صحيفة المثقف

الجريمة

فتحي مهذبرغم انطفاء مصابيح النجوم، واستدقاق روح العتمة الشفيف، لم يزل الحصان يقطع الممر الجبلي المسيج بأشجار الكاليبتوس العملاقة يسوسه حوذي عارف له دراية جيدة بالمكان ومنحدراته اللولبية الضيقة.

الخفافيش تمرق مثل الهواجس في الهواء.

أوركسترا البوم الدوق الصغير تدوي من بعيد في جنائزية مروعة.

تبدو العربة الخشبية كما لو أنها غيمة داكنة ضائعة في الأفق.

يتحصن داخلها رجل أشيب بنظارات سميكة تبطنان عينين شبه شريرتين وأنف معقوف ولحية منسدلة على صدره.

وقامة تشبه صنوبرة في عز شبابها.

الذئاب تطلق عقيرتها المحبطة والمتقطعة باتجاه العربة .

الحوذي يلهب ظهر الحصان فيزداد عدوه ويمسي لإيقاع حوافره أثر عميق في النفس لا تنمحي معالمه.

بعد زهاء ساعتين ونيف أوقف الحوذي عربته التي مزقت سجف العتمة واستفزت سكان الجبل الليليين.

هبط الشيخ المتطبب مثل ملاك رحيم من السماء السابعة.

هرع إليه لفيف من الأناسي آملين إنفراج الكربة وزوال الشدة.

فتحوا الباب أمامه فهاله مشهد البنت الجميلة ذات العقدين وهي تتخبط مثل أفعى داستها شاحنة مجنونة موغلة في هذيانات ملغزة.

أخرج من سترة جيبه مفتاحا خشبيا قديما يبدو كما لو أنه لكنيسة قروسطية مهجورة .

وكتابا رثا أصفر اللون يشبه (كتاب الأموات) وجيء له بهراوة كما أمر لطرد الجني بالقوة إن لم يخرج من جسد البنت بسلاسة.

أمر الحاضرين بإطفاء المصابيح الكابية والسقوط دفعة واحدة في بئر الصمت ليزاول عمله في الصمت والهدوء المطلق.

والتثبت من هوية الجني الذي يسكن جسد البنت المصروعة.

بما أن العائلة يئست من مقاربات الأطباء المسطحة وتآويلهم المتضاربة وأدويتهم التي لم تؤت أكلها إطلاقا حسب رواية الأم.

بيد أن الأخ الأكبر للبنت العليلة كان كان رافضا رفضا كليا معالجتها بهذه الطقوس البدائية المتحجرة ولكن لم يلق آذانا صاغية فاكتفى مثل غيره بالمشاهدة والترقب.

أغلق الشيخ باب الحجرة وراءه.

وراح يرتل أليغوريات معقدة لا يستطيع نعومي تشومسكي تفكيك تركيبتها الدلالية ولا استغوار ظلالها الكثيفة وأسرارها الصفيقة.

ومن حين إلى آخر يحدث قرقعة كما لو أن نيزكا ضائعا سقط في الحجرة فتهتز مفاصل الأم خوفا على ابنتها من شر يحيق بها.

بينما كان الشيخ في ذروة نشاطه الجنسي. كان يداعب نهديها ويقبل فمها المفتوح ثم يرمى يده في جرحها ولما استوت رغبته المشبوبة على سوقها ارتمى فوق جسدها الهش وفعل فعلته الوضيعة غير آبه بقيم أو مبادىء.

ولم انتهى من مهمته الإيروسية أمسك هراوته بيد متصلبة وشرع في رشق البنت بضربات متلاحقة

إلى أن خارت قواها واستسلمت لإيقاع هذه الكوميديا السوداء.

لقد فارقت الحياة بينما الشيخ مفرط في عدوانيته في انتظار خروح الجني الجامح.

ساد الغرفة صمت القبور وأيقن الشيخ أنه ارتكب جريمة قتل مروعة . فتح الباب وخرج باكيا متضرعا مدعيا أن الجني قتل البنت وليس هو.

بينما أثبت تشريح البنت تعرضها لاغتصاب وتعنيف فظيعين.

***

فتحي مهذب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم