صحيفة المثقف

البعد الأخلاقي لمفهوم الأناقة

عقيل العبودالاناقة بحسب المعنى الوارد في قاموس المعاني، من التأنق وهو من الفعل يتأنق، أي ما يسعى اليه الإنسان لأن يكون أنيقاً في مظهره، ولسانه، وعمله، وذلك يحتاج الى وقت ومجهود ودقة وتأن.

وبيت القصيد هو انني صرت ابحث عن طريقة أستبدلُ فيها ما تم التعارف عليه عن ذات المعنى، خاصة ونحن نخوض عصرا تسود فيه لغة المظاهر الفارغة، والأزمات لتكون بديلا عن القيم والأخلاق والرقي.

ذلك عبر سؤال مفاده كيف يصبح الإنسان أنيقاً كالنجم اللامع، اوكالشجرة المثمرة، كيف يصون بريق ذاته في فضاء هذا العالم الملئ بالمنافسات، والمتناقضات، كيف لهذا الكائن ان ينتزع شرور نفسه، ليحل رموز هذا الكون الملئ بالألغاز؟

لذلك توقفت قليلا عند فكرة ادلني اليها احد فلاسفة القرن العشرين الأستاذ الدكتور G، الذي يعمل استاذا محاضرا في احدى جامعات ساندياكو في قسم الفلسفة، حيث قال لي بالحرف الواحد: عقيل اذهب الى برنامج TED، وهو برنامج علمي وثقافي يمكن متابعته عن طريق ال YouTube.

انذاك لم اكن متابعا جيدا لهذا البرنامج، لكنني بعد حين وجدت نفسي منغمسا بتتبع محاضرات اولئك الذين يقفون امام ذلك الكم الهائل من الجمهور، وديدنهم إيصال ما يريدون قوله عبر أبحاثهم العلمية بتأنق مؤثر.

فالمحاضر بطريقة إلقائه وحرصه يصل بسرعة الى عقول مستمعيه عبر قلوبهم وهو بدقة متناهية وأسلوب جذاب يسعى لإستعراض ذلك الكم الهائل من المعلومات الى الجمهور من خلال استخدام وسائل التكنولوجبا المتطورة.

الصالة التي يرتادها اولئك الناس ليست على نمط صالات الطرب والأغاني التي ما زال بعض العامة من اصحاب الدخول العالية يتبارون للوصول اليها، بل هي قاعات كبيرة تستوعب جميع من يهمهم امر الإبداع والبحث بغية استكشاف لغة العلم واسرار المعرفة.

النقطة الأساسية هي كيف ان المحاضر يحظى باحترام وانصات الجالسين، وتلك في تقدير المعنيين، أسمى خاصية لمعنى الاناقة، كونها من خلالها يستدرك المظهر الجمالي للمعرفة، حيث بها تتجلى القيمة الحقيقة للعلم والعالم، وبها يصبح للحياة معنى، وللإنسان معنى وللكلام معنى.

لذلك ومن باب المقارنة عدت منكفئا حاملا حقيبة غربتي الى بلدي الذي انهكته جيوب المنتفعين، وسرقات البطالين ممن تظهرهم شاشات التلفاز بتلك البدلات الأنيقة واللقطات الزائفة.

فلم اجد للأناقة محلاً، الا مخلفات هذا الركام الهائل من البؤس، والأمراض والفقر والفوضى، والخطابات الفارغة، وتلك صور أفرزتها موائد المتخمين من الساسة، ومؤتمرات احزابهم الفارغة.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم