صحيفة المثقف

الواقع الحضاري العراقي بين الإرث والموروث

عقيل العبوديبدو لي ان الحضارات في كل بلد لها شطران زمنيان: ماض حضاري، وحاضر حضاري.

وبما اني أتكلم عن العراق تحديدا، فأحب الإشارة الى ان ارض وادي الرافدين الممتدة بين دجلة، والفرات، والتي قامت عليها مملكة سومر، وبابل، وآشور، وغيرها، تمتد لتشتمل الحاضر الحضاري.

هذا الحاضر، يكشف عن علاقة التطور الجيني للعقل البشري العراقي، بالواقع الحضاري للمجتمع.

وهو يرتبط ايضا بمسألة نشوء المرحلة الثانية من التطور المعرفي، والأخلاقي- طبيعة الأعراف الإجتماعية والقيم، والقانون المدني الذي فرضته حاجيات الإنسان بالتزامن مع حركة التغير الاجتماعي.

وذلك ابتداء من الأسرة، وانتهاء بالمجتمع بكل ما تعنيه كلمة المجتمع من مفردات تكوينية وتفاصيل بما في ذلك مفردة القبيلة.

وبيت القصيد هنا انه وفقا لمعنى كلمة الحضارة الواردة في قاموس المعاني، فإن هنالك إعمارا، وحركة، ونشاطا واداء معرفيا.

وهذا الإعمار والحركة لا يشمل الزمن الماضي فقط، بل انه يمتد، ليرتبط بكيفية استعمال أدوات الماضي، لتطوير حاضر الإنسان من خلال الواقع المتحرك، والذي يتأثر بالمتغيرات، اوالعوامل المؤدية الى الطفرات الحضارية.

فعندما نقول ان العراق بلد الحضارات، معناه انه بلد العقل الحضاري، والإنسان فيه هو الوريث الحضاري، وهذا الوريث، هو امتداد لتأثير ذلك الموروث، اي انه ينتمي الى ما خلفته حضارة الماضي من إنجازات حضارية.

والدليل على ذلك ان ما خلفته حضارات سومر، وبابل أخذ مداه في العمران الحضاري.

وهذا العمران لم يشتمل على الهندسة، والري، والزراعة، والتخطيط فحسب، بــَل انه امتد ليشتمل مجال الطب، والجغرافية، والرياضيات، والفلك، والاقتصاد، والقانون، وعلم الاجتماع، والفن، والزخرفة والموسيقى، والمسرح والفيزياء، والكيمياء، وجميع مفردات الإبداع الحضاري.

لذلك عندما نعود بالذاكرة الى بغداد باعتبارها نموذجا حضاريا حيا للمدن العراقية الأخرى في مقطع من الزمن كأيام السبعينات مثلا، نجد ان هنالك عباقرة في الطب، وأساتذة في الهندسة، والتصميم المعماري والمنمقات، والموسيقى، والمسرح، وباقي المجالات.

ولذلك بقي الواقع الحضاري واثقا من نفسه، وهو بذلك النمط من المسميات الخاصة بالاداء الحضاري، أسوة بكنوز الماضي الحضاري للمعرفة.

حيث الأطباء، وعلى غرارهم العلماء، وخبراء الاقتصاد العراقي، والنفط والكهرباء والتخطيط والعدل والقانون، والمالية والإدارة، والدفاع والزراعة والري والهندسة المعمارية، ما يطيب لي بتسميته بالأرشيف الحضاري.

لذلك السؤال أين تلك الخبرات؟

هنا إجلالا يجب ان يكون هنالك بيتا ومتحفا وارشيفا حضاريا لجميع خبراء وعلماء العراق نذكر منهم عبد الجبار عبد الله في الفيزياء وعلي الوردي في علم الاجتماع والدكتور خالد ناجي في الجراحة، وغيرهم كثر وبحسب التسلسل التاريخي والدرجات العلمية وهو متحف العقول العراقية ذلك يعيد العراق الى سجلاته المشرفة وارثه الحاضر.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم