صحيفة المثقف

عشتروت الشرق فينوس الإغريق

نور الدين صمودأيا مَنْ تلوحين للعين ينبوعَ حبٍّ، وكونَ جَمالْ ويا مَنْ بهاؤُكِ فوق التصوُّرِ...

فوق حدود الخيالْ

ويا من أفكــــّر فيكِ بدون كَلاَلْ !

لأنتِ لقلبي السَّـنا والنـّـَدَى والظـــِّـلالْ وأنتِ التي، بالهوى والشذا، أنطقتني وأنتِ التي بـِسَـنَا حُسنها حيّرتـْـني وظلت أمامي تلوح كأحْـلـَى سُؤَالْ...

عن الهائمين بأبهَى ذوات الجمالْ.

* * *

أقـــول لـنـفـسي،

وأسـألُ حـسّـي :

لماذا يرفرفُ في الصدر قلبي

إذا ما رأيتُ بـهاكْ؟

وأسألُ: أين أراكْ؟

 أ في الواقع الحلو؟ أم في الخيالْ؟

وهل نلتقي في ضفاف المُـحالْ؟

وهل أنت فوق المُـنـَى و المنالْ؟

ودونَـك ِ غاباتُ شوقِ

وأشجار تــَـــوْقٍ

وأنـــهـار ذوقِ

وكـــوْنُ جمالْ؟.

وأشعُر أنكِ دفترُ أشعارِ حبِّ

وديوانُ شعرٍ تدفـــَّــق فِـيّْ

وأنــّـكِ أدنى من القلب، أقربُ منّي إليْ وأنكِ منـّي خرجتِ و أنكِ فـيّ حللـتِ كما حلـــّتِ الرّوح ُ في الجسد الهامدِ فدبَّـت به رعشاتُ الحياة ْ وأركـَـضَ قلبيَ في الصدر كالفرس الشاردِ.

وأومِـنُ أنكِ فيَّ اندمجتِ

وأنــــَّـكِ فـيَّ انسكبتِ

كإيمانِ أهل الحلولْ

وأحتـارُ ماذا أقولْ.

وأشعر حينًا بأنكِ أبعدُ مِن كل شيْ

وتفصلني عنكِ صحراءُ شوكٍ يبابْ

وأكوامُ رملٍ سرابْ

فأهرقتِ في القيظِ نهرَا

بصحراءِ روحي

وأنبتِّ زهــرَا

وضوّعت عِطرَا

وأصبحتِ مَرهَم كل جُروحي.

فمن أين قـُولي، تـُرى قد طلعتِ..

طلوعَ الدليل على الحائرين..

بقلب الصحارَى؟

ومن أين لي قد نبعتِ،

كينبوع مــاءْ؟

كصوْبِ الرِّهامْ..

على الظامئينَ الحيارَى؟

ومن أين لي قـد أتيتِ

كما جاء بعد الشتاء الربيعْ؟

ومن أين جئتِ

بهذا الصفــاءِ

وهذا البــهـاءِ

وهذا الكمــالْ؟

أَ مِنْ قَصَصِ الوجد والعشق في ألف ليلهْ تـُـردّدها شهرزادُ على شهريـارْ؟..

إذا الليلُ أسدلَ ألفَ ستارْ؟

إلى أن يؤذِّنَ ديكُ الصباحْ؟

وهلْ جئتِ مما حكاهُ

رُواة ُ الأساطير في الغابرين؟

وأسأل: من أين يأتي جمالـُـكِ هذا البديعْ؟ وكيف أراه وليدا جديدَا وفي مقلتي يتجدّدْ؟ وكيف أراه وحيدًا فريدَا وفي مهجتي يتمددْ؟ وأحسب هذا الجمالَ قصيدَا على مسمعي يترددْ؟ وما سِرُّ حسنِكِ في كل عَيــْـنْ؟

وأسأل: كيف أراكِ وأيــْنْ؟

وهل أنتِ إنسانة أم مــلاكْ؟

وهل أنت حورية ُ البحر صاحبة ُ السحر، فيما رواه رُواة ُ الأساطيرِ عن فاتناتِ العذارَى؟ جلسن على الصخر، أو سِرنَ فوق الرمالْ ولـــُـحْـنَ حَيارَى؟ وأشعرُ حين أراكِ بأنـــَّـك بستانُ كــــرْمٍ..

تدلــَّت عناقيده كالثريّات مشرقةً مثل أكياس نورْ وأنكِ غابة ُ وردٍ وألحانُ وَجْــدٍ

و روضة فـُــــلٍّ

و وارفُ ظِــلٍّ

ومِسْـكٌ فـَـتـِيتْ

وأنكِ ناصعُ ثلـج يُـلألئُ فوق رؤوس الجبالْ ويغمر بالنـَّـوْرِ والنـُّـورِ كلَّ المروجْ فـتــــُبصِرُه العين نبعَ جمالْ ويبعث في أعين الناظرين الخَــدَرْ.

و قد لُحتِ للعن مثل "اعتمادْ"1

تـُطِلُّ على غابةِ اللـــَّـوْز من شرفة النوم في قصر إشبيليهْ وكنتُ إزاءكِ مثلَ "ابن عبّادَ" سيَّج باللوزِ قصرَهْ فظل يُفتِّحُ في البردِ زهرَهْ ويَغمُــرُه بالأريــــجْ لكي ما تراه اعتمادْ،

بأزهاره، غابةً كللتها الثلوجْ

وقد عمّمَتْ شامخات ِ الجبالْ.

وقد لـــُحْتِ للأعيُنِ الهاجعاتْ

كـتمثالِ فينوس أو عشتروتْ2

يـــُــشيعُ الصفا والبهاءْ

و قد لحتِ للأعينِ الجائعاتْ

كسلّة خَوْخٍ وتينٍ وتوتْ

شهيًّا لذيذا، إذا الصّيفُ جاءْ.

وإذ تقفين أمامي بقدِّكِ بين جميعِ النساءْ تلوحين كالشّوحَةِ الفارعَهْ3 تَمُدُّ ضفائرَها الرائعَهْ وتَسمُقُ نحو السَّماءْ وتَمضي تَتيه ُ على الغابِ مثل المنارْ وأمضي أحدِّقُ فيكِ كعبّادِ شمسٍ يغازل شمسَ النهارْ 4 ويرمُق إشعاعَها في الصباحْ ويَذهَلُ في حسن ألوانها إذ يودّعها في السماءْ وأرمُقُ حُسنَكِ مثلَ الفَـراشْ ينام بحضنِ الزهورْ ويجعل منها فِراشْ ويغمرُ عينيه، في الليل، فَرْط ُ الضياءْ فيصهَرُه عشقـُـه في اللهبْ ويجعله رائعا صافيا كالذهبْ فحسنُـك ِ نــــارْ و حسنك نــُــورْ أيــا مَن تلوحين للعين ينبوعَ حبٍّ، وكونَ جَمالْ.

***

نورالدين صمود

جويلية 2000

............................

1) اعتماد الرميكية شاعرة أندلسية كانت جارية لرميك بن الحجاج فنسبت إليه، ورآها المعتمد بن عباد ملك إشبيلية قرب بركة، كانت تورد غنمها منها فسمعته يقول صدر بيت هو (صَنَعَ الريحُ على الماء زرَدْ) وطلب من وزيره بدر بن عمار إجازته أي إكماله، فبادرتهما بقولها على الفور: (أي درع لقتالٍ لو جَمَدْ !) فنالت إعجاب المعتمد وتزوجها وأنجبت له عدة أمراء وشاعرة اسمها بثينة، ولهما حكايات طريفة منها أنها رأت بعض نساء البادية بإشبيلية يبعن اللبن في القرب وهن ماشيات في الطين، فاشتهت أن تفعل فعلهن، لأنهن ذكّرنها بشبابها في البادية، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد، وصيرها جميعا طينا في قصره وجعل لها قِـرَبًا وحبالا من إبريسم أي حرير، فخاضت هي وبناتها وجواريها في ذلك الطين، ومن أخبارها معه أنها تمنت أن ترى في إشبيلية الثلج يكسو الجبال والأشجار كما كانت تراه في غرناطة فأمر بزرع أشجار اللوز حول قصره فكانت تراه كالثلج عندما يزهر في فصل الشتاء، ولأسباب يطول شرحها أغار يوسف بن تاشفين على إشبيلية فأسرهما وأرسلهما إلى أغمات بالمغرب وهناك قالت له في وقت ضيق إنها لم تر معه إلا الشقاء فقال لها : ولا يوم الطين؟ وماتت في أغمات 488 هـــ 1095م ومات بعدها بأيام.

2) فينوس إلهة الجمال في الأساطير الرومانية وهي مثل عشتروت أو عشتار إلهة الخصب والجمال والحب عند الفينيقيين وهما مثل أفروديت الإغريقية.

3) الشوحة والجمع شوح شجر أغصانه على شكل مخروطي تتصاعد دوائر وترى من بعيد شامخة فارعة تعلو جميع الأشجار.

4) عبّاد الشمس: نبات أزهاره جميلة كبيرة قرصية تتجه دائما نحو الشمس فتكون رأسية عند الظهر وتميل عموما بعده، وبعد الغروب يستقيم النبات ويصبح عموديا تماما في منتصف الليل ثم تميل النّورة شرقا وتجدها الشمس هكذا عند مطلع النّهار (كما في الموسوعة العربية الميسرة).

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم