صحيفة المثقف

الروائي قصي الشيخ عسكر يقدم رؤية سياسية في رواية: ربيع التنومة

روعة الرواية الناجحة هي قدرتها على سرقتنا بشكل جميل  من الواقع والمنغصات الى ضفاف الخيال والحلم والمغامرة، الروائي” قصي الشيخ عسكر ” في روايته (ربيع التنومة) يستخدم أدواته الفنية خاصة في الجزء الاول من الرواية وقد حمل عنوان (السفر الأول – الانتفاضة- حيث تلتبس الحياة بالموت) الرواية الصادرة من دار امل للنشر والتوزيع – دمشق ومؤسسة المثقف العربي سنة الاصدار 2019 والتي تقع في 170 صفحة ، هذه الرواية من الضروري ان تكون قراءتنا النقدية لها تعتمد على التفاصيل الدقيقة من داخل الرواية! لأن النظر الخارجي للمعمار الفني للرواية لا يوضح تلك الرؤية السياسية التي احيانا تكون ساخرة ،سخرية سوداء واحيانا تكون قاسية ومؤلمة، وسوف يسأل القارئ نفسه هل يمكن للعراقي ان يتحمل كل هذا الكم من الظلم والالم والمعاناة، وهو لا يزال قادر على العطاء والحب وحتى الفرح والسعادة ويكون له أمل؟ ويصاب بالحيرة لأيجاد الجواب عن سؤال آخر: لماذا كل هذا يحدث لنا من دون كل البشرية؟ “حقا نحن العراقيين لم يبق لنا صاحب في هذه الدنيا فكل بلاد المعمورة تناصبنا العداء، لدينا كل شيء، يقول شيوخنا كبار السن ويضيفون، أجل كل شيء، الماء والزرع والنفط، لغنانا وخيراتنا يبغضنا الآخرون، لا أحد يحب فقيرا، والعالم كله يحسد الغني”ص7

78 qusayaskar

العنوان – الاقتباس

استخدم الروائي كلمة (الربيع) التي طالما استبدلتها الشعوب العربية بمصطلح (الخريف) كدليل على فشل ثورات الربيع العربي والتي تم سرقتها من قبل  احزاب دينية فاسدة او عساكر نسخة طبق الاصل من الانظمة العسكرية الراحلة او فوضى الحرب الاهلية! اذن عن اي ربيع نتكلم؟ لذلك كلمة ربيع في هذه الرواية قد لا تعني الا (الفشل)،ربيع التنومة الذي يشير الى انتفاضة عام 1990 بعد الحرب الكونية ضد العراق لأخراجه من الكويت،، بعد ان شعر الشعب العراقي بالملل من الحروب الفاشلة “في آب عام 1988 انتهت حرب، وفي آب عام 1990 قامت حرب أخرى” وهنا الروائي يسترسل بسردية كوميدية ساخرة يسحب من المتلقي ابتسامة الاستهزاء التي قد لاتعبر عن اي نوع من الضحك السعيد بل هي سخرية القدر، التي تجعل السارد (عبد الله بن عبد الرحيم) الاعرج ان يكون مفجرا لثورة الشعب في التنومة ضد الطغيان واستسلام الجيش عام 1990 “لم يكن بوسعي أن ألعب مع صبيان الحارة الذين يتجمعون عصر كل يوم ليتباروا في كرة القدم. وفي لحظة الهياج واختلاط الامور كان ترنتي يقتل أعداءه وينفخ فوهة المسدس وهو يقول Kiss Kiss  … كان هناك أناس يتراكضون، وحزبيون يهرولون في الشوارع والأزقة، حثثت الخطى باتجاه المسجد… البيان الأول جواب اهل العشار! كنت أقف أمام المايكرفون والكلمات تسعى على لساني سهلة لذيذة حلوة حماسية:-

أيها اللواء البطل

لقد انهار الجلاد والثورة تشتعل في كل المحافظات

يا ابناء شط العرب اشاوس:

يا اهالي التنومة. ظننت نفسي أحلق بعيدا. اقود أناسا يعرفونني جيوش تستسلم لي. هي المرة الاولى أقف خلف ميكرفون، لا أصدق عيني.بل لا أصدق نفسي. أيعقل أن يستسلم لواء كامل لنداء شخص أعرج مثلي”ص46

 من ربيع التنومة الى خريف السجن

يملك الروائي قصي الشيخ عسكر القدرة على صياغة الاشكال السردية المتنوعة في روايته (ربيع التنومة) فبعد ان يصور لنا التنومة وهي تحلم بالثورة والانطلاق والانعتاق احسن وصف ويتسرجع التنومة  ( يقول أبي عن أبيه وامي عن جدتها إن الانكليز عام 1914 جربوا كل المزروعات في العراق القطن والموز.نجح الموز في شط العرب) ص17 ، وسرعان ما ينتقل ليصور التنومة  وهي تعاني مما اصاب الانتفاضة من فشل (موت ثان وخراب وسرقة وقتل! في حرب العراق وإيران القادسية المزعومة فرت التنومة بعد ثلاث سنوات إلى العشار وها هو الأمان يحدق بقبضته علينا فيفكر الآخرون بالعبور إلينا وكانت الدعة ذاتها بوجهها القديم ولباسها الزاهي الجديد أبشع صورة من الخوف المحدق بالعشار إذ في التنومة الساكنة الهادئة العائدة للحياة من جديد تسقط امي مشلولة من الخوف)ص31

السخرية والمأساة

لا تغيب عن الرواية حس السخرية لدى السارد حتى في احلك الظروف ومدينته التنومة تتعرض الى ابشع انواع الاقتحام من قبل رجال النظام لتعقب الثوار واعدامهم “انا الان اكره كل نكته أمام الموت. أكره كاري كوبر وترنتي ولا أعجب ببطل يقتل الآخرين وهو يدخن السيجار ويعوج فمه ساخرا من موت رأيته على الشاشة فرحا فكرهته الآن وبطل صفقت له وهو يقتل أمامي بشحمه ولحمه ينفخ فوهة المسدس ويهتف Kiss “ص37

السجن

المكان الثاني الذي تدور فيها احداث الرواية هو اماكن التوقيف والسجن (حيث يلتبس الموت بالحياة)وهنا تتحول الشخصيات وتتبدل سماتها ليكون الكلام عن الشخية (المهزومة والمقهورة واليائسة) فتخلو السردية في هذا الجزء من تلك لسخرية المشوقة والوصف الجميل فلا يبقى الا العذاب والظلم واغتيال انسان الانسانية، وفي هذا الجزء الثاني من الرواية التي اطلق عليه الروائي السفر الثاني – السجن قد نرى محاكاة الى ما جاء في روايات اخرى من اساليب التعذيب خاصة رواية (شرق المتوسط) عبد الرحمن منيف ، وقوة الوصف تجبر المتلقي على الحزن والكآبة فينسى ما كتبه الروائي من سخرية مضحكة في الجزء الاول (نعم تغيرت الأسماء والصفات ويجب من الان ان تبدل كلها إلى معان أخرى)ص87

الاعاقة

احيانا ما يؤلمنا ان تتحول العيوب والنواقص الجسدية  والاعاقات الى طوق نجاة للهروب من التهم المميته التي كانت تلصق ظلما بأي شخص خرج بالصدفة الى الشارع ليعد من المشاركين بالانتفاضة ضد النظام (سيدي انت تعرف أني معاق لا أقدر أن أجاري مشي الأخرين ولا اعرف استخدام السلاح فكيف اطارد كل هؤلاء الابطال ولم أفعل ذلك أهذا يعقل والله لا أقدر ولو كنت غير ذي عاهة”ص104

الخاتمة

كان التنومة والسجن هما يمثلان كل العراق في ظل انتفاضة 1990 التي تخلى عنها الامريكان واتفق مع النظام في خيمة صفوان على ضرورة ان يتم القضاء على هذه الانتفاضة التي تريد ان تجعل العراق (هدية) لأيران ! من خلال رفع شعار (ماكو ولي الا علي  نريد  قائد جعفري) “يتوقف الجنرال شوارسكوف لحظة يتأمل ولا يبتسم لسخرية القدر. ما عليه إلا ان يظهر بقسمات جادة مثل ملامح لاعب البوكر ومن حق الرئيس بوش وحده أن يبتسم وهو يرى العراق كله مغطى بشعارات وصور تبعث في نفسه الريبة والخوف. سوف يسقط العراق بيد إيران، امريكا تقدم بلدا كاملا بملايينه وشعبه وخيراته لقم”ص62

الرواية عبارة عن وثيقة تاريخية لاتخلو من الالم واستذكار تاريخ العراق المضطرب.

 

حمدي العطار

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم