صحيفة المثقف

الظروف العصيبة أكبر محرض على المبادرات التطوعية التبرعية الإنسانية

حميد طولستالمشاكل والأزمات والبلايا كشافة لمعدن الناس، مجلية لكامن صفاتهم، معرية لحقائق مراتبهم، فاضحة لشخصياتهم قوة  أو ضعفا من خلال اتزان أو سلبية تصرفاتهم التي يفرضها ظروف ما يلم بهم من شدائد وبلايا، تقوي عوائم البعض وتجعلهم مستعدين لبذل الجهود الفرعونية لمواجهة تقلبات الدنيا، وتجاوز محنها بسلام أو بأقل الخسائر، كحال إنسان الضفة الأخرى الكافرة، الذي يؤمن بأن خلق الله له لا يعني تواكله وإعتماده عليه فقط، ويعلم أنه ملتزم بالأخذ بالأسباب المادية لتفادي الكوارث ورد اضرارها، دون ركون أو تقاعس أو إنتظار، كما فعل الذين يؤمنون بأن الخلاص الفردي غير مجدي، وأن النجاة من الأخطار رهين في الجماعة والعيش المشترك وفي التعايش الجماعي الجمعي - والذين ننعثهم مع الإسف بالكفار-وأخذوا أمر وباء "كورونا" على محمل الجد، وبذلوا الجهود القمينة بمجابهتها، واستنفروا جميع الوسائل الكفيلة بوقف انتشارها، وسلكوا كل الطرق الموصلة لموجاهة آثارها السلبية، معتمدين على  العمل التطوُّعي، الذي هو أحد مكونات مجتمعاتهم المدنيّة، والذي تزداد أهميته وتعظم مكانته كلّما زاد تقدُّم المجتمع، فيتحوّل من عمل تطوعية فرديّ إلى أعمال تطوعية جماعيّة ومبادرات تبرعية إنسانية مُنظَّمة لخدمة الإنسان وتنمية الوطن، كتلك المبادرة الرمزية التي أقدم عليها الخياط الإيطالي الذي يوزع كل يوم كمامات على المواطنين مجانا وهو يجهش بالبكاء لما وصلت إليه بلاده إيطاليا، غيره كثير من التبرعاتهم الحاتمية الفرعونية، التي أقدم بها إمبراطور العطور الذي تبرع "جيورجو أرماني" لوطنه إيطاليا والمقدرة بــ 250 مليون أورو،  و"رونالدو" حويل فنادقه بالبرتغال إلى "مستشفيات" لعلاج المصابين بكورونا، ومبادرة "بيل غيتس"  الذي تبرع بنحو 150 مليون دولار، وصاحب موقع علي بابا،  الذي تبرع بـ144 مليون دولار لتمويل أبحاث لقاح فيروس، وشراء مستلزمات طبية لمقاطعة ووهان وهوبي، حيث تفشى الفيروس، وغير ذاك كثير من المبادرات التي يقصد من وراءها تكريم الأنسان ورفع الهم والكرب عنه، وتهوين شعور الحزن والحسرة وتحديات حياة الناس، دون تمييز عنصري أو تفرقة بناء على لون أو دين أوطائفة أو عرق، والتي يتنسم من خلالها المتطوعون والمتبرعون أريج التطوع وعطر العطاء، الأريج والعطر الذي تزيده فوحانا وانتشارا، مبادرة الملك الكريمة ،المتمثلة في "صندوق للتضامن ضد فيروس كورونا"  الذي ما أن أعلنت جلالته عن رَصْدِ اعتماد مهم به حتى ارتسمت الابتسامة على الشفاه، وغمرت السعادة في القلوب، وتلاحقت إمدادات من الموسرين الذين أغوتهم بادرة التبرع، الذي لن تقتصر على ذوي الدخول العالية، وسينخرط فيها جميع المغاربة بكل حماس وتلقائية وحماس بعد أن  استشْعروا جدية المبادرة، ولمس رجع صداها في مواجهة الشدائد وبناء القدرة على الصمود في وجه هذا الوباء، ضدا في المرتزقة، والسفسطائيين، والمتاجرين بالكلام الفارغ، الذي لا قيمة له ولا يعول عليه  في نفع الناس في هذه الظروف العصيبة، والذي لا تتثقن الجماعات المتأسلمة المهزوزة الغافلة والمُستعَبدة غيره في مواجهة أي مصيبة أو دفع أي كارثة، والتي تكتفي بإدعاء الخيرية والوسطية والفارقية على كل الأقوام والأجناس، الذين يحصرون تفكيرهم في أفق فكري ديني ايديولوجي ضيق، لا يتماشى مع الإرشادات العلموية وتوصيفات التطوع والعطاء والكرم، والتي تبقى لديهم، وفي كثير من الأحيان، تكتيكا شعبيا لا يلجؤون إليها للشعور بالطمأنينة والرضا عند مساعدة الآخرين على مواجهة المصاعب، وإنما يتصنعوه رغبة في حصول على تقدير الغير، أو لخلق سمعة حسنة، لأن العطاء بقدر ما هو عمل انساني، قد  يكون عملا أنانيا إذا لم يكن لوجه الله وللمشاركة فيما ينفع الناس.

 كم هو رائع أن تشارك في خير الناس،  لأن "أخيرَ الناس أنفعهم للناس" كما يقال، وخير دليل على ذلك الصين التي أعطت المثال، وحققت الإعجاز، حين هزمت كورونا بوعي شعبها التطوعي، وليس بكثرة الصلوات والأدعية، التي لست ضدها أبدا..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم