صحيفة المثقف

نعم لإسلام جديد.. لا لإسلام فقهاء الماضي السحيق

عبد الجبار العبيدينحن في ديار العرب والاسلام مرعوبون اليوم من كورونا.. وما فكرنا يوما بأننا نتعايش مع كورونا منذ 1400 سنة يقتل بنا ويفرق بيننا ونتجاهله باعتباره دين.. كل منا يفكر بما هو يعتقد والكل واهمون من العلاج، لاننا جميعا ابتعدنا عن العلاج الصحيح.. فهل كورونا المرض ايقضتنا من سباتنا الطويل..؟

من يقل لكَ انكَ تعيش في دين محمد (ص) فلا تصدقه.. لانكَ تعيش اليوم في دين فقهاء الآمويين والعباسيين المزيف القديم..كورونا الجديد.

هنا موضع للحديث مهم وشائك عن أمة أوجد فقهاء الدين فيها مفاهيم دينية خاطئة بتفسيرهم للعلاقة بين الاسلام والمذهب، وبين الحقيقة والوهم، عبر المسيرة التاريخية لامة سخرفيها تفسير النص الديني لمصلحة السلطة لا لعقيدة الناس في الدين، حتى أصبح التفسير يهدد العقيدة نفسها بالتوقف والسقوط.. لدرجة ان العقيدة الاسلامية لم تعد لها شخصية اعتقادية ولا حتى اعتبارية بين معتنقيها الكثيرين سوى الانتماء بالاسم والتقليد اليها وليس بالايمان والتصديق.. والا فالمؤمن بالعقيدة لا يسرق بلاده.. ولا يتعامل مع اعدائه.. ولا يخون القيم والمبادىء.. وقسم اليمين.

 فنحن اليوم بحاجة الى موقف جريء للخوض فيه ووضع اصوله موضع التحقيق بعد ان اصبح الرأي الفقهي سر تأخر هذه الامة، ووقوفها عاجزة عن الرد على التحديات سواءً كانت من الخصوم الكائدين أم من أبنائها المغفلين، فلننظر في أرائهم ونناقشها لعلنا نخطأ او نصيب.. نعم انها كورونا الجديد..

نعم.. نحن بحاجة الى جرأة مدركة لتعريف اسباب تقهقر الامة، وعن سر ضعفها الملازم لها الذي فرض عليها من سلاطينها الطغاة مستندين الى شُبةٍ ضعيفة تجعل من الجبروالأرجاء وسيلة لسلب الاختيارليبقى الحاكم الصعلوك يتحكم في رأي الامة والجماهير.. مستندا على ما كتبه الفقهاء وعقائدها والحديث المزيف والاحكام السلطانية التي شكلت الفكر التبريري لتثبيته كعقيدة في افكار المسلمين.. والتي أصبح نزعها من افكار العامة مستحيل الا اذا تغير المنهج الدراسي لصالح الحقيقة في التدريس.. فهل سنقضي على كورونا ان لم نكتشف العلاج الصحيح..

هنا لابد لنا من انهاء فكرة أثر الماضي في الحاضرالذي ولد لنا الانقسام، والتفتت، والتواكل، واللا مبالاة، والهزيمة النفسية التي جعلتنا نخضع لفئة مجرمة وضالة وكافرة وفاسدة بكل القيم وعقيدة الدين ونعتقد ان لا دين ولا اسلام ولاعقيدة الا ونستمدها من كتبهم الصفراء التي لا اصل لها مكتوب في وثائقهم ولكن مجرد تكهنات كتبوها في الاسلام والدين لأرضاء سلاطينهم.. ونحن نتحداهم ان نجد مخطوطة واحدة كتبت بقلم أو بخط مسلم والبخاري وعبدالله بن عباس وسلمان الفارسي وغيرهم كثير.. هؤلاء الذين يتقاتل اصحاب المذاهب فيما بينهم عليهم دون سند أصيل.. الا من وجهة نظر الماضي البعيد.ان المنطق التاريخي يتطلب منا اليوم كتابة التاريخ الحقيقي بلا مجاملة لكي نقف على حقيقة الأصول والتحقيق.. فعلاج كورونا بالدعاء وزيارة الاضرحة هو كورونا المميت..

فاذا كان الاسلام اليوم هو اسلامان او أكثر فنحن لسنا بحاجة الى من يفرقنا ويضعفنا ويقتلنا في النهاية.. واذا اخذنا ما يحصل لمجتمعاتنا بعد الربيع العربي سببا في ذلك فنحن خاطئون.. لان قادة هذه التغيرات ما هم الا جملة تصورات من الذين انهزمت مفاهيم العدالة في نفوسهم.. لا بل قل جاؤا بأحياء اعداء الامة من الأخرين كما حصل في بلاد العرب..ويقف العراق بقيادته المسخ اليوم من كل المذاهب والاديان في مقدمة من خانوا الامانة واسقطوا كل ما هو صحيح.. منهج تبريري قدمه السابقون بقصد.. واليوم يطبقه اللاحقون بقصد اكبر منه.. لتبرير ماهم فيه والغون وخاطئون .

 في الحقيقة ان ما كتبوه ونشروه كعقائد مذهبية باطلة كان بعلمهم قصداً.. لانهم رواد سلطة لا دين.. بعد ان ابتعدوا عن احترام النص فكتبوا ونشروا كل ما ارادته السلطة منهم لا الدين منذ عصر الامويين والعباسيين وحتى اليوم.. فهم بهذا سقطوا واسقطوا عقيدة الدين التي بها يبشرون، لاعقيدة الدين الصحيح وحولوها الى مذاهب باطلة لهم ليسودوا بها على الأخرين..فمن الواجب الانساني الرد عليهم بعلمية النص لحفظ بيضة أخلاقية الدين.. هنا واجب الكاتب الحيادي المخلص اليوم الذي يجب عليه ان يقاتل في سبيل قضية محركة وقيم معينة وهي قضية الاقناع والوعي الصحيح في ساحة الاسلام الصحيح.ان بقي لدينا اسلام صحيح..؟

نرى ان الخطوة الأولى.. التي يجب تثبيتها من خطوات معرفة رأي الفقهاء الخاطىء بين الاسلام والايمان بالمذهب تتمثل في أصرارهم بانتقال المؤمنين بالدعوة الاسلامية من مرحلة العقيدة وتفسير النص الى الايمان بهما كنظرية صحيحة غير قابلة للمناقشة وجدلية الرأي، بأعتبار ان النص مقدس لا يجوز لأحد التعرض له، وهنا وقعوا في خطأ التقدير، وان ما تم الاستقرار عليه لا يجوز لأحد مناقشته او الطعن فيه.. بأعتباره حقيقة ربانية منزلة.. وما دروا ان الاسلام يقع ضمن محتويات القرآن لا الاحاديث النبوية او ما قاله السلف اللذين صالوا وجالوا فيها على غير هدىٍ.. لذا يجب طرح تفسير النص المقدس طرحا علميا عقيدة وسلوكاً ضمن العمق الفلسفي للعقيدة الاسلامية وليس كما يعتقد الفقهاء في التفسير في وقت جاءت تفاسيرهم واللغة العربية لم تستكمل تجريداتها ومفرداتها بعد منذ القرن الثاني للهجرة .. بجدلية الرأي العلمي الصحيح والنص يبيح جدلية الرأي والفسير.. يقول الحق :"وجادلهم بالتي هي أحسن، النحل 125" ومن حق كل من يؤمن بها ان يبدي وجهة نظره فيها بحيادية المنطق لا برأي المفسيرين حسب.

هذا العمق الفلسفي يتمثل في منهج البحث العلمي الموضوعي لأحتواء القرآن على الكثير من المصطلحات العلمية والحروف التي جاءت في اول السوروآيات التشابه والمحكمات واللا محكمات والحدودية والحدية التي لا زالت غامضة بلا تفسيرعلمي صحيح.. فاصبح النص جامدا في معناه دون تحريك.. هنا الاشكالية..؟

 والخطوة الثانية.. هي اعراضهم عن المرور على الفلسفات الانسانية القديمة التي سبقت الأسلام وتحريم التعامل معها بأعتبارها تقع ضمن هامش الخطأ او الباطل كما هم يعتقدون خطئاً، وعدم التطرق الى نظرية المعرفة القرآنية التي يجب ان تكون مصاغة صياغة حديثة معاصرة، ومستنبطة حصراً من النص المقدس.. هذه الأغفالات أوجدت لنا أزمة فقهية حادة تحتم علينا بأسم العقيدة الدينية تفحص الثوابت المختلفة التي لا تنتمي الى النص بالمطلق.. لذاعلينا ايجاد فقه جديد معاصر لتشخيص المشكلة.

والخطوة الثالثة.. ان الكثير من المسلمات التي طرحوها هي بحاجة الى اعادة نظر مثل اطروحة القضاء والقدر والحرية ومشكلة المعرفة ونظرية الدولة وتفسير التاريخ.. ليصبح الفكر الاسلامي يحمل طابع المعاصرة والتحديث وفق صيرورة الزمن القرآنية يقول الحق : "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ لبخلق العنكبوت 20".. دون المساس بالايمان بالله وكتبه ورسله واليوم الأخر.وهنا هم يعارضون.. خوفا من كشف الحقيقة..؟

وهذا ما يؤكد لنا بان الفقهاء وتوجهاتهم الاسلامية في بناء الدولة لا يؤمنون بالقانون الوضعي والدساتير..بل يؤمنون بالقانون الفرضي .. اي بقانون فرض قوة الرأي على المواطنين في فرض مذاهبهم وما سطروا فيها من تجاوزات على النص وحقوق المسلمين.. منذ بداية تكوين الدولة الاسلامية التي قادت حركة الفتوح المعتدية على الشعوب الأخرى بحجة نشر الاسلام والتي يرفضون محاورتها.

وما هي الا.. قتلُ وسلبُ واعتداءُ على الحريات والأعراض والأموال علىالشعوب الاخرى دون شريعة من نص مكتوب بحجة "أسلم تَسلم لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، أنظرالبلاذري في كتاب الفتوح "بخلاف النص المكتوب"لكم دينكم ولي دين، الكافرون آية 6".ونفذتها داعش الاجرام اليوم.. وزادتها تعقيدا قيادات الاجرام السياسي الحالية في العراق التي فاقت كل تصور في الباطل والاجرام والاعتداء على الحقوق.. وهي تستمد افكارها مما ورثته من افكار تراث الأقدمين ومؤسسات الدين بمذاهبها المختلفة التي لا اصل لها في الدين..

ان اصول التاريخ الاسلامي اليوم يحتاج الى تصحيح وتصفية.. مما شابه من عدم الدقة وتطبيق اللاقانون بحجة الأخذ بما جاء به النص دون تمحيص..لذا فنحن اليوم بحاجة الى عرض وجهة نظر جديدة في المعرفة والوجود.. معتمدين على الصيرورة الزمنية المتغيرة حيث تكمن عقيدة التوحيد.. لوضع منهج جديد في اصول التشريع الديني قائم على البينات المادية وأجماع الاكثرية وليس على اراء رجال الدين القديمة التي لم تعد صالحة للعصر الحديث، وعلى حرية الرأي والاختيار اللذان هما اساس الحياة الانسانية في عالم الوجود.. فالاسلام ما جاء من اجل اختراع مذاهب باطلة قررت قتل حقوق الانسان في الوجود.

 من هذا التوجه الناقص استفرد الحاكم بالامة بعد ان أمن رأي الفقهاء ومرجعيات ادين المساند له في دولة الدين السياسي المترهلة.. والا ما فائدة رأي المرجعيات الدينية اليوم وهي منزوية لا تقابل احدا ولم تقرأ كتابا حديثاً اونظرية حديثة في توجيه القانون وعصر التحديث.. لمجرد لبسها العمامة وهي الآمر الناهي ويصدقها المتخلفون.. أمر غريب عند المسلمين في عالم المعرفة والتحديث.للوقوف على حقيقة معايير النجاح وتخطي الفشل الذريع.. ونقل المجتمع لفضاء حرية التغيير.

اذن ماهو الحل في معالجة مثل هذه الاشكالية المعوقة للتغيير: الحل ان من معايير النجاح هو تجاوز خط المساومة في التقييم والتطبيق.. فلم تعد اراء ميكافلي في المداهنة بصانعة تاريخ كما في رأي الماوردي (ت450 للهجرة)، والغزالي (ت 505 للهجرة)، والشيخ المفيد (ت 413للهجرة) وغيرهم كثير.. قد تنفع أراؤهم احيانا ولكن لمرحلة معينة.. لكنها ستكون ضارة وغير نافعة مع تطبيق القيم الاخلاقية وسلوكيات الدين الصحيح في عصر مختلف عن عصورهم في المعرفة والتطبيق.. فكل من اعتقد بالمداهنة وسيلة ممكنة، تلقى فيما بعد هزيمة منكرة.ان الاصرار على طريق العدالة الحقة هو اشد انواع الواقعية وهو ان نلتزم بالصحيح لان ليس كل ما يقال ويكتب صحيح وخاصة في ميدان العقيدة والتطبيق.. وهو طريق النجاح في البعيد والقريب.. وسيبقى المؤمن المسلم يهرول خلفهم ولا يدري انه يركض وراء سراب ظنه ماءً.

فخط الحاكم صاحب الشوكة في التطبيق دون رأي المعارضين.. نظرية اثبتت فشلها في عالم التطبيق لأن الحاكم ينظر لمصلحته دون الاخرين.. كما نراهم اليوم وهم مصرون على بيع الوطن دون مسئولية الوطن والدين . أما خط الأرجاء فقد اعتبره المؤرخون مثال على ضياع الحق بالتقادم..

يبقى الموقف من اصحاب الديانات الاخرى.. اليهود والنصارى والصابئين وغيرهم وضرورة تطبيق ماجاء به النص القرآني حلا للأشكاليات المستعصية اليوم.. يقول الحق:" ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، البقرة 62" اذن اين نضع هؤلاء مما نتهمهم اليوم بالمشركين اصحاب النار.. ومن هو الصحيح قول الله أم قول المفسرين؟ لذا لا داعي لبعض الاخرين من المثقفين وغيرهم ان يتضايقوا من النقد الموجه لهم لانهم بنوا افكارهم على نظريات ما اثبتت صلاحها في اعمال نظر وفكر.. هنا مشكلة لابد من معالجتها لانارة الطريق.. لهم وللاخرين.

مع الاسف الشديد ظهر خط المساومة والضعف حين ظهر التعامل مع الواقع والوقائع والخضوع لها حين ضعف الاعتقاد وحين اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الحقيقي الوحيد للسلوك السياسي في حكم الدولة وحقوق الناس.

والمعضلة الرابعة التي تحتاج للمعالجة الجذرية هو الأفتراق في الفرق الاسلامية انظر الى الفرق بين الفِرَق في اعتقاداتهم الوهمية.. والتي أدت الى اشكالية كبرى في وحدة العرب والمسلمين بأحاديثهم الوهمية المنقولة عن الرسول (ص) "قال رسول الله (ص) :" تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار الا ملة واحدة.. انظر مجمع الفتاوى ج3 / 345. فهل من عاقل يُصدق مثل هذا الكلام يصدر عن نبي او رسول يريد لامته الوحدة كما قال القرآن:" هذه أمتي أمة واحدة وانا ربكم فأعبدون الأنبياء 92" الم يكون هذا الحديث مدسوسا وغير ثبت؟

والمعضلة الخامسة هو الفرق بين المسلمين والمؤمنين ومن هم؟

 ويقول الحق :" ان المسلمين والمسلمات والمؤمين والمؤمنات.. والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً، الاحزاب 35 ". لاحظ الأفتراق بين النص والفقيه.. فأين هم المسلمون والمؤمنون من التحديد كما يقول فقهاء الفُرقة والتخريب..؟ حتى أوصلونا الى المسجد في التسمية والتعريف (مسجد السُنة الجديد في هولندا"ومادار ويدور خلفه من تهريج.. هذا مسجد السُنة وذاك مسجد الشيعة.. اذن اين مسجد الاسلام الواحد الموحد الصحيح؟

ونحن نستغرب كل الأستغراب لماذا أستبعدوا الجهاد الحق (وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدبن"، فهل كانت البلدان المفتوحة من قبل المسلمين بلداناً معتدية، وهي تبعد عنهم ألاف الأميال؟ قطعاً.. لا؟ اذن الفتوحات كانت عملا غير شرعي من الناحية القانونية والدينية معاً، وانما اقتضها الحاجة الآنية.. فهل هي شرعية من وجهة نظر الدين؟ فهل لديهم جرأة الاعتراف بالخطأ..؟

 الم تكن مؤسسة الدين هي الاساس في التخلف والتجهيل بعد ان اخترعت لنا المذاهب المختلفة والمتعارضة في الرأي والأعتقاد.. ودرء الخطر.. وسد باب الذرائع.. والتقية الميكافيلية.. والغاية تبرر الوسيلة.. وولاية الفقيه.. ونظرية المهدي المنتظر الوهمية؟.

 فلا خلاص لنا الا بالخلاص منها وفصل الدين عن السياسة، ومنح الانسان المسلم حرية العبادة والتفكير بموجب قول الحق :" لكم دينكم ولي دين" . كما فعلت أوربا وخرجت من عنق الزجاجة الى الفضاء الكبير. أنهم هم الخارجون على النص ولكنهم لا يعلمون..

ولنا عودة معهم.. ان شاء الله..؟

 

د. عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم