صحيفة المثقف

الإيطاليون ينزلون علم الاتحاد الأوروبي ويستبدلونه بعلم الصين

بكر السباتينفماذا بعد فتح "كورونا" لصندوق "باندورا".. ثم ماذا يا ترى وراء الأكمة!

فيروس "كورونا" يقتحم العقل الرأسمالي المتوحش ويخلط أوراقه التي أخذت تضيع في مهب زوبعة الوباء القاتل، الذي تمدد في العالم وخاصة القارة الأوربية وضرب أحد أهم معاقلها التاريخية.. إيطاليا، التي صدّرت الميكافللية إلى العالم ذات يوم لتلتقط أنفاسها، بعد أن التهم التوحش الرأسمالي ورقة التضامن والتكافل بين دول الاتحاد الأوربي، المحكومة إلى القوانين التي لم تذكر في سياقها أيّ بندٍ ملزمٍ في هذا البعد الإنساني، سواء في معاهدة ماستريخت أو إعلان كوبنهاجن.. ولكن الأخلاق تفرض على الجار حق الجوار، ويمكن اعتبار الفايروس بمثابة عدوان مدمر يستوجب معاملته ك"عدوان عسكري" متمدد في خطورته، ما ينسجم قياسياً مع اتفاقية حلف الناتو القائمة على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.. ولكن الفكر الرأسمالي المراوغ لم يمنح إيطاليا فرصة المساعدة اللوجستية في التصدي للوباء، وهي سقطة واضحة لأن الحريق إذا أصاب كوخ الحارس سيلتهم البستان ويأتي على الديار بالخراب. إنها الذرائعية التي استوحاها زعماء الاتحاد الأوروبي من أستاذهم التاريخي الذي علمهم أصول السلطة والوصولية النفعية التي تضمنها كتاب "الأمير"، فانعكس السحر الميكافللي على روما وترك الوباء يلتهم الأخضر واليابس فيها، في ظل تجاهل أوروبي فاضح، إلى أن نشب حريق الكورونا في عموم القارة العجوز، وصارت كل واحدة من دول الاتحاد تخلع شوكها بيدها.. أما الصين من جهة أخرى، فقد بدأت بالتعافى من الوباء تدريجياً، لتبادر بكل شهامة الباندا الصيني الأليف، لتضع كل خبراتها في يد الإيطاليين، وانتشر أطباؤها وحمائمها البيض في أروقة المشافي لكسر "نظام القطيع" الذي يعتبر أحد أشكال "الدارونية" و"النتشية" القائلة بأن البقاء للأقوى ومن هنا أحرق الإيطاليون ورقة التضامن الأوروبي الزائف، وأنزل بعضهم علم الاتحاد الأوروبي، واستبدلوه بعلم جمهورية الصين الشعبية الأحمر بنجومه الصفراء.

لقد جاء فيروس كورونا ليفتح "صندوق باندورا" الأسطوري الذي ذكر في الميثولوجيا الإغريقية، وهو صندوق حُمل بواسطة السيدة التي حظيت بكل شيء، وتدعى "باندورا" ويتضمن الصندوق كل شرور البشرية من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ووقاحة ورجاء.. كل هذا الخليط تجلى في شخصية ملهمة للشرور وتمثل الرأسمالية في أبشع صورها. حيث كان الرأسمالية ما وراء الأطلسي تستعيد توحشها، ووصل بها الأمر إلى حدِّ أن تأكل القطة السمينة أبناءها بعد شبع. ففي بلاد العم سام باغت المقامر الأبرص دوناند الترامب المشهد الأمريكي بشعاراته اليمينية العنصرية، وفتح حربه التجارية والبيولوجية مع الصين، والتهم حقوق الشعب الفلسطيني من خلال صفقة القرن ونهب الصناديق السيادية لبعض حلفائه في الخليج العربي، وعاث فساداً في الأرض، ورغم هذا الترف، فقد التهمت "القطة الأمريكية قصيرة الشعر" أبناءها من خلال تقليص ترامب من ميزانية الإدارات الصحية، والبيئة لصالح الميزانية الفيدرالية الامريكية المتخمة، إنها الميكافللية في أبشع صورها، ورغم هذه العربدة في استخدام السحر إلا أنه انقلب على الساحر حينما باغت وباء الكورونا أمريكا.

من جهته، استعان المؤرخ والكاتب الأمريكي مايك ديفيس، فكرة كيف أن وباء كورونا فتح صندوق باندورا الأسطوري موحياً إلى قذارة الرأسمالية حيث وضعها الوباء في وجه المدفع وعرضها للنقد باستمرار.. حيث قال ديفيس مؤلف كتاب “عالم الأحياء الفقيرة” و “مدينة الكوارتز”، في مقال له بعنوان “أزمة كورونا وحش تغذية الرأسمالية” في أن النظام الرأسمالي المتوحش في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى تاريخه ساهم في وصول ترامب إلى البيت الأبيض تحديداً الذي أصابت قراراته النظام الصحي الفيدرالي بكارثة أصابته بالشلل في مواجهة وباء كورونا.

وطرح ديفيس مثالاً على توحش الرأسمالية تجلى بتقليص ميزانية الإدارات الصحية في الولايات 21% في موازنة ترامب الأولى عام 2017، كما قام ترامب بإغلاق مكتب الأوبئة التابع للبيت الأبيض والذي كان باراك أوباما قد أنشأه عام 2014 في أعقاب تفشي فيروس الإيبولا لضمان استجابة وطنية سريعة ومنسقة بشكل جيد لمواجهة أي وباء جديد.

وفي المحصلة، فإن القطة التي التهمت ابناءها تحاول إحياء ما صار رميماً بعد أن انقلب السحر على الساحر، وباغت الكورونا بلاد العم سام وأخرج ترامب من منطقة الأمان لأن ما قيل بأن فيروس صنعته المختبرات الأمريكية عام 2015 خرج عن السيطرة، وصار من المحرج الإعلان عن المصل قبل مرور فترة منطقية تخرج أمريكا من سياق التهم التي وجهها الصينيون نحوهم.. وخلط أوراق الساحر ثم وضعها في وجه الريح.. وبدأت الصين الشعبية تتعافى، وهي التي رفع الإيطاليون علمها الأحمر، محل علم الاتحاد الأوروبي الذي أنزلوه عن السارية، ليرفرف في سماء القارة العجوز معقل الرأسمالية ومشرعيها التاريخيين.

 

بقلم بكر السباتين..

24 مارس 2020

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم