صحيفة المثقف

جولة في عقل ترامب

بكر السباتينوتراجعه عن قرار حرمان منظمة الصحة العالمية من الدعم!

هذه جولة افتراضية بأسلوب قصصي، في عقل ترامب حينما يقرر أمراً ثم يتراجع عنه أمام العالم بعد دقائق.. حالة لا يقع فيها إلا من يقرر قبل أن يخضع أفكاره لما يعرف في علم الإدارة بتحليل "سوات" وهي من تقنيات التخطيط التي تبحث في نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر، وهذا ما لا يفعله مقامر مثل ترامب الذي يضرب بالعصا ثم يرصد النتائج، وخاصة كلما تعلق الأمر بالصين التي تتنفس الصعداء بارتياح.

أتخيله في مكتبه البيضاوي، يدور حول المكتب الفاخر ويلقم فمه بالسيجار الكوبي ثم يوشك على الانفجار من هول الضغوطات التي أربكت كل حساباته.. ستائر مكتبه تحجب عنه الحديقة الخلفية للبيت الأبيض، ويتلصص من بين شرائحها فتلوح له من بعيد المسلة العالية، ويتخيل فيروس الكورونا يلتهمها، ويحضر إلى ذاكرته المكتظة بالقرارات والمشاريع، علم الصين الذي استبدل نجماته الفينوسية الصفر، بذلك الشكل الكروي المشجر الأخضر لفيروس كورونا. وكعادته (افتراضاً) يتلفظ ترامب بعبارات بذيئة، ويبدو وهو يضغط على الزر، مستدعياً أحد مساعديه إلى مكتبه، كأنه ديك رومي وأوداجه تنتفخ، ووجهه المحتقن يطوق عينيه الغائرتين المحاطتين بالبرص.. وشعره النحاسي يلمع كلما تقاطعت حركته مع أعمدة النور المتسرب من بين الشرائح الطولية للستائر الكتانية الفاخرة.. التي تليق بمكانة الرئيس المقامر.

وها هو المكتب يفتح، وتستأذن إحدى موظفات مكتبه بالدخول، ويأمرها باستنساخ قراره حول تراجعه عن صيغة ما صرح به مساء الثلاثاء حينما هدد بتعليق دفع المساهمة الماليّة الأميركية في منظّمة الصحّة العالمية، مندّداً بطريقة إدارة المنظّمة الأممية لوباء كوفيد-19.

فتقاطع العبارات أفكاره المزدحمة في رأسه المضطرب:

دائماً الصين هي الرابح!! أي عرافة تلك التي تقرأ للرئيس الصيني حظه المورق صبحاً ومساء!! هل التقى مستشاروه بالعرافة البلغارية العمياء "بابا فانجا" التي صرحت ذات يوم لصحيفة "ميرور" البريطانية، بأن ترامب سيموت هذا العام بالوباء!! لكن الفكرة تتلاشى في رأسه أمام معادلات الربح والخسارة التي تزدحم في رأسه ويبدأ في تقليبها كأنه في حفل شواء. ويستعيد أفكاره في أنه لا يهزم.. "سوبر مان" حقيقي.

ويتذكر ترامب ما كتبه في تغريدة على تويتر في أنّ "منظّمة الصحّة العالمية أخفقت حقاً". سيقول للعالم ذلك..

مكملاً: الغريب أنّ "هذه المنظمة العالمية مموّلة بشكل كبير من الولايات المتحدة لكنّ تركيزها منصبّ على الصين".

وتضج الأسئلة المقلقة في رأس الرئيس الذي بدأ يستعيد عنفوانه:

العالم استمع إلى ما قلته.."لماذا إذن تتجاهل منظمة الصحة العالمية البيانات الآتية من تايوان والتي تتحدث عن أشارت إلى أن الفيروس ينتقل من شخص إلى شخص، على الرغم من أن بكين كانت تقول عكس ذلك. أيضاً لماذا لا تعترف منظمة الصحة العالمية بتايوان! هل لأن الصين تضغط عليها! وهل تنسى تلك المنظمة بأننا أكبر ممول لها!

ثم تتهادى أنفاس ترامب المتحشرجة.. ويضرب طرف الطاولة بيده متنفساً الصعداء.. فثمة كوابح أخذت تتحكم بمجريات تفكيره: إن قرار التوقف عن دعم مؤسسة دولية كهذه في ظل تفشي وباء كورونا الذي بدأ يستفحل في الولايات المتحد الأمريكية سيظهره وكأنه في نظر العالم يخلط بين الواجب المنوط به إزاء بلاده ودول العالم.. ويتذكر في سياق ذلك بأنه هو المتسبب في خفض ميزانية الصحة والبيئة في بلاده لصالح الميزانية الفدرالية! فكيف ستبدو محاسبة ترامب لمنظمة الصحة العالمية خلال مؤتمره الصحافي اليومي في البيت الأبيض حول تطوّرات الوباء في الولايات المتّحدة حين قال:

“سنعلّق (دفع) الأموال المخصّصة لمنظّمة الصحّة العالمية".

غير أنّ الرئيس الأميركي ما لبث بعد دقائق من ذلك أن تراجع عن هذا الإعلان قائلاً:

"أنا لا أقول إنّني سأفعل ذلك، بل سندرس هذه الإمكانية”.

وأضاف أنّ منظّمة الصحّة العالمية “تبدو منحازة للغاية نحو الصين. هذا أمر غير صائب”.

والولايات المتّحدة هي أكبر مساهم في تمويل منظمة الصحة العالمية.

تم تجتاح ترامب فكرة ضيقت عليه الخناق.

صحيح أنها رحلة افتراضية في رأس ترامب المقامر المحشو بالأفكار والقرارات وبدائلها، ولكن حينما تتحكم به روح المغامر فإن التنبؤ بأفكاره يصبح كأنه المستحيل.

 

بقلم بكر السباتين..

8 أبريل 2020

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم