صحيفة المثقف

كورونا وكوردستان

عماد عليلقد اصيب العالم بهذه الجائحة وكانت مدى تاثيرها اي ظلمها وعقوبتها متساوية على الجميع وفي كل منطقة تنزل فيها شرقا كانت ام غربا ولا تفرق بين الغني والفقير والمسؤل والمواطن, الا في ضمان العلاج لدى الغني اكثر من غيره في الانظمة الراسمالية، ولكن الفرق الوحيد هو مدى تقبل المستقبِل وكيفية التعامل مع المتدخل غير المرغوب به. اي الارضية التي تنزل فيها ومدى وكيفية استقبالها والارضية التي يمكن ان ترد او تتكاثر فيها وتغيرها من كافة النواحي، ولكن الثقافة العامة للمجتمع والخاصة للفرد هي التي يمكن ان تتوضح بشكل جيد في هذه الفترة، اي عدا الايجابيات التي يمكن ان تكون كثيرة ايضا مقارنة بضررها الفتاك ان صح التعبير لهذه الافة، فانها اصبحت مقياسا لتقيم الفرد والمجتمع والشعوب والانظمة السياسية ودرجة نجاح اي نظام في خدمة الفرد والمجتمع. وحتما وكما قيل وكتب عنها الكثير فيما اثرت وغيرت وهي مستمرة في التغيير الشامل الكامل في طريقة حياة الناس وكل حسب نظرته للحياة ويمكن ان تستمر في تاثيراتها لسنين وبنسب متفاوتة بين منطقة واخرى ايضا الا ان النقارب يمكن ان يحدث في محالات عديدة بين الامم اكثر من تفريقها كما يدعي البعض.

هنا فقط اريد ان اركز على ما نحن فيه هنا في كوردستان كمجتكع محافظ عاطفي ولكنه للاسف ثقافة مجتمعها محدودة وللاسباب المعلومة فهو لازال في طوره غير التقدمي بشكل عام، ومع ذلك فان الفرد الكوردستاني اثبت انه رغم تاريخه وظروفه الخاصة الا انه يمكن ان يتقدم ويستفاد حتى من المغصات والجائحة التي اصيب بها على حين غرة وقد يدفعه ما هو عليه الان الى التامل والمراجعة المفيدة له ان اجتاز المرحلة ونجح في تجاوز هذه الآفة او الضيف غير المرغوب به لدى اكثرية الشعوب ومنهم الكورد.

النظام العام لما هي فيه كوردستان يمكن ان نقيّمه من النواحي كافة الا اننا هنا يمكن ان نتكلم فيما يخص كورونا وتداعيته على حياة الفرد الكوردستاني ومعه ما يتلقاه النظام السياسي، اضافة الى العلاقات الاجتماعية الكوردستانية المبنية على مجموعة من المباديء العامة التي اهتزها الفايروس ويمكن القول بانه اقلع جزء من جذورها خلال هذه المدة القصيرة ومنها بالطبع الواقع الاجتماعي الخاص بالعائلة والعشيرة والمحلة والقرية والمدينة وما يخص حياة كل فرد ضمن هذه الحلقات المجتمعية. بالطبع تاثر الواقع الاجتماعي وستبقى تاثيراته لمدة طويلة بدون شك، ويمكن القول بان ما احتجنا الى زمن طويل لتغييره قد غيره الكورونا خلال ايام وحتى منها العادات والتقاليد التي نادى الكثيرون من قبل من مضرتها للجميع, اي ان التغييرات يمكن ان تشمل الشرق اكثر من الغرب من الناحية الاجتماعية.

و على الرغم من العمل الجاد لدى القطاع الصحي وكنتيجة طبيعية لما فيه النظام الكوردستاين كاقليم ضمن دولة اتحادية وهو في المرحلة المتنقلة بين النظام السياسي المركزي للحزب الواحد او الحزبين المتوفذين والمحاولات التي بذلت من السلطة الكوردستانية من اجل تنفيذ ارشادات راسمالية للعمل على التنقل نحو ما تفرضه العولمة والمؤسسات العالمية المتنفذة وبشروطها التي تضغط على كل بقع العالم لتغيير الموجود نحو النظام الراسمالي، ومنها الصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات الفرعية الاخرى التابعة للدول الراسمالية باي اسم او تركيب كان سواء كانت تبعيتها لتلك الانظمة بشكل مباشر او عبر مؤسسات عالمية عامة. فاقليم صغير وغير مؤثر كثيرا كهذا في النظام العالمي اصبح تحت انظار تلك المؤسسات فحاولوا بكل جهدهم فرض شروط قاسية على السلطة فيها وهي غير متكاملة اصلا ولاسباب ربما تخص المنطقة اكثر من ما يدعوه داخل الاقليم بذاته.

اثبت كورونا للجميع بان عملية الانتقال من النظام المركزي بشكل مفاجيء الى ما تطلبه العولمة والليبرالية الحديثة لا يمكن ان تنجح وان كانت وراءها دول ومنظمات ومؤسسات منفعية ضاغطة ومتنفذة. وبعدما اثبتت بعض الانظمة غير الديموقراطية نجاحها النسبي في السيطرة على الوضع فان هناك اسئلة تطرح لما تمليه المصلحة العامة على الفرد والمجتمع وكيفية الترابط بينهما وما يمكن ان يفيدهم من الحال على حد سواء في الوقت ذاته. في كوردستان بهذا الوضع, الحكومة والسلطة بشكل عام فاسدة, النظام غير مبني على الاسس الرصينة ولا يمكن تحديد جوهره الحقيقي واهدافه ومنهاجه وبرامجه، الاقتصاد الى حد كبير منهار ولا يمكن ان يعيد عافيته قريبا، طبيعة علاقته مع الحكومة الاتحادية والمركز غير مستقر والنظام الصحي دون منهاج ثابت ولكن بكوادر صحية يمكن ان نقول بانها تجاهد ونجحت في واجباتها اكثر من السلطة السياسية، الواقع الاجتماعي وتوسع الهوة الشاسعة بين الفقراء والاغنياء وجهل الاثرياء الجدد وعدم اعتلائهم على سدة الغنى بشكل طبيعي ما يجعل الجشع والعمل غير الانساني يفرض نفسه على العاملين فيه من اصحاب الراسمال، وعليه فان ما حاولت السلطة من تحويله خلال سنين قد فشلت خلال شهر واحد فقط وبين لها انها على خطى التقليد الاعمى فقط دون العمل وفق تقييم الواقع وما يلائمه ويحتاجه بشكل خاص وما يتقبله من المراد له انه يفرض عليه فوقيا وبشكل غير مدروس من كافة النواحي، اوضح كورونا مدى الفوضى وعدم التخطيط وانعدام الاستراتيجية لدى السلطة ، وعليه لا يمكن الوثوق بانه يمكن ان لا ينهار كل شي في لحظة ما لو انفرط العقد المترابط الهش اصلا بدافع ربما واحد في هذه المرحلة ولذلك التخوف له عذره فيما يمكن ان يحصل لكرودستان لدى المخلصين، وعند قراءة المستقبل وما يفرز من حياة مابعد الكورونا من التداعيات والمعطيات يمكن ان يخاف المقيّم اكثر من اللازم.

وعليه. اننا في اقليم لازال يعاني من عدم الاستقرار الداخلي ومن ثم في علاقته غير الواضح وغير المستقرة مع المركز والتعقيد الموجود اصلا لما تفرضه دول الجوار مباشرة او مرورا بالعراق عليه ايضا. فان المستقبل يمكن ان يحوي لما هو غير المنتظر ان لم نخرج قريبا من حال تاثيرات الجائحة التي دفعت الواقع الموجود الى ضفاف الافلاس السياسي والاقتصادي مع اخفاض سعر النفط وعدم وجود البديل لما يمكن ان يؤمّن الحياة الاقتصادية للشعب الكوردستاني.

فان كورونا قد غير ويغير الكثير ايجابا وسلبا ولكن ما ينتظر ايضا ربما لا يمكن استدلاله او تصوره لو اخذت الحال من الجوانب الاقتصادية انحدارا خطيرا عند الطبقة الفقيرة والمتوسطة التي تخسر الاول والخير لو استمرت الحال كثيرا دون الحلول الجذرية السريعة.

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم