صحيفة المثقف

ألوان الماضي

عقيل العبودعند مفترقِ ذلكَ الطريق، رحتُ ابحث عن صديق، ليكون رفيق غربتي في وحشة زمن جائر، الجميع غادروا، كل في مكان.

المسافات تداخلت معَ بعضها كما الألوان، الحاضرون تزاحموا، وابتعد الغائبون.

حتى صار لطيفِ الشمس فضاءا اخر، اللون الأسود تغيرت ألوانه، اما الأبيض، فقد تداعى متقهقرا عند اقبية الحزن، لينأى عن عيون احبته.

ذاتي المتعبة جلستُ اليها احاكيها، اخاطبها، ارسمُ دائرةً، أكتبُ شيئا فيها، أتمتمُ بعض الكلمات، وأنشد بعض الأبيات لشاعرٍ هنا، وآخرَ هناك، اخططُ لقادم الأيام وانحتُ بعض ماضيها، لعلي اتجاوز لحظات الوهن.

هنالكَ افترشتُ الرصيف، واحسستُ بالأعياء، انتابني النعاس، ومضيت في حلمٍ بعيد.

السفينة التي رسمتها، غادرتُ ميناءَ طفولتها منذ اكثر من ستين عام.

الصور تباعا تزاحمت: رائحة الطفولة، الأقرباء، الجيران، المعلمون، الأغنياء، الفقراء، شوارع المحلة القديمة، الحارس الليلي، بائعة القيمر، جميعا حضرت أسماؤهم.

ألأصدقاء ما انفكوا مثل أشجار حدائقنا، طبائعهم: ضحكاتهم، بكاؤهم، تمردهم، شجارهم.

هنالك ما زلنا وإياهم تجمعنا صحبة النهار، وتفرقنا سماء الليل.

انذاك المدرسة، البيت، الآخرون، مفردات لسيناريوهات غابت، لكنها بقيت تعصف في محيط غربتنا، كأنها تأبى ان يغادرها المكان. 

الموضوعات تمرداً تزاحمت، لكأنها تعتصر صمت الليل، وترتدي ضحكات النهار.

المحبة، وصفاء السريرة، تقابلها الكراهية، والنفاق، والكذب، اما اختلاف الألوان، فمسميات لم نكن نعرف عنها الا ظلمة اللون، وغياب الفجر.

لذلك شمس النهار مثل زقزقات العصافير، كنا نعشقها، نسير في دروبها، ولأجل محبتها نصاحب الورد والفراشات.

أما الغروب فلم نكن نعرف عنه الا حراسات صيف بارد وشتاءات رغيف دافئ.

ولكن يوم ابتعدت ضفاف أرواحنا، ونسينا صفاء النجوم، امست شاحبة لغة الصباحات، والأمنيات غابت لتغور هي الأخرى بعيدا عند أطراف أشرعة باغتتها العواصف، اما النقاء فقد بقي كما اللون الأبيض، يبحث عن مأوى بعيد.

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم