صحيفة المثقف

وجهة نظر: هل سيستفيق العالم بعد كورونا؟

سونيا عبداللطيفلست الأولى من كتب و تكلّم في موضوع هشّ، خطير.. بات محور الكون.. لقد نطق في هذه المسألة الصّغير والكبير، الذّكر والأنثى، الفقير والغنيّ، العالِم والجاهل.. موضوع أذهل الجميع، حيّرهم ووقفت أمامه أعتى الدّول صاغرة، عاجزة ..

الكورونا أو الوباء التّاجي أو كوفيد 19.. هذا الوباء الذي اجتاح العالم في سرعة مذهلة أسرع من البرق.. سرى وانتشر أسرع من الحريق.. شاع أسرع من الإشاعة..

 نعم.. نسينا الاحتفالات ونسينا الأفراح بل عدلنا عنها. فكم من زواج وخطوبة ومناسبة جميلة تأخرت أو ألغيت وكم من لقاء أو جلسة وندوة وأمسية أبطلت.. وكم أنشطة رياضية وثقافية وسياسية وقع تعليقها.. المسارح.. السينما.. الملاعب.. المدارج.. حتى الحروب قد توقّفت وكأنها هي الأخرى كانت لعبة تنتشي بها بعض الدّول للتّهكّم بأخرى أضعف منها أو لتتسلّى فتمارس هيمنتها عليها أو تريد التّنمّر والسّيادة..كلّ هذا بسبب ذلك الجنيّ الذي عاث في الأرض فسادا فما ترك شبرا لم يطأه ولا بلدا لم يزره.. حتى من كانوا يدعون بالقوّة والعظمة انهزموا وذلّوا أمام هذا العاتية..

الكورونا خرجت.. لا ندري كيف ومن أين؟ هل بدأت سرا أم جهرا؟ هل خرجت من الكهوف أو من البيوت أو من المخابر..؟ هل فعلا بدايتها الصين وسببها تناول الخفافيش والثعابين.. ؟ هل ما يقال ويشاع عن هذا الوباء حقيقة أم مجرّد تمويهات؟

الاحتمالات والتّخمينات والتّحاليل كثيرة وكثيرة.. فماذا نصدّق وماذا نكذّب؟

ومن هم أوّل المتضرّرين بهذا الفيروس كبار السنّ أم الكهول أم الشباب أم الأطفال؟

هل يصيب الذّكور أم الإناث ؟

هل يصيب الحيوانات ؟

...

هذه الكورونا دخلت بلادنا ولم تسألنا.. فقط كنّا سمعنا عنها ربّما كان البعض يسمع عنها لكنهم لم يولوها قيمة ولم يتابعوا أخبارها بجديّة.. بل أغلب سكّان العالم اعتبروها في البداية مثل بقية الأوبئة الانفلوانزات التي ظهرت وتظهر كل مرّة في بلد.. فمنذ آلاف القرون وفي العصر الروماني وأثناء الحروب الصليبية والحرب العالمية وبعدها كانت الأوبئة تتوالى وكانت الأضرار في كل مرة وخيمة والوفيات ضربت في بعض الحالات نصف سكان العالم ..ويقع السيطرة على المرض بالتّلاقيح والأدوية وأخذ الاحتياطات اللازمة بسحقها وتجاوزها..

بدأ خبر انتقال عدوى هذا الفيروس ينتشر ويتكاثر وبدأ ينتقل من بلد إلى بلد.. ينتقل عبر الجوّ والبرّ والبحر.. لم يولوه أيضا الأهميّة الكبرى.. وبدؤوا بتشخيص أعراضه وأخذ الحيطة منه والتّبيه والتّحذير.. إلاّ أنْه لم تؤخذ الإجراءات القانونية، لا الطبية والصحيّة الكافية.. ظلّت السّفرات والرّحلات مفتوحة ظلّت وكالات الأسفار تعمل إلى حدود 12 /03 /2020 وأكثر في تونس وهذا مؤكد من عدة مصادر وأصدقاء ودخولهم كان عاديّا  يوم 19 /03 /2020 سوى بالتّوصيات بإلزام الحجر الصّخي في بيوتهم.. طبعا ليست آخر رحلة لجلب التونسيين الذين علقوا خارج أرض الوطن..

في أوجه شدّة وسرعة انتشار هذا الوباء الذي اكتسح العالم وبعد أن أدركت الدّول خطورته بدأت المطارات والموانئ والحدود تقفل.. وحدث ذلك بعد أن أكلت النّيران الحطب وصارت ألسنة النيران واللّهب جهنم موقدة..

لن يكون حديثي عن انتشار الفيروس ولا عن هذه الفوبا التي خنقت العالم وزرعت فيه الهول والرّعب، وها أنّنا اليوم في آخر يوم من شهر مارس نعيش خائفين والأوضاع على أشدّها.. الوفيات تتزايد، الإصابات تتضاعف، الحجر الصحّي متواصل وغير محدد بتاريخ بل قد يستمرّ لشهر أو لأشهر.. النّاس خائفون، الفضاءات التجارية احتلّوها، نهبوها، أفرغوها، لكأنّ مجاعة قادمة أوحربا على الأبواب، الكثيرون لزموا بيوتهم أو هرعوا إلى الأرياف والقرى بعد أن حملوا زادهم وزوّادهم وما أمكن لهم ليبتعدوا عن الاختلاط والاحتكاك ببقيّة الناس، البعض ما اكترثوا لشيء مازالوا يتحرّكون ويجولون عاديا، ولولا حظر الجولان الذي أجبرهم على البقاء في البيوت ولولا الخوف من الخطايا والعقوبات سواء بالغرامات الماليّة أو بسحب رخص السّياقة ورخص البيع والشراء  وغلق المحلاّت التّجاريّة وغيرها أو.. لواصلوا حياتهم بصفة عاديّة لأنّهم لم يفهموا حقيقة هذا الوباء ولا كيف تنتقل العدوى إليهم ولأنّ هذه المسمّاة الكورونا لم تدخل أدمغتهم..

في هذا الزّمن العصيب، وخلال هذه الفترة من الحجر الصحي وتوقّف عجلة الحياة عن سيرها كسابق أوانها، كثير من الأشياء تغيّرت وبصدد التتغيّر ومازالت تتغيّر..

نعم، هناك تغيير كلّي وشامل ولا ريب فيه سيشمل العالم، هذا الحجر سيغيّر من سلوكات النّاس، ومن العلاقات ببعضهم بعضا، سيغيّر في الدّول، وحتى في تعاملهم فيما بينهم، سيغيّر من الاقتصاد العالمي، وستتضرّر دول عديدة، لأنّ اليوم، الكلْ يصارع من أجل البقاء، الكلّ يبحث عن دواء، عن منفذ للخروج من هذا المأزق، الكلّ يتساءل هل ما يحدث من علامة اقتراب السّاعة ونهاية العالم، هل هي لعنة الله وغضبه على العباد، هل هي انتقام الطبيعة من جبروت الإنسان لاغتصابه لأخيه الإنسان والأرض والحيوان والنّبات، هل هي جرّاء اللّهفة والجشع والطّغيان والفساد.. إنّها أسئلة وأسئلة..

بصفتي كائن حيّ وإنسان، أحبّ الحياة، أعشق الطّبيعة، أعشق الحريّة والهواء النقيّ، أحبّ كلّ الكائنات، أحبّ النّبات بجميع أنواعه، أحبّ اللّون الأخضر غطاء للأرض، أحبّ اللون الأزرق وشاحا للسّماء، أحبّ البحر شفّافا ورماله ذهبا وفضة.. أحبّ رؤية العصافير تغرّد وتبني أعشاشها فوق الأشجار لا تطولها أيادي أو فخاخ، أحبّ رؤية الفراشات البيضاء والملوّنة وهي ترفرف في الحقول والبساتين فوق الأقحوان والرّيحان وشقائق النعمان، هذه الفراشات التي أكاد أقول أنْها انقرضت فما عدت أراها إلا في الصّور.. وأحبّ سماع النّحل وهو يطنّ ويحطّ فوق الزّهور، يسبُقني في امتصاص الرّحيق، أهرب منه لمّا يهاجمني إذا دنوت من خليّته.. أحبّ .. وأحبّ .. وأحبْ ..

إنّ الطّبيعة والبيئة على مدى السنوات الماضية هي التي تضرّرت  أكثر الأشياء في الكون بسبب الفوضى والضّوضاء وسموم النّفايات والدّخان والتلوّث و..

وهذا ما سبّب في كثرة الأمراض وظهور الأوبئة والعاهات واشتداد الأزمات وتعقيد المشاكل..

وبالتّالي نمنا وأفقنا، فوجدنا أنفسنا أمام مأزق لا مخرج منه ولم يخطر يوما أبدا على بال أحد ولا حتى في الخيال..

اجتاحتنا الكورونا ، هدّدتنا، أخافتنا، أرعبتنا بعدواها سواء بانتشارها مباشرة أو أفقيا، فقتلت من قتلت، ألزمت الفراش من ألزمت، أفزعت من أفزعت، لم يجدوا لها دواء أو تلقيحا، صارت المرضى لا تلقى العلاج، لا النّجدة ولا الإسعاف رغم جهود الأطباء وأعوان الصّحة والخبراء والباحثين والمتطوّعين والحكومات والأمن وغيرهم..

الحلّ بات في ملازمة بالبيوت وعدم الخروج والإمتثال للنّصائح والحجر الصحّي وحظر الجوالان..

الأمر محبط فعلا.. أن نجد أنفسنا هكذا كالفئران سجناء، من قال أنّه سنرى مثل هذا اليوم ونعيشه؟ لا نخرج ! لأنْ الكورونا لنا بالمرصاد..  العالم خائف وعاجز أمام فيروس صغير.. وهو الذي صنع القنابل وأسلحة الدّمار، غزا الفضاء وجاب في الفلك واكتشف الكواكب وهبط على سطح القمر..

ولكن، رغم كلّ شيء، إنّي أرى الأمر بعد هذه المصيبة والتي أرجو أن تمرّ بسلام سيكون مبشّرا بالخير..!

تتساءلون كيف ؟ وماذا أقول؟ ومن أكون؟ وما هي صفتي حتى أتوقّع أشياء؟ وما هي وسائلي وحججي واعتماداتي في كل ذلك.. ؟

أقول: لا شيء سوى أنّي أنظر إلى الكون نظرة جمال وتفاؤل، الله خلق الكون جميلا، رائعا وصخّر كلّ ما فيه من نعم للإنسان ليعيش في سعادة، ليحيا في خير، ولا أن تنقلب نواميس الحياة لتصبح ضدْه..

إن هذه الهدنة من ملازمة الإنسان لبيته ومن تقليص أكثر ما يمكن من الحركة والتّنقل ومن التّخفيض في تلويث الهواء والبحر والأجواء، فعدد الطائرات المحلّقة في السّماء نقص، الحروب وأسلحة الدّمار نقصت بل توقّفت، الإرهاب نقص، البواخر والسّفن والمراكب في البحار قلّت، القطارات والسّيارات ووسائل النّقل تقلّصت هي الأخرى حركتها، كذلك المصانع والمعامل والمخابر والقاعدات.. جميعها تضاءل نشاطها وتقلّص العمل فيها..

كلْ هذا وذاك سيجعل الأجواء والبحار والأرض والسّماء تتطهّر نوعا ما ولو بنسبة خفيفة مقارنة بالسّابق.. وكل شيء سيتغير.. فكأنّي أرى الكون يتعافى نسبيّا ويتخلّص من بعض الدّمل.. فيستعيد حيويته ونشاطه بعد أن أرهق وأزهق، سيتخلّص من بعض العفن، ويغتسل من بعض الأدران، والميكروبات والأمراض..

البحر سيعود له صفاؤه ونقاؤه، فتعود إليه الحياة وتشدو نوارسه البيضاء والشقراء والسّوداء، وتتكاثر الأسماك والطّحالب وخيراته بعد أن انقرض منها ما انقرض.. فقد اختفت حوريّات البحار واللّآلئ والدّرر.. وأوشكت أن تصبح حمامات دماء وأوبئة وسببا في انتشار عدّة أمراض..

السّماء، سيعود لها بهاؤها وهناؤها فيبتسم لونها الأزرق البهيّ والشّمس ستشرق وترسل خيوطها الذهبية الحرير ولسعها السّام الخطير للعباد سينخفض، السّحب سيعود لها بياضها وستنتقل في في خيلاء في الإجواء، الهواء سيصفو وينتعش، وسيهبّ النّسيم العليل، فيدغدغ الكائنات وتنتعش النّباتات..

الأرض وما أدراك ما الأرض.. وقد جعلها الله لنا مهادا

ستضحك.. أجل ستضحك.. وإن كان من أجل القليل القليل.. فهي قد استراحت بعض الشيء من عبء ثقيل، من شرور الإنسان وطغيانه، عبثه، صخبه، عفنه، كذبه، بهتانه، سرقاته، دوسه على نباتها، صفعها بلا رحمة لها بمعدّاته وأدواته السّاحقة القاطعة، حفرها لها بلا شفقة لإخراج ما بجوفها من نِعم ، تمزيقه لها شرّ تمزيق وإلقاء محتوياتها أشلاء أشلاء، تلويث مياهها، تدمير أنهارها، سدّ ينابيعها، إحراق أشجارها، إتلاف ثمارها، اقتلاع أزهارها، قتل أطيارها.. كلّ هذا ستخفّ حدّته، ولذلك الأرض ستبتسم، ستلبس وشاحها الأخضر، وتتزيّن بألوانها الزّاهية، وستبسط زرابيها الموشّاة، وستتراقص فوقها أسراب الفراش ويمرّ سرب النّحل من كل الجهات، ستشدو البلابل والحساسين والكِروان..

الأرض ستضحك ملء الكيان، ستتكلم الأرض عربيا وإفرنجيا وعبريّا وبكلّ اللّغات ، ستغنّي الأرض للحياة، وستهدي الإنسان ماهو أغلى من المال والجاه، ستهديه السّلام والأمان..

هكذا أرى الغد.. سيكون أجمل، ستدور العجلة بل كلّ العجلات، الجغرافيا، البيئة، الطبيعة.. ستتغيّر نحو الأفضل، ستمضي الحياة بعد هذا الصّراع من أجل البقاء والخوف من الزْوال بلا شكّ نحو الأفضل،

فهذا الإنسان الذي كان يظنّ أنه قد أصبح جبروتا وطاغية ولا أحد يستطيع أن يهزمه أو يسيطر عليه وأنْه قد تحّكم في كلّ شيء وقلب كلّ شيء رأسا على عقب، هذا الإنسان الذي تكبّر وتجبّر وأعماله فاقت أعمال فرعون الذي أقام العماد والأوتاد فكان مآله الهلاك، هذا الإنسان الطاغية جاءه اليوم ما هزمه وقهره.. إنها جرثومة صغيرة، فيروس لا يرى بالعين، ويضع على رأسه تاجا، كوفيد 19، كورونا.. جرثومة تلبس عشرات القرون، كورونا تجتاحه، تبيده، تهاجمه، تفتكّ بخلايا رئتيه وتقضي عليه..

فيروس الكورونا ستكون درسا يعتبر لمن تكبّر وتجبْر وهزئ..ولم يعتبر..

كورونا يا عالم! يا ناس! لو بقيت فيكم حياة، لو لم تفنى كل العباد تلقّنكم درسا، تقتصّ منكم، تنتقم للأرض والسّماء، لأنّ فعل البشر فاق التصوّر والخيال، وأفعالهم لم تخطر على بال..

كورونا أوقفت أو تكاد عجلة الحياة، اختلّت كلّ الأنظمة وكلّ الموازين، فماعاد هنالك قويّ أو ضعيف، غنيّ أو فقير، كبير أو صغير..

كورونا قهرت العظماء، أدهشت الرّؤساء، لم يسلم منها أشرار أو أبرياء..

كورونا يا بشر! تُعيد إليكم رشدكم،تعيد لكم عقولكم، ضمائركم وقلوبكم،

كورونا جعلتكم تتحوّلون ضعف المائة وثمانين درجة.

كورونا تحطّكم على الأرض وتقول لكم مكانكم الأرض، خلقتم من مائها وطينها، فكيف تتعالون عليها، كيف تجرؤون على عصيانها والعبث بكيانها..

الآن، هلاّ عرفتم أنّ الأرض دوّارة وأن سحركم قد انقلب عليكم..؟

هذا درس، هذا درس لمن اعتبر، درس للإنسان في الإنسانية كي يتوب إلى ربّه ويثوب إلى رشده، ليكون رسولا في الأرض، دليلا في الخير، يحافظ على السّلام، ويكون مصدر أمان، فينشر سلما ويغني قيما..

إن الكون يأخذ حقه منكم يا عالم، يا معشر العباد، يا خلق الله، فبعد هذه الرجّة والهزّة التي ليست بزلزال وليست ببركان إنْما هي باب صغير من أبواب جهنّم قد فتح عليكم..

كورونا جعلتكم تشاهدون بأمّ أعينكم الموت وجرّعتكم الذّل..

بفضل هذه الكورونا التي أجبرتكم على السّبات، جعلتكم تلتحمون داخل الأسر، تعرفون بصلة الرّحم، تتوبون إلى الله فتصلّون وتبتهلون، تعرفون قيمة الأشياء، ولذلك ستزهر الأرض، وتزهو الكائنات، ويعود للكون البهاء..

وبعد، ماذا بعد أن رأيت ما رأيت، هل ستعود إلى طغيانك وعصيانك أيها الإنسان أم أنك ستتوب، وتكون خليفة لله في أرضه، تحرص على نشر السّلم والسّلام، تحثّ على الإسلام وتدعو له لتعيش كل الأوطان في ظل الأمان، جميعها إخوان...

للحديث بقية، إذا كتب الله لنا في الحياة بقيّة. ..

 

سونيا عبد االطيف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم