صحيفة المثقف

ما بين اللفظ والكتابة

نيران العبيدي

هناك كتابات قرآنية مختلفة تماماً عما نكتبه بلغة التخاطب أو الحياة العامة. عندما كنت صغيرة كان والدي يعطيني واجباً بيتياً قراءة وكتابة سورة من جزء عمة القرآن الكريم ظناً منه يعلمني الأبجدية، وكنت أتهرب من هذا الواجب. حقيقة كطفلة كنت لا أعرف لماذا الكتابة مختلفة بالصف المدرسي عن كتابة القرآن. أسئلة لا استطيع الإجابة عنها، وكثيراً ما كنت أخلط بحسب رسمة الكلمة بين القرآن والإملاء المدرسي، فأنال عقوبة قاسية من والدي الذي يريدها كما مرسومة في القرآن ومن المعلمة التي تريدها كما متعارف عليها على وفق معايير اللغة العربية المعروفة. عندما كبرت أدركت أن القرآن الذي بين أيدينا مكتوب برسمة الحرف العربي على الطريقة التركية، لذا يسمى قرآن عثمان ويقصد عثمان العثماني، وليس قرآن الخليفة عثمان بن عفان (رض) الذي جمع القرآن. وقد أحرقت الدولة العثمانية القرائين السابقة المعتمدة بالبلدان العربية، ولا أعرف إن كان هناك نسخ قرآنية باللفظ العربي والرسم العربي، مازالت موجودة بالحوزة العلمية العراقية بالنجف أو في مكتبة الجامع الأزهر بالقاهرة. في يوم زكريا الأحد المنصرم، قرأت سورة لقمان كعادة أهلي بقراءة هذه السورة ذلك اليوم، وانتبهت إلى هذه الآية المكتوبة بالرسمة العثمانية: "أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ". كلمة نعمة كتبت (نعمت) ولمعرفة اللفظ علينا قراءة التحريك، حقيقة اللغة التركية بالأحرف العربية سابقاً كانت تكتب هكذا لتشديد التاء المربوطة، لأنها كما تلفظ تكتب لذا كتبت بالتاء الطويلة، والدارسون أيضاً يعلمون أن أهالي بغداد سابقاً كانوا يتكلمون العربية بلهجة صوتية تركية فكانت منسجمة مع حياتهم. أما بعد الحملة لتعريب العراق التي قادها الملك أصبح هناك فرق كبير بين ما نلفظه وما نراه من رسمة قرآنية المفروض عربية مختلفة، الأمر لا يقتصر على تحويل التاء المربوطة إلى طويلة، ولكن أحياناً تحذف حروف، وتدغم الكلمة بعد الحذف لتتلائم مع اللغة التركية التي تريد حفظ القرآن العربي على وفق مزاجها، فكتبت كلمة (لكن) مدغمة، والحقيقة العرب كما يلفظون يكتبون، حذفت الألف ودمغت اللام بالكاف بدل عن (لاكن) فأصبحت (لكن) وجرت العادة على استعمالها بهذه الصورة . الأسماء التركية المأخوذة عادة من القرآن تحاول مجارات الدين فتطلق الأسماء على البنات والأولاد (نعمت) و(رأفت) و(شوكت) والحقيقة نعمت من النعمة العربية والرأفة والشوكة، فأصبحت متداولة مجتمعياً عندنا بعد انسحاب الأتراك في حين اللغة العربية غير المشوبة أيضاً، كانت تكتب كما تلفظ عربياً. لذا أصبح هناك فرق بين ما يلفظه العرب، وما مكتوب في قرآن عثمان، حقيقة لستُ صاحبة اختصاص لغوي، لكني أكتب إليكم بعض الإشارات بعد طول تأمل وملاحظة، يرجى من أصحاب اللغة الأخذ بجدية لدراسة علمية قرآنية عربية.

 

نيران العبيدي - كندا

الاول من نيسان 2020

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم