صحيفة المثقف

الضفة الأخرى

قاسم ماضيمسرحية بطلتها شخصية واحدة، وهي متظاهرة، ومسعفة تسهم مع اخواتها واخوانها في التظاهر والمطالبة بحقوق شعبها، لا يتجاوز عمرها الثلاثين سنة، وهي تتظاهر في ساحة الخلاني، أو ساحة التحرير، أوساحة الوثبة " أو في بقية المحافظات . مرتدية الزي الخاص بالممرضات وتحمل بين يديها أدوات الإسعافات الأولية .

اصوات من كل الجهات، يرافقها اصوات إطلاق رصاص حي، مع ضجيج صاخب ممزوج بأصوات تخرج من مكبرات الصوت، وهي ترتدي الصدرية البيضاء و تضع كمامة على أنفها أو في مقدمة الوجه وبعض ألادوية تحملها في يدها اليسرى أو اليمنى " وهي تجيء ذهابا وإيابا ً من داخل المسرح وخارجه، وتستمر بحركتها، ويبدو عليها التعب واضحاً من خلال " الوجه " والملابس التي ترتديها .

الشابة: بهمس وهي في مقدمة المسرح، وتبدو منهكة

أخيرا بوسعي أن أخلع حذائي " وهي تتأوه كثيرا من شدة التعب

البوت الثقيل الموحل " تجلس على خشبة المسرح محاولة إنتزاعهما بطريقة صعبة

تتأفف " وهي مستاءة جدا من هذه الرائحة التي تحيط بها وكأنها تريد أن تعّبر عن لحظات ازدراء

الشابة: أوف يالها من حياة متعبة ومملة أين المفر، أصبح كل شيئ مقرفاً هذه الأيام "

" بطريقة مرتبكة وهي تنظر إلى اليمن والشمال " ومع تصاعد أصوات من كل مكان .

الشابة: بنطالي البالي المتسخ، "بتعب " وقميصي أزرق اللون الذي يلمع بما عليه من تراب امتزج بالعرق والرائحة الكريهة

" صوت رصاص من كل مكان "

الشابة:بصوت فيه توسل وكأنها تحاكي أحدا ً أو الجمهور

أخيرا ً هل بوسعي أن أغتسل وأرتدي ملابس أخرى مثل باقي البشر

" وهي تتقدم إلى الأمام " وكأنها تبحث عن شيئ فقدته بين المتظاهرين

الشابة: لقد بدأ ذلك منذ بداية التظاهر، لكنه القدر الذي غالبا ً ما يمارس معنا، الاعيب تفوق قدرتنا على التوقع . وهنا ممكن ان نطفأ الإضاءة ويظهر

على الحائط السايك حركة لمتظاهرين وهي مادة فلمية تنسجم مع روح المشهد وهي تحاول الدوران

الشابة: نحن أيضا نرغب في عبور الجسر، والذهاب إلى محطة الأمان هكذا يقولون ويرددون هذه الكلمات "

" بقوة وحسم " توسلت إليهم الا يقبلوا بمخاطرة الذهاب للعبور إلى الجهة الأخرى .

الشابة "بحركة سريعة على خشبة المسرح مع تصاعد الأصوات، وهي حائرة ومرتبكة "

مخاطرة، أجل مخاطرة ليست سهلة، لأن العبور يكلف روحك، أجل روحك . "مستمرة "

يعني أنت تموت، تموت بالرصاص الحي، أو المطاط الثقيل، أو الغاز المسيل للدموع أو إطلاقات الصيد " وهي تصف المشهد "

الشابة: سيجعلنا نواجه خطرعدم العثور على هؤلاء الأوغاد، ربما تركوا قلاعهم المحصنة " وتقصد المنطقة الخضراء التي يسنكونها عنوة "

الشابة: مما جعلني أشعر بقشعريرة تسري في جسدي كله " صوت موسيقى حزينة " وأصوات إطلاقات في الجو"

الشابة: ومع هذا يحدونا آمل بأننا سنعمل شيئا ً لهذا الوطن " آهات وتردد الوطن عدة مرات " وسوف ننطلق بأقصى سرعة ممكنة، هيا أخوتي " تنادي مع إشارات توحي بالتواصل معهم "

الشابة: بصراحة لم يكن لدينا وقت للتفكير في النوم .

" وهي منفعلة وبصوت قوي "

أو تناول الطعام أو . أو . أو لم نكن نفكر سوى في إمكانية أن نحصل على خيول، أو طائرات أوحتى مركبات فضائية للقضاء على هذه الفلول القادمة من خارج البلاد، كي نصل إلى الضفة الأخرى .

" تقصد المنطقة الخضراء " ظلام " وهي تنتقل من مشهد إلى آخر

الشابة: في الليل كان الجو باردا للغاية، ومع هذا لم يستبد بنا الإرهاق والخمول رغم تزايد أعداد الضحايا وقد أصبحت أرقاما مخيفة، وكان الجميع على أهبة الأستعداد، بإستثناء ومضات أمام عيني والتي تتكرر كثيرا الآن " أصوات وصياح واطلاق رصاصات حية من كل اتجاه "

الشابة: صداع شديد في رأسي، تكاد رأسي ينفجر، " وهي تمسك برأسها " تكررت الومضات أمام عيني أمس واليوم "

" وهي تهرول في كل الجهات تريد أن تقول شيئا " مع أصوات اطلاقات ترافقها في ساحات التظاهر .

الشابة: أسمع، هناك غربان كثيرة " وهي تدور على خشبة المسرح "

" تقصد المليشيات الملثمة والقناصين غير معروفين التي تقتل المتظاهرين "

الشابة: أجل غربان كثيرة برؤوس كبيرة تتبختر على الرصيف، انتبهوا أخوتي "

" وهنا تنفرد على جهة اليمين أواليسار وهي حالمة وتتحدث وكأنها غير موجودة تماما "

الشابة: عندما استيقظت

"وهي تحلم " في فضاء المسرح وكأنها تبحث عن شيء مفقود

الشابة: تأملت الشمس فبينما ينظر المرء هناك، "عدة مرات " تكررها بطريقة فيها آمل

الشابة: يجد الأنسان مكانا رائعا للجلوس

"وهي تسير ببطء"

الشابة: ومن حين لآخر من الممكن سماع " تضع يديها على أذنيها " وتردد "

الشابة: الوطن ! الوطن، الوطن الذي ضيعته ثلة فاسدة، سأغادر آفيون قلقي المدمر بسبب آدماني عليك .

الشابة: تردد كلمة "

الوطن " بحرقة عدة مرات وبطبقات مختلفة وهي حالمة "ومن الممكن أن يأخذ المشهد رؤيا أخرى "

وهي حالمة تردد "

الشابة: وها أنت تراني الآن ملتصقة بك حد الصدق، ومتى أراك وتحلّق النوارس حولك

" ترافقها موسيقى حالمة "

" ثم تتحرك " لأداوي جروحي المغروسة في نياط قلبي الذي إرتبط نبضه بنبضك " وهي تقصد الوطن " مستمرة " منذ الطفولة وأنا أبحث عنك، وأنني لم ألمس منك شيئاً لحد الآن .

" وكأنها تفرش يديها كالطائر في السماء "

الشابة: الخيمة ." بصوت فيه حزن "

"تكررها "

الشابة:الخيمة باردة ومعتمة نوعا ما، الليلة الماضية نمت أجل نمت

" وهي تبتسم وكأنها طائر" تجول عينها وكانها تنوي افراغ أمعائها و تضع يدها على فمها "يتحول المشهد إلى صورة مختلفة تلطم تنفش شعرها تبلع ريقها وهي تردد "

الشابة: صار وجهي مخيفا أليس كذلك ؟ والله أخاف أن أراه في المرآة " تردد "

" وهي تدور على خشبة المسرح "

الشابة: استغفر الله العظيم " عدة مرات " من بعدك ستكون جراحاتي، لا أعرف ُ كيف ألملم جراحي، أين نحن الآن في ظل هذا الخوف والموت والإختطاف، قلت لنفسي تلك جراح أصغر مما ظننت فلماذا تزهوا، لكن جراحي جمحت واجتازت كل سياج .

الشابة: وهي حائرة "

- أين العقل الآن ! ترددها

- تعالي "وهي تدور في المسرح "

- يمه، يمه انظري إلى حالي اخ " بصوت عال " وهي تدورعلى خشبة المسرح وتخرج ملابس أحد شهداء الإنتفاضة، بدلته الجديدة قمصانه المكوية، ربطة العنق، تشمها، ثم ترميها على الأرض واحدة تلو الأخرى،   "

مادة فلمية إلى أحد أبناء الناصرية وزواجه على الجسر.وهي تصرخ وتدور على خشبة المسرح .

الشابة: هذه، هذه ثياب الليالي الطويلة، مللنا الإنتظار وأي انتظار في زمن الفساد والموت والاغتصاب، وحوش كاسرة قدمت إلينا كالجراد القاتل !

" وهي تصف المشهد لنا "

الشابة : أنه خرج من البيت وحيدا

"مستمرة في نفس الحالة وهي تحمل قطعة من ملابسه "وتشمها

الشابة: ملك تدرب طويلاً على هذه المشية

" تظل تطلق صرختها وهي تشهق "

الشابة: لن يموت مرتين " بعصبية " آجل لن يموت مرتين

"بعصبية "

الشابة: أجل أجل واذا ما مات ! تردد ما مات، إنه حي يرزق، لا زلتَ تخيفهم، وأنت تعتلي بحبك ايها المتظاهر صوت الرجولة، هؤلاء أشباح السلطة، مليشياتها، دمار وفي كل يوم دمار "وهي تولول " وكأنها تصف حالة القتل والتعذيب في السجون والمعتقلات من قبل هذه الحكومة

الشابة: الله الساتر من هذا اليوم والله سيقتلونك، وحدي أرى وأرى وأرى اتعثر صدقوني حتى الدم ما  بقي عندي لايهم أنا ميتة، تعالوا إنظروا، يمة هل يعقل كل شيء راح الآن

"أصوات مختلطة وعويل من كل مكان "

الشابة: حسنا أريد أن أبقى هنا اليوم أريد أن أموت تعالوا بقربي، ماذا سيحدث أكثر ما الذي حدث إلى أين أذهب ّ!

" وهي شاردة الذهن وبحركة غير مستقرة "

الشابة: رغم الظلام العميق، أرى أنني قادرة على الرؤية، سأجُهد نفسي لكي لا أتاوه، أرى بقايا دمي المتيبس على الأرض وأشم رائحة تعرقي .

"تلتفت يمينا وشمالاً "وهي تتحسس وجهها

الشابة: تتشوه الأبعاد في المرآة، آبدو لنفسي مثل كائن خرافي لا مثيل له في هذا الكون .

" وتكرر كلمة"

الشابة: نفسي " أشيخ ببصري عن صورة نفسي، ثمة ما يقبض روحي أكثر من كل ما سلف، أنا لا أستطيع أن أمشي إلا بحذر هائل

" تتقدم وكأنها تخاطب الجميع "

الشابة: أما من أحد يساعدنا ؟ كيف نواجه هؤلاء الأفاعي، وهم يبحثون عن كل متظاهر، وهم يبعثون الهلع حتى في الرميم .

الشابة: يحاولون بذلك إسكات أصواتنا !يكبلونني حتى يبهت ُ لون وجهي، وهم يغلقون الطرقات بأسلحتهم القاتلة

الشابة: بإستهزاء "هؤلاء السفلة الذين يتشحون بالسواد، ماذا يريدون منا، لماذا لا يكشفون عن وجوههم القذرة التي لا تعرف سوى القتل، والشيء العجيب أنهم يسألونني ماذا تفعلين هنا، وأنا ارتدي هذه الصدرية البيضاء وأحمل أدويتي .

الشابة: الظلام مازال يداهمنا، وأنا أتدحرج، وأتدحرج من بقعة ما ينبت من ضوء

الشابة: وهي مسترسلة "

فرح غامض يتأرجح، أنا في الطريق إلى الشمس، ظلام دامس رغم سطوع الشمس، لا نور يلفني، نهار مظلم، غروب يبزغ وينبت من أحشائه سور عظيم

الشابة: " بعصبية وفيها شيء من المرارة " وكأنها نسيت شيئا ما "

الشابة: هل العراقيون مكرهون حتى في الآخرة ؟

الشابة: " تدوروكأنها تبحث عن شيء ما . وهي متعبة وبطريقة متعبة "

الشابة: من هذه اللحظة أنصحكم، من هذه اللحظة بالذات

" كأنها تخاطب جموع المتظاهرين "

الشابة: أن تفكروا بقدركم الشخصي فقط ! هل تفهمون ؟

" وهي تدورعلى خشبة المسرح "

فكروا بقدركم الشخصي فقط، من استطاع منكم أن يترجل من جبل أحد " أقصد المطعم التركي " في هذه الساعة، فيلترجل فورا ً، المحيط الذي تمضون فوقه يبدو لكم هادئأ، أليس كذلك ! كلا يا سادتي "تصمت "

الشابة: والله

" بحركة سريعة "

والله ليس هادئأ أبدا " وكأنها تصف شيئا ما "

أن الإعصار يلوح في الأفق " تردد عدة مفردات "

"وهنا مشهد رمي المتظاهرين من فوق جبل أحد " المطعم التركي "

الشابة: العواصف قادمة ! ماذا قلت لكم، من يريد أن يجرب الغرق فليبقى، ومن يريد العبور فليتقدم قبل الغد، ومن الصعب أن يموت الإنسان وحيدا في بلده .

"أصوات إطلاقات " وهي حالمة و أصوات التكتك مستمرة في ساحات التظاهرات "

الشابة: هل أنا حلم أم فكرة ؟ ترددها

وما هو الفرق بين الحلم والفكرة، هل يجب أن أفرح ! إذا كانت حياتي مجرد حلم في رأس أحدهم

. " ترافقها موسيقى "

"وتبقى تدور على خشبة المسرح وهي تتأمل شيئا ما "

الشابة: مستمرة " على أرض الواقع هي عبارة عن أفكار فقط

" وكأنها تتحدث إليهم في محاضرة "

الشابة: الوجود كله مجموعة من الأفكار أهذه هي الحقيقة الوحيدة ؟، لا تصدق غيرها ولا تخبر أحدا بها، لأن الناس لا يصدقون الأشياء التي تدخل عقولهم، وهم لا يعرفون، أين تقع عقولهم، لم يسألوا أنفسهم يوماً، هل أنهم حقا يمتلكون شيئا أسمه العقل ؟ كيف شكله ؟ ما هو لونه ؟ العقل يا أحبتي هو أيضا فكرة، فكرة معقدة تجعل من الأفكار الأخرى كأنها حقائق .

"ضربات قوية مصحوبة باصوات رصاص "

إسمع يا عزيزي جبل أحد " المطعم التركي " فكرة في رأسك، وأنا فكرة في رأسي، الأفكار الصغيرة عادة ما تكون لديها أجنحة خفيفة، وعندما تفقد جدواها على الأرض تطير في الفضاء .

"وهي ترفع صوتها كأنها في محاضرة "

الشابة: العالم الذي نعيشُ فيه هو مجرد فكرة صنعها خيال مبدع خلاق، وعندما وجدها معقدة، راح يشرحها من خلال أفكارأخرى، ولكنها أفكار صغيرة .

"مع تصاعد الأصوات والأغاني "

وهكذا بعد ملايين السنوات، إمتلأت السماء بالأفكارالتي تطير بأجنحة خفيفة، أن كل ماتقع عليه أعيننا هومجرد فكرة، لا شيء حقيقي في الواقع، كلنا مسجونين في خيالنا، وأن تجاربنا حلقت بعيدا ً .

" وهي مستفزة ومتعبة لما يدورمن حولها "

الشابة: أريد أن أعيش في عالم جديد "وهي حالمة "

الشابة: عالم بلا حروب، أيتها السماء تلطفي بي مرة واحدة، لقد تعبنا كثيرا في هذا الوطن، ليس لأي منكم مستقبل في هذا الوطن، سواء مقاومة هؤلاء الأوغاد، آه أه ثم آه " وهي قلقة "

ربما كان الموت أفضل بالنسبة لكثير من الأشخاص الذين يتحسسون عذابا ً هائلاً في هذه الحياة، وهذا ما يقف وراء حالات الإنتحار للنساء أوالرجال في الأحياء الشعبية .

" مشاهد من الإنتحارات لبعض العراقيين أوالأخبار تعزز حالة المشهد "

الشابة: الضغط النفسي على الإنسان لايطاق، ثم يلومونك لماذا تقتل نفسك .

"وهي باحثةعلى خشبة المسرح عن شيء مفقود "

صارخة بقوة " ليس لأي منكم مستقبل في هذا المكان إطلاقا بسبب الأحزاب القادمة إلينا، كل حزب يتوعد الآخر والاعتقالات والتصفيات حتى قبل وصوله إلى السلطة .

" من الّممكن إستخدام مادة فلمية مسدسات كاتم الصوت "

الشابة: كانت أرواحنا تمور أكثر من السابق، لن نرحل إلا بعد أن يرحل الجميع، هؤلاء اخذوا احلامنا، إذ آخذوا كل الشوراع والأزقة والأمكنة .

"موسيقى واصوات واطلاقات نارية "

إسمعوني، لاتضيّعوا وقتكم، هذا ليس وقتا ً للبكاء، هذا وقت الإستعداد لرحلة طويلة من العذاب، لا تفكروا ولو لحظة في البقاء فوق الجبل، سارعوا إلى العبور، لأن الإعصار يقترب من أصحاب القبعات لابد أن تخرجوا إلى الشوراع الرئيسة وفي طوابير غاضبة، نحمل فيها اللافتات التي تندد بهم وبالأمم المتحدة والمجتمع الدولي وكل العالم .

" تبقى متشنجة وهي تحاول الاستمرار في توصيل فكرتها "

الشابة: أين أحبتنا في الغربة، وكلكم تعرفون الغربة ليست أمرا هنيا ً، أنا أعرف هذا جيدا، ولكن السماء كتبتها عليكم، ولا مفر لكم من هذا القدر، ستعيشون غرباء سواء أبقيتم هنا في هذا المكان أم هاجرتم إلى المدن البعيدة " وهي تصرخ بكل طاقتها وكأنها تناشد العالم "

الشابة: لقد بدأت رحلتكم مع العذاب استعدوا لها

" تكرر هذه الكلمات بصوت حزين "

الشابة: اقفزوا الى قوارب النجاة، واعبروا الضفة التي تتنظركم، أذهبوا بعيدا عن هذا المكان المشؤوم .

"وهي تصر على إيصال صوتها "

الشابة: الروح تسمع وتحس وتزعل أيضا ً، هنا سنُدفن كلنا .

"هنا تنظر ‘إلى الأرض وكأنها تريد أن تفتحها بأظافرها "

الشابة: وأسفاه على البلاد تدفع أبناءها دفعاً، بلا رحمة إلى المنافي، كم هي عنيدة تلك الساعات التي تدب ببطء شديد يثير السخط، صرنا نشعر برجفة في قلوبنا كلما اقتربنا من الجسر .

"وهي تشد العزائم وتدفع بهم ‘إلى الأمام "

الشابة: هناك الكثير من الناس يتصرفون على أنهم قادرون على القيام بمعجزات لكنهم في الواقع لا يستطيعون فعل أي شيء، مع ذلك تراهم يتبجحون بعرض خدماتهم بمجانية تبدو مخلصة لكنها متهورة، خرقاء

"وهي لا تزال تشرح للجميع وبطريقة فيها من الحزن الكثير "

الشابة: بلاد تكره أبناءها وتذيقهم الذل والهوان في كل ساعة، أو تلقي بهم في أتون حرب لا طائل من ورائها .

" مشاهد حربية من الحروب التي خاضها العراق ومنها الحرب الاخيرة على داعش"

الشابة: الدم الكثير يخوف ! أليس كذلك، كانت سمأؤنا مقرا لكل الغربان، تسكن الفضاء القريب من بيوتنا، وتتبارى في النعيق، رؤوسها تنزل أمامي، تكسر أجنحتها فوق رأسي، إلى حد، كان بمقدوري أن أسمع نبضها، تطلق صياحها وترتفع بأكملها عاليا، فأدخل في الرعدة .

"تدور وهي تطلق صوتها عاليا ترافقها اصوات اطلاقات حية "

الشابة: الدنيا ما زالت مظلمة وها أنت يحاصرك الوباء. سمة كبيرة:انها ترتدي عباءات رمادية وسوداء، ما الذي يجري في هذا العالم، وبالذات في بلادي، الزبالة تخطفني للتفرج، لا أرى إلا أكياسا مبعثرة أمام دكات البيوت، والدكاكين المغلقة .

"وكـأنها تتفحص مشهد للقبور "

الشابة: كل أمرأة تبرك وتنوح أمام القبر الواطئ اليابس، المغطى بقشور الضيم والحزن، كم فقدنا من المتظاهرين ولا أحد يجيب ولا يسأل، إنه صوته، غائب ضائع، من أين يأتي إلى أين يمضي .

" وهي تدور حولها "

الشابة: وهي تدمدم "

يمه، كل شيء راح الآن، يجب أن يفتح الباب مرة واحدة، وكل شيء يزاحمك ويدفعك للحرب، الليل ينشئ نبرته الجديدة، وهذا المكان يدربني على إحصاء الغث الذي دخل الأحلام، دخل الأجساد، فتأكل الكل .

" موسيقى حزينة وهي ندور حول هذه الجثث "

وأنا أحذف واحداً وراء الآخر " ترددها أكثر من مرة( ترفع صورة أو صورتين من الذين قتلتهم الأيادي) .

الشابة: من تحت تلك السماء كان أبي يأخذني لباب الجحيم، أما المصير فقد كان كرة ملتهبة تنفث منها العداوة، ويغطي مسامها الدم والتراب والخوف، هؤلاء الذاهبون وأنا على أعتاب الثالثة والثلاثين، لاشك سيعودون للظهور، وما يأتي لن يكون مجهولاً .

"صراخ واصوات "

الشابة: الرؤوس تقي الجميع حرارة بغداد التي تسطل البني آدم، روائح العرق، الآباط الزنخة، اصوات السعال، المخاط والبصاق .

"وهي تتأمل "

الشابة: هذه بغداد اذن، مدينة المدن، أرفع يدي والوح قليلا ً، بغداد أهي أجمل مافيك، النار تلين المعادن، وتحرق القلوب، وعضلات الرجال تنافس عضلات المعادن، فسوف تضعون وسطها الشموع البيضاء الطويلة، والحلويات، نمد عليها أوراق الشجر الأخضر ليبارك لها كل الأحبة، أدوات واباريق، صحون وفناجين القهوة، بسط وسجاد وقلائد فضية .

حتى تخرج من المسرح وكأنها حاملة مشعل النصر .

إتهت .

 

قاسم ماضي - ديترويت

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم