صحيفة المثقف

هل حبي لك حظ أم قدر أم صدفة؟

علي ناصر الركابيلأجل ان نخوض في صلب الموضوع والدخول في رومانسيات الحب بمفهومه الصحيح، دعونا نتفق على مبدأ قد يجده الكثيرون بأنه صائب ويدخل في حياة الإنسان، مفاده: بأن الرضى والقناعة هما سبب السعادة.

أبتداءاً يمكن بيان الفرق بين مفهوم الحظ والقدر والصدفة التي تقع في حياة الإنسان سواء سلباً أم إيجاباً وكيفية ايمانه بها، من عدمه.

حيث أن المشاعرلا تكفي أحياناً، فهناك الكثير من العوامل التي تفرض نفسها وتحدد مستقبلها. فالحظ يلعب دوره هنا، أو بعبارة أخرى بأننا نسمع دائما عن الحظ، فإما أن يكون سعيدا أو تعيسا، فيقال عن فلان محظوظ، وفلان حظه سيء، لذلك يربط الكثيرمن الناس مصير حياته بالحظ، ويعتمد عليه في كل أمور حياته، فليس معنى سوء الحظ الفشل، لأن الإنسان من الممكن أن يبذل كل ما في وسعه وتكون النتيجة غير موفقة. كالزوج الذي سعى وحاول وصبر على أن يرضي زوجته بكل الأساليب من أجل أستمرار الحياة الزوجية معها، أو العكس أي سعي الزوجة لزوجها، إلا أن النتيجة ترجمت بالطلاق، وهنا هو موضع الفشل. أو حال الخطيب، أو المخطوبة التي أودعت كامل الثقة بخطيبها وأمنته على حياتها وصبرت عليه وتحملت على أن تكون محظوظه بإختيارها كزوج مستقبلي لها، إلا إنه خطيب فاشل بمعنى الكلمة، بعد أن كشفته بخيانته مع الأخريات، حينها قالت للجميع بلا ندم وبدون تردد بانه : لايشرفني البقاء مع رجل سهل الوصول إليه... تتهافت عليه العابثات من النساء. 

أمثلة الحظوظ كثيرة:

فالمال حظ والأولاد حظ والصحة حظ والزواج حظ.. فهناك زواج ناجح وهناك زواج فاشل.. وهناك زوج صالح وهناك زوج سَيئ.. وهناك ولد صالح.. وهناك ولد عاق.

وكما يقول البعض بأن هذه الحظوظ وُزِّعت في الدنيا توزيع ابتلاء ولابد أن توزع ثانية في يوم آخر توزيع جزاء. فالذي نِلْتَه في الدنيا، إنما نلته لكي تُمتحن به وسيأتي يوم تجازى على عملك، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (44)- يونس.

فالإنسان المؤمن القوي في إيمانه، يعلم بأن هناك أسباباً تتلوا مسببات... حيث نعتقد ان الله تعالى قسم الارزاق وقَدر لكل مخلوق رزقه وما يجري عليه من ولادته الى مماته

يقال في الحظ بانه اذا أتاك فتمسك به جيداً وعندما يدخل دارك دعه يجلس. وبقدر حظك من الدنيا تقسوعليك القلوب، وبقدرعلوك تنظر اليك العيون حسدٌ وغيره.

الحظ يكون دائماً من نصيب من لا يحسب حسابه لأنه يختار الحمقى ويكون الى جانبهم، والكارثة عندما يضعهم في غير موضعهم المناسب، فعكس المبدأ هو: (الرجل الغير المناسب في المكان المناسب).

هل الحب قدر؟

أولاً يجب ان نعترف بثبوتية القدر أوالقدر الثابت، وهو الثابت في اللوح المحفوظ عند المولى عز وجل والمكتوب فيه الميلاد والموت والعمر والرزق... ولا يمكن تغيير المكتوب والمعلوم بعلمه سبحانه وتعالى.

أما القدر في الحب أمراً لا يمكن تغييره، فهو يحدث دون تخطيط ودون معرفة أو إدراك من المحب، حيث

 يرى الكثيرون بأن كل أمور حياتنا تبدأ بالقدر، والحب من أمور الحياة، ولكن نتحمل ألم البعد لسبب او لأخر ونتخيل قرب الحبيب وننظر إلى الأطلال ونسهر ونبكي ليلاً ولا ننام، وحيناً نشعر أن ما نفعله ما هو إلا تخيل وشعاع من نور سرعان ما يختفي، وان كل البيوت ما هي إلا رمال على شاطئ البحر ولا تتعدى الأوهام، كل هذا يحدث بسبب الحب وبعد الحبيب ولكن هل فعلاً الحب قدر؟

أن تجاهل الحب يساوي تجاهل الإنسانية، كونه يعد ضرورة من ضرورات الإنسانية وهو القوة المحيطة بالمحبين من خلال التفاني والتوحد مع الحبيب، وهوعلاقة فطرية جميلة بين الرجل والمرأة، تحمل هذه العلاقة التوافق والمشاعر والتفاهم والانسجام والحنان واللقاء الروحي والفكري، وكل من المحبين يريد إسعاد الأخر وتذليل كل سبل الراحة والطمأنينة أمامه، ويريد كل من الطرفين التضحية بسعادته وبذاته في سبيل إسعاد الحبيب مهما كانت الظروف ومهما بعدت المسافات ومهما طال الانتظار للقاء مجدداً.

فيما يتعلق بالصدفة، فبعد البحث المستفيض عن مفهومها ومن وجهة نظر الشرع، وجدنا وفقاً لذلك بأن المصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع، لأن الإنسان لا يعلم الغيب، فقد يصادفه الشيء من غير شعور به ومن غير مقدمات له ولا توقع له، لان كل شئ عند الله عز وجل معلوم وكل شئ عنده بمقدار، وهو – سبحانه وتعالى – لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبدا، ولكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له صدفة. مثلاً شخص ما يقول رأيت فلان صدفه، كان مقدر له ذلك ان يراه في هذا المكان أو في ذلك الوقت.

الصدفة كلمة ومفهوم يستعمل بصورة شائعة، فنجد أشعار حب وقصائد وقصص وأغاني تحمل كلمة "صدفة" اي حدث يحصل بصورة غير متوقعة.

أنَّ الحب وليد الفرصة والمصادفة، أي أنَّه متعلَّق بالحظ والقدر الذي يجلب الشخص المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب، لتتلاقى الأنفس وتتآلف وتنشأ عاطفةٌ سريعة تولِّد السعادة والسرور في قلوب المتحابين دون جهد منهما أو تعب أو مبادرة.

لو سأل سائل : هل تصدق عن ما يقال بان الحب ياتي نتيجة العشرة ؟

من وجهة نظري المتواضعة أقول بانها اضحوكة يعبر عنها العاجزون عن الحب الحقيقي، كون الحب يأتي عفوياً، دون إستأذان أو موافقة، دون أسباب أو سبق أصرار، دون تخطيط مسبق أو وعد أو نتيجة تفكير، لا يحمله رحم ولا تنجبه العشرة...

الحب هو صدفة لقاء في زحمة العالمين

نعم هي الصدفة التي جمعت بين شخصين من كوكبين جميلين، جمعتهما سماءُ صافية، مرصعة بنجوم الحب الفضية، وأقمار زاهية تعلو بحرٌعذب وساحل جذاب وحدائق بهيه وورود عطره. صدفة لم تكن بالحسبان.. فالحبيبة قالت لحبيبها: احببتني.. وعشقتني.. وملكتني صدفة.. وصدفة اخرى لي انك تركتني أبكي عند رحيلك الهادئ.. صدفة المواقف والذكريات حقيقة الواقع ووعودك بالحب الابدي.. صدفة بكائي في غرفتي المظلمة بدونك وخفية عن أمي، وخلف قوتي الضعيفة وراء ظلم الزمان بجفاء الاحبة، في زمن قلة الاصدقاء للفضفضة في يوم الضيق القاهر في لحظات الانهزام، خلف الدموع المشتاقة لحضن محبه صادقة بعيداً عن الظروف والبشر.. بعيداً عن الرجولة الشرقية.. بعيدا عن التسلط الذكوري، بعيداً عني وعنك كل

على عدم وجودك المادي بقربي مرت أشهر... وسيمرنصف عام على ذلك، فكيف حياتي ستكون بدونك ؟

فكان رد الحبيب لها: أنا لم أحبك لأن الاجمل رغم أنك الاجمل.. ولم أعشقك لأنك الأوفى رغم أنك الاوفى.. إنما أحببتك لأنك نصف الروح ونصف العقل وكل القلب.

لا يمكن أن يكون عثوري على شخصٍ مثلك مجرّد صدفة، بل ترتيب إلهي، هذه رحمة الله، رحمته سبحانه وتعالى وسعت كل شي.

الحب جمعنا أنا وأنت بالصدفه وما أحلاها من صدفه، جمعتنا باشياء ثمينة لم نكن نحلم بها حتى في عالم الخيال.. والأجمل ان تكون تلك الصدفة بداية علاقة ذات هدف نبيل. واعدت نفسي عندما يتحدثون عن جمال الصدف، سأتحدث عن يوم جميل جمعني بك، وأضف لهم بانني أنام الليل ولكن عقلي مستيقظ يبحث سبب تعلقي بها!

فما أجمل أن تجد قلبا يحبك دون أن يطالبك بأي شئ سوى أن تكون بخير. فخلف الإهتمام تختبئ كل معانيِ الحٌب، ليس كل من قال: أحبك يهتمٌ لأمرك، بل كٌل مهتم بك ثق تماماً بأنه يحبك.

فمهما كان حظ أم قدرأم صدفه كلها معاني جميلة، أشكرهم جميعاً لأنهم جمعوني بك...

وسأحبك أكثر رغماً عني وعنك...

 

الدكتور علي ناصر الركابي

 

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم