صحيفة المثقف

الوعي بالبعد الجمالي للخط العربي

إن الوعي بالبعد الجمالي للخط العربي وتناميه تماشيا مع التطور الحضاري العربي، يظهر بجلاء في الشعر العربي، وبذلك نجد بعض الشعراء قد أنجزوا نصوصهم وفق المعطى الجديد للشكل البصري، واعتمدوا الخط العربي في تشكيل المكان، من خلال مشاريع رؤيوية نظرت لتجربة جديدة بالرغم من بعض الأخطاء التي وقعت فيها.

وبشكل عام، فقد كان لهذه التجربة التي لاحت بوادرها في محاولات – وإن كانت محدودة – والتي كانت مع الشعراء: بنسالم حميش، من خلال ديوانه: كناش إيش تقول، المحاولة اليتيمة في هذا التوجه البصري. وعبد الله راجع من خلال: سلاما ويشربوا البحار. وأحمد بلبداوي من خلال ديوانه سبحانك يا بلدي، وناصر لقاح من خلال ديوانه أشجار نصيرة الجدلى، واحمد بلحاج آية وارهام من خلال ديوانه طائر السمسمة، ومحمد بنيس: في اتجاه صوتك العمودي وكذلك من مواسم الشرق، وأيضا من خلال كتابه ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب الذي يمكن اعتباره حلقة تنظيرية تروم بنية المكان فيما يخص المنحى البصري باعتبار أهمية المكان من الناحية الدلالية وأيضا من خلال دعوته للعودة حنينيا الى الخط المغربي. في حين  بلغت العلاقة بين الشعر والتشكيل محطة أساسية من خلال الكتاب المشترك بين الشاعر المغربي حسن نجمي والفنان التشكيلي محمد القاسمي بعنوان:" الرياح البنية". والذي يعد إنتاجا جديدا في القصيدة البصرية والتوجه البصري.

إلا أن هذه المحاولات وإن تميزت باستنادها إلى الخط المغربي في تحقيق البعد البصري أو إلى الأساليب المختلفة في تشكيل الجمل والمقاطع الشعرية واختزال المساحة وتنويع الفضاء، وإخراجها في منظور مغاير عما هو مألوف، فخصت قصائد شعرية محدودة من الشعر المغربي المعاصر فقط، ولم تتسع لتشمل النثر ولتمتد إلى الأعمال الكتابية في التراث المغربي في شموليته، كما أن عدم تشكل الوعي النقدي الذي يروم هذه المتغيرات؛ جعل هذه التجربة محدودة، خصوصا لدى محمد بنيس الذي فاقم من حدة عزلة هذه المحاولة حين أضاف رسومات لأجساد عارية حكمت مباشرة على القصائد الشعرية بالموت. وفي الوقت الذي أشار فيه إلى بنية المكان في الأشعار القديمة وإلى الأشكال البديعية التي تخطت الشكيل التناظري للقصيدة العربية الى منجز يروم البعد البصري، رسم دعوته التي تبدت في بعدها التنظيري تجديدية لكن مع التطبيق تبدت فيها مجموعة من الاختلالات، يتعلق بعضها بالتناقض والبعض الآخر بتعدد الدال كما أن بعض النصوص الشعرية أصبحت شبيهة في شكلها بالنصوص القرآنية، لأن بعض الأشعار كتبت بالخط المغربي المبسوط على النمط القرآني.

في حين يمكن اعتبار تجربة الشاعر احمد بلبداوي أكثر حظا في استمالة البصر، ونجحت إلى حد ما في وضع لمسة بصرية وفي تقريب المتلقي من الشعر الحديث، أو من التجربة الشعرية الخطية الجديدة، خصوصا وأن احمد بلبداوي اعتمد على تخطيط أشعاره بيده في تحقيق شعرية النص موظفا جماليات الخط المغربي المجوهر والمبسوط، كما وظف الخط الكوفي بشكل جمالي. وفي ذلك يقول: "حينما أكتب القصيدة بخط يدي، فإنني لا أنقل إلى القارئ معاناتي فحسب، بل أنقل إليه حتى حركة جسدي، أنقل إليه نبضي مباشرة، وأدعو عينيه للاحتفال بحركة جسدي، على الورق يصبح المداد الذي يرتعش على البياض كما لو كان ينبع من أصابعي مباشرة لا من القلم"  وهذا يحيل الى العلوم العقلية التي ظهرت في الآونة الأخيرة من بينها ماعرف بالغرافولوجيا (Graphology) الذي  يعنى بتحليل شخصية الإنسان انطلاقا من خط يده الذي يعتبر جزءا من شخصيته  وتكوينه البشري، بالرغم من كون  هذا الاتجاه (الغرافولوجيا) لايهتم بجمالية الخط.

إن تجارب هؤلاء الذين جعلوا من التركيب الخطي بعدا بلاغيا يفتح النص على البصر قد ساهمت في لفت النظر الى هذا المجال الابداعي، والانزياح إلى عالم مغاير جعل المتلقي يغير طريقة تفاعله مع النص المكتوب، بعدما قويت العلاقة بالخط والمكتوب في نطاق الرؤية البصرية وعملية الاستيعاب. خصوصا وأن تلك  النصوص بكل مفرداتها وعناصرها، قد تميزت بالأيقنة الفضائية والتلوين ومخاطبة لغة الألوان ومحاورة مختلف الخطوط.

 

د. محمد البندوري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم