صحيفة المثقف

تفكيرٌ في الدِّين (5)

مجدي ابراهيمتباعاً، نستأنف محاولات التفكير في الدين؛ لنرى الناظرَ إلى أزمة الفكر الديني التى يضجُ منها واقعنا الإسلامي المُعاصر وتتلازم مع الحياة في وقتنا الراهن، وفي كل وقت تهبط فيه القيم وتسقط المبادئ؛ لا يجد بحق أثراً لها على الإطلاق في تراثنا الروحي المهجور! ولا في ثقافتنا الواعية دوماً بتطبيق الفكر على العمل، والاعتقاد على واقع الحياة العملية.

ففي هذا التراث الروحي وفي تلك الثقافة الواعية، ضبط شديدُ بين القول يقوله المتكلم أو ينطق به المتحدّث أو يكتبه الكاتبون في صحائفهم الخالدة، وبين السلوك الذي يَصْدُر في الحياة المُعاشة فعلاً في الواقع العملي، فلا خلل بين النظر والعمل، ولا اعوجاج ولا انفصام يبدو - ظاهراً أو خفياً - بين قول يُرَادُ به شيء وسلوك ينقضه ويعبِّر عن شيء آخر. فهذه الهوَّه الوسيعة، الفاصلة، الشنيعة؛ التي عَبَّرَ عنها شاعرنا العربي المتنبي بقوله:

في عزلة الرُّهْبَانِ إلا أنه         لا يَعْرفَ التَّحْريم والتَّحليلا

لن تجد لها وجُوداً في الحياة الرُّوحية في الإسلام، لا لشيء إلا لأن السياسة كانت بعيدة كل البعد عن تلك الحياة، ولأن الفكرة المبدئية الأوليَّة لديهم هى صرف النظر عن الطمع في الشئون الدنيوية واقتصار الطاقة العاملة فقط على ما يرضى الله منها، أخذاً أو عطاءً.  

وللقارئ أن يسأل من بعدُ في دهشة المستريب: ألم تكن هناك حركات روحية في الماضي تَدُلُّ بالقطع على أهداف سياسية؟! ألم تسمع كما سمعنا عن دراسات حديثة وجهت طاقاتها لدَرْس العلاقة بين السياسة من جهة وإسهامات تلك الحركات فيها من جهة أخرى؟ ليس من حقك أن تخْرجَ الحياة الروحية في الإسلام من مَعْمَعَان العمل السياسي، وبخاصةٍ إذا كانت اهتمامات بعض أولئك الذين مَثَّلوا هذه الحياة سياسية فوق كونها دينية، كما حدث لدى ابن قَسِّي في المغرب العربي، أو الحلاج والسَّهْرَوَردي المقتول في المشرق العربي.

وللإجابة على ذلك أقول؛ إنّ الفرقَ كبيرٌ جداً بين مَنْ يُفْسِد الدين بالسياسة، وبين مَنْ تفسده السياسة لأنه عارفٌ مُتحقق بالدين؛ ففي الحالة الأولى وهى حالة معروفة ومقصودة هى التي تكلمنا فيها في السابق، فالسياسة من المؤكد هى التي تفسد الدين. أمَّا الحالة الثانية فهى حالة مَنْ تفسده السياسة لا لشيء إلا لأنه عارف متحقق بالدين. وعن هذه الحالة التي هى موضع الملاحظة يكون حديثنا؛ ففي الحقيقة لم تكن منازع هؤلاء مُوَجَّهة إلى السياسة بل كان الشاغل الأكبر والهمِّ المقيم هو الدين. ولم تكن الدنيا أصلاً قائمة ولا هى بالباقية في ذاكرتهم، وإلا لمَا وصلوا بالتبتل والانقطاع إلى ما كانوا وصلوا إليه من فتوح في ميادين العرفان. فلمَّا أنْ بلغوا في هذه الميادين درجة لم يبلغها سواهم، تسَّلطت السياسة عليهم وعلى أتباعهم لتنال منهم نيلاً عظيماً؛ لأنهم جذبوا القطاعات العريضة من الناس إليهم جذباً، والسياسة تخشى الثورات المنطلقة من حرية الوعي والضمير.

وهنا تجيءُ الحالة الثانية الفارقة أعني - حالة مَنْ تَفْسِدَهُ السياسة لأنه عارفٌ مٌتحققٌ بالدين - فتلعب فيها السياسة دوراً كبيراً؛ لا لشيء إلا لأهدافٍ كلها ترابيَّة لم تحظْ قط بشواغل أولئك العارفين، ولا عِبْرة  من بعدُ لدينا بمن يدرس العلاقات والروابط بين ألاعيب السياسة وبين تلك الحركات؛ من أجل أفكار موجَّهة قد تضر الواقع ولا تفيد، ثم هى مع ذلك تلوى عنق الحقائق التاريخية ليَّاً ولا تزيد.

الموضوعية العلمية - وليس الانحياز إلى هذه الثقافة الروحيّة التي ندينُ لها بالولاء - تقفُنا على حقيقة واضحة، وهى أنه ما من مفكر من ذلك الطراز الروحي المتميز الفريد إلا وأنت تجد حياته على وفاق مع فكره، وفكره على تطابق مع حياته؛ كما هو الحال عند الغزالي، صاحب كتاب "إحياء علوم الدين"، والذي وصفه "ماكدونالد" بأنه " أكثر المفكرين وعلماء العقائد في الإسلام أصالة"؛ وكأبي طالب المكي صاحب كتاب "قوت القلوب"، وابن عربي صاحب كتاب "الفتوحات المكية"؛ وأمثال هؤلاء السَّادة مِمَّن يقرنون في كتاباتهم ومواقفهم سَبَحَات النظر بوقائع العمل، وحرية الفكرة بتجريب التطبيق.

ثم إنّ البحث الصادق الأمين ليُطلعنا على أن الناس في مجتمعاتنا الإسلامية، إنْ يَرَوا كل آية في ثقافتنا الروحية، وكل فضيلة من فضائلها المعرفية والذوقية يعرضوا عنها، على الرغم من أنها ثقافة التسامح والمحبة والسلام، فلا يؤمنوا بها، بل ويستبدلوا بها ثقافات تدعو إلى التعصب والمغالاة والتطرُّف والإرهاب.

لا بأس! فالناسُ فيما يعشقون مذاهبٌ. ولكنهم إنْ هم آمنوا بهذه الثقافات وأقلعوا عن تلك، لم يقرنوا الإيمان بالموافقة (بالعمل) لأنهم مشغولون عن إشعال الذهن في فهم الحركة العقلية بين الإيمان والاعتقاد من جانب, وبين السلوك النافع على أحسن ما يُمْليه هذا الإيمان وذاك الاعتقاد.

هذا الانشغال الذهني - فضلاً عن كونه يعكس شغلاً باطنيّاً صارفاً - فهو من جهة أخرى، يحدث هوةً وسيعةً شاسعة بين الاعتقاد والعمل فيورث التمزق الداخلي والانفصام النفسي، ويمنع مباشرة التوحيد والولاء لها على مستوى الحركة التطبيقية؛ لتظهر من ثمَّ الازدواجية في الأقوال والأفعال، فتنشأ الأزمة لا محالة.  

ولكن هذه الأزمة الفكرية تتلاشى تماماً مع حركة العقل الذهنية في استنباط الحق في الاعتقاد، وإيثار الخير في السلوك، والوقوف على الصِّدْق في الأفكار والأقوال؛ حتى إذا ما تمَّ ذلك للإنسان كان نوراً أو ما يُشْبه النور؛ يمشى على الأرض هداية ومعرفة وفضيلة وعرفاناً، لكأنما العزلة عن العقل من قلة الدين، والبعدُ عنه بعدٌ عن التفهيم والتنوير، لا لشيء إلا لأنه بعدٌ كذلك عن التَّديُّن البصير.

على أن العقل المقصود هنا ليس هو العقل النظري الخالص المُجرَّد عن العمل الصالح وخيريِّة التَّصرُّف والتصريف، ولكنه العقل الذي نفهمه من القرآن على حضور في الفهم، وعلى دلالة من معاني العقل ومقاصده في روح هذا الكتاب. فلا تستغرب حين تجد كلمة "العقل" ومشتقاتها تردُ في القرآن الكريم تسعاً وأربعين مرة وتكرَّر مثل هذا التكرار على اختلاف الآيات التي ذُكرت فيها، مثلما تتكرَّر كلمة "النور" ومشتقاتها؛ بنفس العدد تسعاً وأربعين مرة ممّا يحيطك علماً بأن العقل هنا هو "نور الغريزة"، وأن مدلول "النور" في القرآن قد يترادف مع مدلول "العقل" على المعنى الذي يكون فيه العقل فيضاً من الأنوار الإلهية.

ومن شدّة توكيد القرآن على نور العقل في الهداية إلى الإيمان، أن الله قد جعل الرّجس على الذين لا يعقلون؛ والرجسُ هو السُّخط أو العذاب، فكأنه بهذا الاعتزاز بنور العقل كقيمة علوية تهدي الإنسان إلى حقيقة الإيمان؛ يقرِّر أن الذين لا يعقلون فلا يهتدون، هم من ثمَّ أهلٌ للسُّخط من الله، وهم أهل للعذاب بما غيَّبوا العقل فمنعوه من الهداية وحجبُوه عن الإيمان:"وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرِّجْسَ على الذين لا يعقلون".

لكأنما كان تعلق الإيمان على المشيئة الإلهية هنا إنما هو إذن للعقل بتعقُّل الإذن المُعَلَّق على الله. وفي غياب إذن العقل لفقه الحكم (حكم المشيئة) يكون الرجس ويحل العذاب؛ لأن في هذه الغيبة تعطيلاً للعقل لا يرضاه القرآن فيقرِّر السخط والعذاب على الذين لا يعقلون.

فعل العقل في تكوين العقيدة:

وبمقتضى طلاقة العقل لفهم القرآن، على المقصد الذي شرحناه، والمعنى الذي تبيَّن من خلاله أهمية أن نتعقَّل وأن نتفكَّر؛ يمكن الحكم بأن دورة العقل في مسائل العقيدة حيويّة بغير خلاف. لكن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه في هذا السياق: هل من فارق بين العقيدة والإيمان؟ وما هو دورُ العقل فى تكوين العقيدة؟ وكيف تتكوَّن العقيدة أصلاً؟

أسئلة مثيرة للتأمل تَجْدَرُ مناقشتها على هدى ممّا تقدَّم من تفاصيل؛ فإن النظرة المحيطة بموضوع الإيمان وموضوع التفكير؛ لتفرِّق تفرقة حاسمة بين الإيمان من جهة والعقيدة من جهة أخرى، فهناك الإيمان أولاً وهو قلبي في أول مقام، فالذي يؤمن يصدِّق ويُسلّم من طريق القلب، ثم بعد أن يؤمن يتفكر فيما آمن به فيحاول تعقل هذا الإيمان، بمعنى أن يُعْمِل عقله في موضوع الإيمان حتى إذا ما أستوى إيمان المؤمن مع قناعاته العقلية أستطاع أن يهتدي إلى عقيدة تستقر عليها قناعاته الداخلية وبواطنه القلبية، وتتسق مع ما كان قد توصَّل إليه من كثرة تفكيره في الإيمان كموضوع بعد تسليم وتصديق.

وليس شرطاً للعقل المحدود أن يستوعب كل ما هو غيبي، بل يتفكَّر في حدود عطاياه الإيمانية. ومن هنا تختلف العقائد على الإيمان الواحد وتتشاكل وتتشابه تارة، وتتباين وتختلف تارة أخرى.

وليست العقيدةُ عقدة مؤبَّدة لا تنفصم ولا هى بالتي لا تتفكك عُراها مطلقاً، ولكنها قابلة للتغيير والتبديل، بمقدار قابليتها للمراجعة والفحص والإعادة والتكوين؛ تبعاً لقراءة العقل لموضوع الإيمان، ثم تطوره مع هذه القراءة وترقيه فيها واكتشاف الجديد فيما يلاحظه بصددها، ومواكبة ما يفهم منها على مقدار ما يُلْهَم.

وكثيراً ما يُسَاءُ فهم الإيمان تماماً كما يُسَاءُ فهم قراءته فتجيء نتيجة تلك الإساءة عقيدة مغلوطة أو جامدة متحجِّرة ليس فيها من روافد الشعور ولا من سلامة الإدراك ما يحييها ويقوِّيها ويُغذي مناشطها الرُّوحية والعملية: فقيرة مُجدِبة في جانب على حساب جانب آخر، مخلوطة مشتتة غير قاصدة ولا مُوَحَّدَة؛ مُوَزَّعة فيما ترى وفيما تفكر وتنظر وتستسيغ. وقد يميل القارئ إلى فهم الإيمان وفهم موضوعه وفهم مطالبه ومصادره في أصل الفطرة وبواطن الشعور وسريرة الضمير؛ فيقرأه بالعقل قراءة نافذة فاعلة، بعد أن يكون في الأصل قد تغلغل في أعمق أعماق طواياه وتعمق في قلبه غاية ما يُصيبه التَّعمق في القلوب من رسوخ وتمكين واستقرار؛ فتجيء القراءة العقلية إذْ ذاك مواكبة للحقيقة الإيمانية الباطنة تضيف إليها ما يزيدها شرحاً ووضوحاً فوق الزيادة المرسوخة في التمكُّن من أصالة الشعور.

فالعقلُ وحده بمعزل عن الإيمان ليس كفيلاً ولا كافياً أن يعطيك تصوِّراً صادقاً أو صحيحاً عن العقيدة الإيمانية فيما لو كانت على استقرار الرسوخ والتمكين، أو هو قد يعطيك عقيدة فكرية بحتة لا شأن لها بتعقُّل الإيمان إلا من خارج. والإيمانُ شعورُ وفهمُ واستدلالُ - كما يذهب القديس أنْسِلم - شأنه في ذلك شأن القديس أوغسطين الذي نادي بــ "تعقل الإيمان"؛ لأن الإيمان يُوَلِّدُ في النفس المحبة، ومن خصائص المَحَبة أن تدفع إلى استعجال الرؤية الآجلة بالاستدلال.

كان "كانط" يقول:"إنّ الدين هو شعور بالأمر الإلهي، وليس بواسطة العقل، إذْ العقل عنده لا يوافق حقيقة الأشياء. وعلى ذلك يكون الدين بهذا المعنى شعوراً إلهاميّاً محضاً. فالإيمانُ من ثمَّ شرطُ التَّعقل؛ وقد قال "أشعيا": " إنْ لم تؤمنوا فلن تفهموا"؛ فالذي لا يؤمن لا يشعر بموضوع الإيمان؛ والذي لا يشعر لا يفهم. والشعور بالإيمان يفوق مُجَرَّد سماع الحديث عنه. والتَّعُقُّل وسط بين الإيمان في الحياة الدنيا، ومعاينة الله في الآخرة؛ هو اقتراب من علم الله!.

إنما العقلُ المحدود المفصولُ بالكلية عن شعور الإيمان الديني العميق، والمعزولُ عن فهم دخائله ومراقبة خلجاته وطواياه؛ لا يَمَسُّ الحقيقة الدينية في شيء، فعقيدتُه محضُ فكر خارجي يُصلح للعلم والتفكير المحسوس: يصلح للصخور والمعادن والأحجار وريّ الأرض وحفر المجاري ومدِّ القنوات ونقل المزابل ولا يُصْلح لتأمل الحقيقة الإلهية.

هنالك فرقٌ؛ وفرقٌ كبير؛ بين العقل المُروَّض على التعامل مع الحقيقة الإلهية، والتى موضعها القلب إيماناً، ومُدْركُها الفكرُ تعقُّلاً وعرفاناً؛ وبين العقل العابث المخلوط بأهواء صاحبه، إنْ هو أدرك فلا يدرك إلا الهوى، وإنْ هو أصاب فلا يصيب إلا الدَّنِيَّة من الدين والدنيا على السواء.

هذا العقل المغموس بعكارة النفس الملوَّثة إذا تَعَرَّض للإيمان أفسد معانيه. إنه فريد الدين العطار؛ الشاعر الصوفي الفارسي البديع هو الذي صوّر عجز العقل (باعتباره ملكة الاستدلال) عن إدراك الحقيقة الإلهية تصويراً يفوق الرَّوْعة ويعلو على خيال الملهمين؛ وذلك حين قال:" ذهبنا وراء عالم العقل والفهم، العقل لا يُجدي عليك، إنما يأتي بما يأتي به غربالٌ من بئر، إنما يحاول العقل أن يدرك هذا العالم، ولكن هذا العقل الذي يفقد نفسه بجرعة من الخمر لا يقوى على المعرفة الإلهية. العقل أجبنٌ من أن يرفع الحجاب ويسيرُ قدماً إلى الحبيب".

أمّا العقل المُروَّض على التعامل دوماً مع الحقيقة الإلهية؛ فشأنه شأن آخر كما أن العقيدة الفكرية في مجال الدين هى الأخرى شأنها شأن آخر؛ إذْ هى تُسلِّط أضواء العقل على الإيمان القلبي كيما تجيءُ العقيدة مجموعة ضوابط فكرية مستخلصة من قراءة العقل المستنيرة للإيمان.

ومن هنا تتكون العقائد؛ والأصل فيها الإيمان لا العقل: العقل مجرد شارح للإيمان يحاول أن يفهمه، يتعقَّله، يحسَّه، يتذوَّقه، يوازن بينه وبين أفراد غيره آمنوا، وأفراد لم يؤمنوا، ويدرس أحوالهم وفوارقهم في الشعور والإحساس، وفي العقول والمدارك، وفي الوجهات والمصائر؛ ليتبيَّن له على اليقين البرهاني الذي لا مِرْية فيه مثل هذا الفرق الفارق بين حقائق الإيمان البصير وبين أباطيل الغفلة والجهالة والتعطيل.

العقل هنا يستخدم خصائصه لفهم موضوع الإيمان؛ وخصائصه خاضعة لما كان كوَّنَ لنفسه من قناعات وشَكَّل لها من تصورات أصيلة ومتأصلة لا تقوم بمنأى عن الإيمان ولا بمعزل عن دفعته الحيوية ونبضته الشعورية.

والإيمان يزيد أحياناً وأحياناً ينقص: يزيدُ بالتجربة والممارسة وإثارة الحيوية والتجديد الديني المهييء لصلة القُرْبة بين الخالق والمخلوق، وينقص بالإهمال؛ إهمال الامتثال وكل ما يُقام على الإهمال من آفات النقص وعلامات الخزي وإمارات الخذلان. والعقل تابعٌ للإيمان في قراءته لتجاربه المعرفية، فالثوابتُ التي يقف عليها دوماً ولا يتزحزح عنها إنما هى مبادئ كان قرَّرها مُسبَّقاً لا يحاول أن يتعَقَّل عطاياها النظرية المحدودة فيرتفع ما أمكنه الارتفاع عن حدودها وقيودها، كيما يسمح بمساحة للنفاذ إلى قرارة ما استقر عليه إيمانه القلبي عَسَاهُ، من بعدُ, يدرك بالتجربة المعاشة الحيَّة عمق الإيمان؛ فيعقله.

فمطلوبٌ من العقل إذا هو أراد أنْ يكوِّن لنفسه عقيدة صالحة في فهم الإيمان وتعقله وشرحه والبَصَر به أن يدور مع الإيمان دورته الحيوية حضوراً وغياباً؛ وجوداً وعدماً, زيادة ونقصاناً، يرتقي في مرتقاه كيما يعلم رُقيَّهُ بالغاً ما بلغ هذا المرتقى فيه، وليعلم أن حضوره ووجوده وزيادته من رقيه وتفاعله معه، وأن غيابه وعدمه ونقصانه، من خموله وخموده ونقص الهمَّة فيه؛ حتى إذا ما رأينا اختلاف العقائد بين قوى وضعيف ومقبول ومنبوذ، وقابل للممارسة والحياة ومطمور مهجور لا يَرْقَى برقى الشعور، علمنا على الفور دور العقل في ذلك كله واقتداره على تكوين العقيدة الصالحة للممارسة والتفاعل والحياة.

(وللحديث بقيّة)

 

د. مجدي إبراهيم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم