صحيفة المثقف

كورونا

فتحي مهذبإختفت النجوم وراء أكمة من الضباب الكثيف. أيقظته رقصات الفلامنكو التي يمارسها المطر على زجاج النافذة. فتح الأحدب  باب بيته الخشبي الشبيه بغطاء تابوت قديم. كان يضلع مثل إوزة مسنة.

إمتطى عربته التي يجرها حصان

من القرون الوسطى واتجه نحو الماريستان لجلب جثة أحد جيرانه الذي مات بفيروس الكورونا الذي سيحصد أرواحا ثرة في بداية هذا القرن الوبيل بما أن ثمة إضرابا قام به عمال محطات بيع البنزين.

الحصان يركض مثل أرملة وراء نعش. الأحدب ذو العينين الضيقتين يكاد يسقط من العربة المتلعثمة الإيقاع.

منذ خروجه من بيته لم ير أحدا من البشر كعادته كل يوم. لم ير غير قردة بدائية تملأ الشوراع والحواري ليس ثمة سيارات ولا قطارات ولا درجات نارية.

قردة تتقاتل وتتراشق بالحجارة.

شرطى ملقى على الأرض ملطخا بالدماء. حاول أن يدحض حجج عينيه العميقتين ولكن لم يفلح.

صدمه مشهد تراجيدي جارح لما رأى كوكبة من القردة مسلحة بالعصي والهراوات تقفز من سور البرلمان وتطلق زعيقا مخيفا يثير التقزز والإحباط.

ورأى كراسي مهشمة مقلوبة وعيونا عمياء تنز بالدم على أضابير مضرجة ببراز الكهنة.

واصل طريقه إلى الماريستان لجلب الجثة بأقصى سرعة ممكنة.

إعترض طريقه قرد ملتح يبدو متشددا منقبض النفس قصير القامة له ذيل معقوف يرتدي نظارات سميكة.

سدد نظرة حادة للأحدب المصدوم

محاولا إسقاطه من عل دون سبب منطقي.بيد أن الأحدب لكزه بسرعة فائقة بسوطه فوقع أرضا

مجلجلا شاتما أصل البشر .

الطريق ملآى بالقردة.

المواخير والحانات وقصور العدالة

والسجون وساحة الحكومة.

إختفى النوع البشري وحل محله شكل زنخ من القردة التي تتقاتل طول اليوم محدثة الفوضى والإضطراب.

واصل الأحدب السير قدما ولما بلغ باب الماريستان وجد الجثة ممزقة يتقاسمها عصبة من القردة والدم يتطاير في الهواء.

وعلى غرة إنقضت القردة على الحصان المسن بينما لاذ الأحدب بالفرار.

***

فتحي مهذب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم