صحيفة المثقف

عندما ينتصر الفيروس على الأنظمة

علجية عيشفيروس كرونا أصاب النظام الصحي كله بالشلل

رغم الدراسات التي تجرى لم يتوصل كبار الخبراء في العالم على مستوى المخابر إلى إيجاد دواء للقضاء على فيروس كورونا (كوفيد 19)، أو على الأقل لقاح للتقليل من الخطورة، لاسيما وظهور هذا الفيروس أحدث انفجارا على كل المستويات، وأصبح يشكل هاجسا للحكومات، لاسيما في العالم العربي، بل أحدث انسدادا في الأفق السياسي، حيث أجلت كل القضايا المصيرية من أجل التكفل بهذا الفيروس ومحاصرته، كانت الحلول غلق المؤسسات والأماكن العمومية كالمقاهي والأسواق والمساجد وكل الأماكن التي يمكن للفيروس أن يتسلل إليها، وفشلت الأنظمة في مواجهته ومحاربته، هذه الأنظمة التي اخترعت السلاح والقنابل المسيلة للدموع  ومختلف أجهزة القمع لمجابهة مواطنيها في الحركات الإحتجاجية للمطالبة بحقهم في "المواطنة" وتفعيل اللامركزية، لم يستطع خبراؤها أن يبتكروا مضادا للفيروس، رغم ما تتوفر عليه هذه الأنظمة من رؤوس أموال كان من المفروض أن تخصصها للبحث العلمي وتكوين كوادرها الطبية وإعادة رسكلتهم، لكن هذه الأموال للأسف استثمرت في الترفيه والرقص في الحفلات وفي الولائم بمناسبة وبدون مناسبة.

الفيروسات أيضا " أمّة " تتنفس وتتحرك ولها القدرة على الحياة والإستمرارية، لها مملكتها الخاصة و هي تسير بقوانين وأنظمة مثل البشر، فهي عالم فريد متفرد بخصائصه، منذ 04 سنوات فقط اكتشف علماء ما يزيد عن 1500 فيروس، طبعا ليس الحديث هنا عن عالم الطفيليات والبكتيريا، التي تسبب المرض وتؤدي بالإنسان إلى الموت، كما أنه لا يمكن التنكر للجهود التي تبذلها المخابر لتوفير الدواء أو اللقاح لإنقاذ أرواح الملايين من البشر، لكن يحق للمواطن أن يتساءل في ماذا استثمر المال العام، والمنظومة الصحية في القطاع العمومي هي الآن في الإنعاش (الكومة)، كباقي المنظومات الأخرى التربوية، الثقافية وحتى الدينية، ونقصد هنا الخطاب الديني الذي لم يناقش القضايا العلمية داخل المساجد لتوعية المصلين وتثقيفهم، باعتبار أن المسجد مدرسة للتعليم والتثقيف، لم يبادر أئمة المساجد ولا بمبادرة في دعوة أطباء أكفاء للمشاركة في خطبة الجمعة، هذه الخطب التي اقتصرت على شرح المسائل البسيطة التي يعرفها الإنسان العادي.

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: أين هو دور الجامعة الجزائرية في تكوين كوادر مؤهلين؟ وتوفير لهم ما يلزم من مخابر علمية وتجهيزها تجهيزا يتماشى والتطور العلمي في العالم، فالتجهيز لا يعني وضع أجهزة إعلام آلي ودعمها بالإنترنت وكفى؟ وفتح باب الإنخراط في المخابر،  والدليل أن جل العمليات في مجال الولادة مثلا أصبحت قيصرية (شلّح) ولم نعد نسمع أن امرأة وضعت جنينها بولادة طبيعية إلا في حالات نادرة، وهذا لتخلي بعض الأطباء والقابلات على مبادئ وأخلاقيات المهنة التي تنص على ضرورة تهيئة الحامل لوضع حملها، وفي ظل استحداث هذه الجراحة تحولت هذه الأخيرة إلى وسيلة يلجأ إليها الكثير من الأطباء والقابلات لتفادي عناء مسايرة المرأة حتى تضع مولودها، هذه عينة فقط لإعطاء صورة عن قطاع الصحة في الجزائر، دون الحديث عن الأخطاء الطبية التي تقع بين الحين والآخر، والتي عصفت بين الطبيب والمريض، حيث تصل الأمور في بعض الأحيان إلى العدالة.

الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها أو الهروب منها هي أن فيروس كرونا أصاب النظام الصحي كله بالشلل، وأثبت عجز الأنظمة كلها في مواجهة مثل هذه الأخطار والكوارث الصحية وكشف فشلها، وأكد أن الوعي السياسي غائب، أمام الأرقام التي يعلن عنها يوميا حول عدد الضحايا المتزايد والمخاوف والتحذيرات والتهويلات اللا متناهية،  وأمام ما يروج بأن هذا الفيروس من صنع القوى السياسية الكبرى، اتخذته سلاحا بيولوجيا لضرب كل الأنظمة في العالم، بما فيها الأنظمة العربية، وهنا نقول أن الأحزاب السياسية لم تثبت قدرتها على مواجهة الأخطار، وهي كما كانت تدّعي تملك كوادر وإطارات في مختلف التخصصات، أذكر ما كان يصرح به أحد رؤساء الأحزاب في الجزائر وهم يتوجهون إلى المواطن في الحملات الإنتخابية بالقول: عندنا "الطبّة" (أطباء)، عندنا محامين وقضاة، عندنا المهندسين، وعندنا الأئمة والعلماء ..الخ في محاولة التأثير في الجماهير، والسؤال يفرض نفسه، طالما الفيروس ينتشر ولا يوجد له دواء، فهل وجب علينا أن نتعايش مع الفيروس عن طريق الوقاية فقط باستعمال وسائل التنظيف والتعقيم بشكل يومي، ونلزم بيوتنا كالنمل إلى حين تتوقف الحياة.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم