العرافة التي قالت عنها انها ستصبح من ذوات الشأن يوم ولادتها، حيث أمطرت السماء بعد جفاف لفترة طويلة وحيث الغشاء أوالبرقع الذي كان يغطي وجهها لحظة الولادة مقابل هطول الأمطار التي اعقبت حالة الجفاف الذي طال المدينة لأكثر من شهرين ص ١٢ المقطع الأخير وهذا ما ارادت الكاتبة الغور في حقيقته كونه لغة سائدة في الاعتقاد الاجتماعي بين العامة.

والخلاصة ان السرد الروائي يقوم على أساس ثقافة الصراع الطبقي والفكري بين الشخصيات والتي تبتدئ بحياة ام الخير شيماء وتركيبتها الأسرية، تلك الشابة التي في ذاكرتها تجتمع جميع احداث الزمن المذكور والأمكنة بما فيها الطبقات المترفة التي تجتمع بهم ام الخير بدعوات خاصة لقراءة الطالع.

(تضاعفت مساحة الصالة المخصصة لمجلس (ام الخير) الأسبوعي بعد ان ذاع صيتها في كل المدينة، وصار قبلة سيدات شتى الطبقات الاجتماعية) ص٥٤

النتيجة ان الرهان يبقى قائما على لحظة إذعان لها علاقة بمصادفة ولادة جديدة لأم الخير بعد ان التحقت بمحسن زوجا لها.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم