صحيفة المثقف

الشيوعيون وجلباب ماركس ولينين

قاسم حسين صالحشهادات للتاريخ والأجيال (4)

في العام 2004، كنت اتمشى بصحبة (الدكتور عزيز.. .) في ساحة الاندلس فصرنا قريبين من مبنى مقر الحزب الشيوعي العراقي، فقال لي: الا تحن لجماعتك أيام زمان؟ قلت: بلى والله احنّ.. وتذكرت قول مظفر النواب: حن وانه احن ونحبس ونّه ونمتحن.. مرخوص بس كت الدمع.. .

 ودخلنا المقر.

كانت قاعة الجلوس أشبه بمقهى شعبية.. كرويتات بسيطة مفروشة بحصران من الخوص، فقلت في نفسي: يا سبحان الله، مكتوب على البرولتاريا ان تجلس على حصران الخوص من زمن ماركس الى يوم يبعثون.وحصل حين جلست، ان شغّلت الذاكرة فلما" قديما اليكم منه هذه اللقطة.

 كنّا معصوبي الأعين وواقفين فجرا بمكان لا نعرفه في مدينة الناصرية، فجاء دوري بأن سألني أحدهم قائلا": هو انت قاسم حسين؟ اجبت: نعم، فصفعني بيده اليمنى ادار بها وجهي الى اليسار !.. تبين بعد ذلك أنه نعيم حداد.

 وتابع يسأل.. ويسب ويشتم، ثم جرى ما جرى!.

رموني في غرفة صغيرة، فجيء بشاب أسمر نحيل الجسم، كان ظهره لوحة سوريالية من الخطوط السود الملطخة بالدم الاحمر. وكان فاقد الوعي، أو ربما في نفسه الاخير، فتركت جراحاتي واخذت انقّط الماء بفمه وأنعش قلبه بتمارين تعلمتها من الرياضة. كان هذا الشاب هو القاص البصراوي المعروف "محمد خضير" المعلّم في الناصرية حينذاك .

 لمحني صاحبي الذي رأى الدمعة تسقط وهو يأتي لي باستكان الشاي، فعلّق قائلا" (ها يبين أخذتك الدنيا لبعيد، بس تريد الصدك: احلى شي سويته أنك طلّقت السياسة وتزوجت العلم) .

ونأتي الى بيت القصيد، فقد نظرت الى أعلى الجدار فوق رأس "القهوجي " فرأيت صورا" كبيرة لكل من ماركس و انجلس ولينين، وكأنهم يحّيون الضيوف القادمين الى المقر. تغير مزاجي تماما" فطلبت من صديقي (د.عزيز) ان يأتي لي بـ " الرفيق " المسؤول .. فجاء .

 قلت له: تأكد لي الآن انكم (بعدكم ملفوفين بجلباب ماركس ولينين) وانكم ما تزالون تعيشون مزاج الخمسينيات في وسائل تثقيفكم، وان المسؤولين عن الثقافة عندكم من الذين صار المستقبل وراءهم، اعني، تجاوزت اعمارهم الخمسين والستين، وانهم ليسوا على دراية بأن النظام السابق حكم العراق ( 35 ) سنة، وان جيلا" عراقيا" كاملا" كان لايعرف عن الشيوعيه شيئا" الا كونها " ضد الدين "، وأن هذا الجيل يشكّل أكثر من نصف الشعب العراقي .

تساءل بشيء من عدم الرضا: خير أستاذ ..؟

قلت له: لو ان شابا"من هذا الجيل جاء وجلس هنا وسألك: من هذا وذاك؟ ستجيبه:هذا ماركس العظيم.. الماني واضع النظرية الماركسية، وذاك لينين الخالد.. روسي ابو الثورة البلشفيه، وتظل تشرح وتنّظّر له عن افكارهم وشعارهم " يا عمال العالم اتحدوا " والبرجوازية والرأسمالية، فهل هذا أفضل ام انكم لو وضعتم صور: فهد وسلام عادل وجمال الحيدري.. وحين يسألك وتجيبه بأن هؤلاء قادة الحزب الشيوعي العراقي الذين اعدموا من اجل ان يكون وطنك حرا"، وان تكونوا انتم جيل الشباب الذين ضاعت أعماركم في الحروب والكوارث.. تكونوا سعداء مرفهين؟

ايهما اوقع بالله عليك، ماركس الالماني ولينين الروسي (الذي قد يخجل الشاب ان يقول لك: وما شأني بهما وأنا الخريج العاطل في بلد الخيرات)، ام فهد وسلام عادل وجمال الحيدري، الذين ضحّوا بحياتهم من اجل العراق والعراقيين، وكانوا لمّة واحدة من السنّة والشيعة والعرب والكورد والمسلمين والمسيحيين..؟

أسفي انكم ما تزالون لا تجيدون فن الدعاية، واسفي انكم تجيدون هضم الثقافة لكنكم لا تجيدون فن التثقيف، واسفي انكم ما زلتم قافلين على ماركسية الخمسين..

 ربت بيده على كتفي وقال: دكتور.. الأسبوع القادم سيكون الذي تريده.واستبدلوا الصور.. ما يعني ان الذي حصل كان من شيوعي قديم محب وليس من شيوعيين كانوا ملتفين بجلباب ماركس ولينين.

*

أ. د. قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم