صحيفة المثقف

كما في الشيعة..في الشيوعيين ايضا!

قاسم حسين صالحشهادات للتاريخ والأجيال (5)

في (8 /2 /2008) اقترحت على الأخ رزكار عقراوي (رئيس موقع الحوار المتمدن) تشكيل لجنة تحضيرية، من غير المنتمين والذين لا يثيرون حساسية هذا أو ذاك، تتحرك لتوحيد قوى اليسار العراقي. وبعد نشر موضوعين لنا بعنوان (البديل المنقذ لعراق مدني ديمقراطي) تفاجأت أن عدد هذه القوى من الشيوعيين عشرة أو يزيد. ثم فاجأني الأخ رزكار برسالة يقول فيها ، بعد ترحيبه بفكرة تشكيل هذه اللجنة ، بأنه تحّرك فعلا" فوجد ان العداء بين معظم هذه القوى من النوع اللدود ، وطلب مني ان اقوم بتحليلها نفسيا" لتشخيص ما فيها من أمراض نفسية.

وطبيعي يكون التحليل أفضل لو أنني التقيت ممثلين عن هذه القوى لاتعامل معهم بحيادية الباحث العلمي وموضوعيته.ولعدم تمكني لجأت الى قراءة كتابات عدد منهم فتوصلت الى (علّتين) سيكولوجيتين تتحكمان أولية بقوى اليسار العراقي، نوجزهما بالأتي:

1- الصراع على الهوية (أو العنوان)

يمكن تشبيه قوى اليسار العراقي بأولاد أسرة واحدة يحظى فيها الأب بمقام رفيع وصيت ذائع بين ناس يعدّونه " نبيا" أو " عبقريا " من طراز فريد. وحين مات هذا الأب (ماركس) تنافس (اولأده ـ قوى اليسار) على من يحمل الهوية أو اللقب أو العنوان ، ثم تطور هذا التنافس الى صراع وعداء ، واشد انواع العداوات تلك التي تكون بين الأخوة . فالكبير منهم (ولنقل الحزب الشيوعي العراقي) يعّد نفسه الوريث الشرعي للأب وحامل هويته وأسمه وعنوانه، ويعدّ من يخرج عن طوعه منشقا" وعاقّا"، فيما يرى الأخ المنشق عليه في مسيرة الأخ الأكبر ، حامل العنوان ، أنه اساء الى أبيهم وشوّه أفكاره، ويؤنبه بعبارة: ما هكذا قال ابونا ، وانك لو تمعنت فيما قاله واتبّعته لما اصابنا ما اصابنا.

وواقع نفسي مثل هذا يحتم عليه أمرين، الأول : مهاجمة الأخ الكبير والتركيز في تضخيم أعمال أو مواقف يعدّها اخطاء كبيرة وخروجا" على منهج الأب وما اوصى به. والثاني: دعوة الناس المحبين لأبيه الى أنه هو ممثله الحقيقي، وأن عليهم ان يتخلوا عن أخيه الأكبر ويلتحقو به ان كانوا من محّبي أبيه الذي رسم لهم طريق الخلاص.

ذلك واحد من العوامل السيكولوجية التي فرّقّت بين (اولاد ماركس) فكل واحد منهم يرى في نفسه أنه الأحق بحمل هوية الأب الذي يعّده الفقراء والمظلومون أنه " نبيهم " و " مخلصّهم".

والمفارقة ان الأخوة الصغار المنشقيين يدركون أنهم لن يستطيعوا ازاحة الأخ الأكبر من موقعه ولن يكسبوا من الناس قدر ما كسب، ولكنهم يمضون في ذلك مدفوعين بالحاجة النفسية الى الشهرة والزهو بالهوية، مسنودة بالخوف من سلطة الأخ الأكبر اذا ما تصالحوا معه وعادوا الى خيمته، لأنهم يعتقدون بأنه حين يضعهم تحت جناحه فأنه سيطمس وجودهم ويفتقدون " الهوية " التي تمثل كينونتهم واعتبارهم الشخصي، وطبيعي ان الانسان يفضّل تهميش الوجود على الغائه. وقد يكون لدى (أولاد ماركس) ايمان مطلق بأن استعادتهم للهوية " مسألة وقت ليس الا، ويبشّرون أنفسهم والآخرين بأن هذا الزمن آت لا ريب فيه.

2- العّناد التعصّبي العصابي

لنوضح أولا مفهوم " التعصب " فالمعنى الحرفي له باللغة الانكليزية prejudice))هو الحكم المسبق، فيما ينظر علماء النفس الاجتماعي للتعصب عل أنه اتجاه سلبي غير مبرر نحو فرد، قائم على أساس انتمائه الى جماعة لها دين أو طائفة أو عرق مختلف، أو اتجاه عدائي نحو جماعة معينة قائم على أساس الانتماء اليها. ويعني أيضا" النظرة المتدنية لجماعة أو خفض قيمتها او قدراتها أو سلوكها أو صفاتها ليس لها أساس منطقي. ومشكلة المتعصب " فردا أو جماعة " أنه يرى في نفسه أنه على حق وأنه هو الصح في الرأي والموقف وأن الآخر باطل وخطأ في الرأي والموقف، والأكثر..أنه لا يرى في نفسه الا ما هو ايجابي ويعمل على تضخيمه، ولا يرى في الآخر الا ما هو سلبي ويعمل على تضخيمه!

اما العصابية (neuroticism) فتعني عدم القدرة على التوافق مع الآخرين، والتقلّب في المزاج والشعور بالقلق والعداء المتسم بالغضب والانجراح النفسي، والأفكار غير الواقعية، واساليب غير متكيفة مع الواقع.

والتعصب والعصابية يقودان الى" العناد " الذي يعني اصرار الفرد (او الجماعة)على البقاء في الموقف الذي هو فيه وعدم تزحزحه عنه حتى لو ساوره شك بأنه على خطأ، لأنه يتحكم فيه دافع قسري يجبره "غصبا عنه " على البقاء في الموقف. وغالبا ما يصاب بهذه العقدة القادة النرجسيون والمثقفون المصابون بتضخم الأنا، لأن كلا الصفتين " النرجسية وتضخم الأنا " يعدّان الاعتراف بالخطأ نيلا من الاعتبار الشخصي وجرحا للأنا المتضخم وللغدة النرجسية المتورمة في صاحبها.

والمفارقة أن قوي اليمين المتمثلة بأحزاب الأسلام السياسي الشيعي تحديدا، مصابة بهذا (العناد التعصّبي العصابي) ايضا!، والفرق (المستغرب!) ان حرصها على البقاء في (السلطة) هو سبب ذلك عند هذه الأحزاب، وأنها تتوحد اذا شعرت بالخطر، فيما قوى اليسار العراقي (وهذا المستغرب) تتصارع والسلطة تضطهدها!، وانها لا تتوحد حتى لو شعرت ان الخطر سيفنيها!!

 

أ.د.قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم