صحيفة المثقف

الجائحة كورونا وصحوة الضمير

محمد الورداشيإن المتتبع لكل ما يكتب وينشر حول جائحة كورونا في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الجرائد المغربية، الورقية منها والالكترونية، وفي مناقشة أفراد الأسرة فيما بينهم، وما يتداوله العامة في الشوارع حول هذه الجائحة، يدفع بك باعتبارك قارئا بسيطا إلى التساؤل: ما سبب ودوافع تفاعل المغاربة مع الجائحة "كورونا"؟ وهل ثمة مثيل لهذا التفاعل لدى الدول التي تعدّ بداية للوباء، والأكثر تضررا منه؟ هل كنا ننتظر الجائحة ليصحو ضميرنا صحوة متأخرة، ثم نبحث عن بقايا إنسانية متشظية داخل نفوسنا حتى نظهرها الآن؟ ما سر هذه التبرعات المجانية، والنبل المفرط، ومحاولة محو التفاوت الطبقي الوهمية ما دام الواقع يفند كل هذه الدعاوى المزعومة؟ ما الفائدة من جمع التبرعات ما دامت أسر مغربية تعاني فقرا مدقعا مزدوجا؛ إذ وجهه الأول يتمظهر في وباء كورونا، والوجه الثاني الأكثر حضورا لدى هذه الأسر حتى بات مرضا مزمنا، أو ضيفا طاب له المقام بينها فأقام، يتجلى واضحا في الظروف المزرية التي تعيشها قبل وبعد الوباء: ظروف اجتماعية هزيلة بحيث لا صحة تشفي الجراح، ولا تعليم يحارب الجهل والأمية، ويرفع من منسوب وعيها ووعي أبنائها، وبكل بساطة نقول إن هذه الأسر كانت وما تزال محرومة من كل أشكال العيش الكريم. لتضاف إلى هذه الأزمات الاجتماعية المزمنة أزمةٌ نفسيةٌ جديدة؛ لأننا نلاحظ أن الكثير من المغاربة لم يتلقوا هذه الجائحة عن وعي عقلاني، وإنما كانت بمثابة الصفعة التي تصفع وجه شخص غائب عن الوعي، ليستيقظ من سباته في هلع وجزع وفزع مفرط. وهذه الهزة النفسية واضحة للملاحظ ولو من بعيد، والتي تترجم من حيث غيابُهم عن الشوارع، واختباؤهم داخل بيوتهم يتجرعون كأساَ مترعةً بعلقم الوباء من جهة، والفقر والهشاشة من جهة ثانية. إني أقصد أسرا مغربية فقيرة كادحة، ولا أتحدث عن الأسر الميسورة التي تعيش بنمطية متوحشة وأنانية لا تعرف إلا نفسها، وتتبنى شعارا لها مفاده "البقاء لي والموت للرعاع والهمج".

هل كنا ننتظر كورونا لنعرف قيمة الكتاب؟ طرحت هذا السؤال؛ لأن الكثير من الأشخاص يطلعوننا على معلومات في كتاب، كل يوم، يستشرف الحروب البيولوجية، ويتحدث عن الجائحة المستجدة منذ سنوات خلت، وهذا شيء مشرف للأدب حتى نعرفَ قيمتَهُ، وأنه ليس بعيدا عن حياتنا اليومية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية الفكرية. بل إنه خير وسيلة للتعبير عن هموم الإنسان داخل الكون، وعما يهدده من تحديات وحروب تدميرية مستقبلا، وبهذا يكون الأدب نذيرا للإنسان الذي يعطيه حق قدره، ويعرف قيمته الاستشرافية المستقبلية.

هل ننتظر الجائحة لنرصد عدد الإصابات كل يوم؛ كأننا ننتظر نتيجة اختبار في امتحان مهم؟ إني أطرح هذا السؤال في استغراب كبير؛ لأنه يجعلني أعتقد أن المغاربة ليسوا موجودين، أو يعيشون بأجسادهم لا قلوبهم، في المغرب، فالمستشفيات المغربية تحصد أرواحا كثيرة كل يوم، نظرا لانعدام المؤهلات الطبية من جهة، وقلة الأطباء من جهة أخرى. وعلى من يريد التأكد أن يذهب إلى مستشفيات المناطق الجنوبية الشرقية في المغرب، وأخص بالذكر مدينة زاكورة، ليرى كم يعاني المرضى هنالك، وكم من امرأة حبلى فقدت حياتها وحياة جنينها ساعة الولادة؛ لأن الطبيب في رخصة، أو أنهم لا يستطيعون فعل شيء، ومن ثم، يجب على المرأة الحبلى أن تذهب لمدينة ورزازات، ومن هذه الأخيرة إلى مراكش... لكن ما يدمي العين، ويحزن القلب حقا، هو موتُ المرأةِ الزؤامُ في منتصف الطريق. وعلى من يريد أن يعرف أن الجائحة لا شيء أمام الأوبئة الصحية والاجتماعية المزمنة داخل الجسد المغربي، فليذهب إلى المستشفيات الكبرى في الدار البيضاء، وأخص بالذكر ما يسمى ب"ميرزغو" ليرى بأم عينيه عدد المرضى والموتى هنالك، وأنهر الدم المتدفقة، ورائحة الموت التي تكتنف المكان كله، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى. وما أهدف إلى توضيحه هنا، هو أن المغاربة اعتبروا الجائحة شيئا يهدد كيان المجتمع، وعدد الإصابات الحالي اعتبروه شيئا خطيرا للغاية، يتطلب منا الجزع والفزع و... لكننني أتساءل، في قرارة نفسي، هل كنا ننتظر الوباء لنعرف أن المغاربة أغلبهم مرضى، إما بمرض السكري أو الملح أو....؟

وفي ظل جمع التبرعات المجانية لمحاربة كورونا، والظروف المزرية الحالكة التي يعيشها الفقراء والكادحون المعذبون في الأرض، تفاجأ الأساتذة باقتطاعات مالية كبيرة من أجرتهم الهزيلة، بحيث تراوحت هذه الاقتطاعات بين ألف درهم وألفي درهم. ولا سبب يفسر هذه الاقتطاعات التي تعد سرقةً موصوفةً، ووباءً آخرَ يُضاف إلى كورونا، ليثقلا معا كاهلَ الأستاذ المغربي، علما أنه ما يزال مواكبا لمهمته من بيته (الإنترنيت والحاسوب من ماله الخاص)؛ أي التعليم عن بعد. وبهذا تكون الحكومة المغربية كمن يعطيك باليد اليمنى (أجرتك الهزيلة التي أنهكتها الاقتطاعات لمدة سنة) ليسرق ما أعطاك إياه باليد الشمال.

وفي الختام، أقول إن الجائحة كورونا القديمة/ الجديدة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها، ستمر كالعاصفة السريعة، لكن المجتمع المغربي سيظل يعاني أوبئةً مزمنةً (الفقر، البطالة، الصحة، التعليم، الأمية، التفاوت الطبقي...) إلى أن يرث الله أرضه ومن عليها من الأنام. ورغم كلامي هذا، فإني لست نظيرا لشوبنهاور، ولكني متفائل في المستقبل؛ لأن الخير سيكون في الأجيال القادمة، أما أهل زماننا هذا، الماسكون بزمام الأمور، فلا خير يرجى منهم.

 

محمد الورداشي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم