صحيفة المثقف

مأزق الكاظمي في تشكيل الحكومة؟

عبد الجبار الجبوريفشل مصطفى الكاظمي في إقناع الكتل السياسية، التي رشحتّه بديلاً عن عدنان الزرفي، في القبول بتشكيلة وزارية خارج المحاصصة الطائفية، وإصطدم بواقع يفرض عليه، سلك طريقين لاثالث لهما، ألأول هو الموافقة على شروط الأحزاب والكتل، بفرض وزرائها، والإعتراف بالمحاصصة الطائفية كواقع مفروض، والتي تتبجّح جميع الأحزاب برفضها كنظام للحكم، وضرورة مغادرتها لأنها دمرّت البلاد، ولكنهم يفرضونها من تحت الطاولة، على رؤساء الوزارات المتلاحقة، لأنهم يدركون أنها سبب وجودهم في العملية السياسية، والثاني هو تقديم إعتذار لرئيس الجمهورية، عن تشكيل الحكومة، وأعتقد سيضطّر الى الخيارالثاني، ويقدم إعتذاره، ولكن لنفترض أنه وافق على شروط المحاصصة، وتم تشكيل حكومة طائفية رغماً عنه، والذي يخالف برنامجه الذي أعلنه في أول خطاب له، فأمام الكاظمي ملفات خطيرة عويصة، لايمكن له أن يخرج منها، إلّاّ خاسراً، لايستطيع مواجهتها على الاطلاق، ومن هذه الملفات، ملف الهبوط المستمر المفاجيء لأسعار النفط، وملف التهديدات التي أطلقتها بعض الفصائل الولائية، وكيفية تنفيذ وعده بحصر السلاح بيد الدولة، وتنفيذ فقرة إخراج القوات الاجنبية، وغلق قواعدها العسكرية في العراق، ويقصد بها القوات الامريكية، والتي وضعتها كتلة البناء والميليشيات، كشرط أساسي للقبول بالترشيح، والملف الآخر خطرعودة داعش، وتربصه بكركوك، في صفقات دولية مشبوهة، بعد توقف دعم التحالف الدولي وأمريكا، للعراق لمواجهة خطر داعش، الذي بدأ يدقُّ ناقوس الخطر، في محافظات كركوك وديالى ونينوى، بعمليات عسكرية لذئابه الجريحة المنفردة، التائهة في أنفاق بصحراء الانبار ونينوى وكركوك، والملف الآخرهو ملف التظاهرات، التي عادت بقوة في شوارع بغداد والمحافظات الجنوبية، بعد توقف قسري بسبب وباء كورونا، والتي قدمت شهداء وجرحى يوم امس، إضافة الى كل هذه الملفات، هناك صعوبة بالغة بتشكيل الحكومة، وهي صراع الكتل فيما بينها، ورفضهم التصويت إلاّ بشروطها، ومنها الكتل السنية والشيعية والكردية، مما يصعب إخراج الحكومة من عنق الزجاجة، بالرغم من تدخل اسماعيل قاآني مسئول الملف العراقي، بعد قاسم سليماني في إقناع( البيت الشيعي)وأحزابه وكتله بالجلوس على طاولة واحدة، وترميم العلاقة بين مقتدى الصدر ودولة القانون ومنظمة بدر، وهكذا فشلت مهمته، وعاد بخفيّ حُنين، وبقيت الصراعات الشيعية – الشيعية كما هي، داخل البيت الشيعي، تؤجل ظهور حكومة الكاظمي الى العلن، نعتقد أن هذه الملفات وغيرها، كافية لإفشال مهمة الكاظمي، وعدم التصويت عليها، بمعنى هناك صراعات داخل الكتل نفسها، وخلافات مع الكاظمي لإجباره على القبول، بشروط الكتل في توزيع الوزارات، على نظام تحاصصي بغيض، وهكذا نرى أن مهمة الكاظمي، صعبة لتمرير حكومة خارج نظام المحاصصة الطائفية، إن لم نقل مستحيلة، وهنا لابد من العودة الى المربع الاول، والدخول في مفهوم الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة، ليعود عادل عبد المهدي لإكمال فترة حكومة تصريف الاعمال، وهذا مطلب شيعي – كردي، واضح، إذن هل مأزق الكاظمي في تشكيل الحكومة، يمكن أن يخرج منه، في ظل متغيرات عالمية شديدة التعقيد، بعد الفشل في مواجهة وباء كورونا الذي يؤرق العالم بأجمعه، وإستحالة مواجهة هبوط اسعار النفط الكارثية، التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، هنا المأزق الحقيقي، امام الكاظمي، وأمام أي مرشح يأتي بعده، العراق، لكي يخرج من أزماته هذه، وأمراضه السياسية المزمنة، لابد من حدوث هزة أرضية سياسية في بنية الدولة، لاسيما وأن أحد أخطر أمراضها التي فتكت بها، هو وباء الفساد، الذي في رأيي أخطر من وباء كورونا، والذهاب الى حلّ البرلمان، والذهاب الى إنتخابات برلمانية بإشراف دولي وأممي وعربي، يعيد توازن المجتمع العراقين وهيبة دولته، ويمن، الاحزاب الفاشلة والفاسدة والاشخاص، من الترشح في هذه الانتخابات، ويتركوا الخيار للشعب العراقي ورجاله، الذي أذاقوهم ألأمرين، من ويلات وقتل وتهجير ونزوح، وإدخال داعش الى مدن العراق وتدنيسها، ودفعه الاف الشهداء، ثمنا لتحرير المدن، التي دخلها داعش الاجرامي، وإحالة قتلة الشعب، وإحالة حيتان الفساد الى القضاء، ومنع السلاح خارج الدولة بشكل نهائي، ونزعه من يدّ الاحزاب وميليشياتها الموالية لإيران، هذا هو الحل الوحيد، الذي يحفظ ماتبقى للعراق، من كرامة وكبرياء، ولهذا ننظر الى مهمة الكاظمي، على أنها ضحك على الذقون لكسب الوقت، والتفرد بالقرار السياسي لصالح إيران، حسب إعتقاد مواليها وأحزابها، ويظنّون أن امريكا هزمت في العراق، ولم يبق الاّ إخراجها بقرار برلماني، صوتّت عليه الكتل والقوائم الشيعية فقط، في غباء سياسي مزمن لديها، وهذا بيت الداء لدى الأحزاب الموالية لإيران، أن امريكا تهرب من العراق، خوفاً من ميليشياتها المسلحة التي تهدّد بها، وتقصف قواعدها وسفارتها، وتصرّ على ترحيلها، لاياسادة أمريكا ليست ساذجة، الى هذا الحدّ من الغباء السياسي الذي تلبّسّكم، أمريكا لها إستراتيجية خاصة لمواجهتكم، غير العمليات العسكرية، رغم تحضيرها الجدّي لها، وبالإمكان إستعمالها بأية لحظة، والحشود العسكرية الهائلة، ونصب الباتريوت، ووصول الدرون يشهد بذلك، ولكنها، ستستغل هبوط اسعار النفط، أو تعمدها بتخفيضه الى الصفر، لإنهاء الاقتصاد العراقي والايراني، وإعلان الحكومتان الافلاس المالي، والعجز الكامل في مواجهة أزمة هبوط الأسعار، لاسيما وإن العراق، وايران، لايملكان بدائل زراعية وصناعية لمواجهة هبوط اسعار النفط والتغلب على إفرازاته المدمرة، غير الخضوع للإدارة الامريكية، والقبول بشروطها التعجيزية، فوباء كورنا على الابواب، وهبوط اسعار النفط الكارثي، وظهور خطر داعش، وعودة التظاهرات، كلّها أزمات، لن تستطيع الحكومة العراقية مواجهتها، والفساد ينخربجسدها المتهالك، رغم الموارد الاقتصادية الكبيرة، التي يمتلكها العراق، فلا (كوثراني) يستطيع حلحّلة تشكيل حكومة الكاظمي، ولا الأحزاب المتصارعة على المكاسب والمناصب، تستطيع إخراج حكومة الكاظمي الى العلن، فبالرغم من قوة وسيطرة الميليشيات الولائية، على القرار العراقي السياسي والعسكري، فلا يمكن أن تستطيع الأحزاب والميليشيات، من إخراج العراق من أزماته، في ظلّ هيمنة وتهديدات الفصائل لأمريكا، بحتميّة إخراجها من العراق، ولهذا وضعت الادارة الامريكية مبلغاً كبيراً للقبض على (كوثراني)، لأنه هو من يدير الميليشيات، والاحزاب العراقية الموالية لايران وحزب الله اللبناني، نصل الى الضوء في نهاية النفق، وهو القبول بالشروط الامريكية، التي تهدد العراق بالتخلّي عنه عسكرياً ومالياً وإقتصادياً، وتجمّيد كلّ علاقة دولية مالية وعسكرية معه، أي وضعه تحت الفصل السابع مرةأخرى، تمهيداً لخنقه وإنهاكه تماماً، وصولًاً الى إستسلامه، هكذا تصرّ الادارة الامريكية والحكومة البريطانية، على التعامل مع العراق وأحزابه وأزماته، حتى يخرج من الهيمنة الايرانية، ويعود الى رشده، ومحيطه العربي، والدولي بعيدا عن أي سيطرة إيرانية بهيئة ميليشيات وفصائل مسلحة، تأتمر بأوامر المرشد الايراني مباشرة، وترفع صوره وصورة الخميني، هذا المشهد الذي يواجه الكاظمي ومأزقه، مع الأحزاب والكتل الموالية لإيران، هو مَن يؤزم العلاقة معها، ويعقّد تشكيل حكومة يريدهاالكاظمي على مزاجه، بعيداً عن الإملاءات والتدخلات الايرانية وغيرها، هذا هو جوهر الأزمة التي تواجه الكاظمي، والتي سترغّمه على الإعتذار كما نرى ونعتقد، ومهما يقال من كلام الكتل الموالية لإيران، من دعم حكومة الكاظمي وبرنامجها، فهو محض كذب وتدليّس وتضليّل، للرأي العام العراقي والعالمي، الكاظمي في مأزق سياسي لايحسد عليه، لن يخرج منه الاّ خاسراَ، وهو يعيش تنّمر الكتّل، وإصرارها على تحقيق مآربهاالحزبية والفئوية، وهذا مايرفضه الكاظمي، لهذا نرى أن مهمته شبه مستحيلة، في تشكيل حكومة مستقة، هي ضرب من المستحيل والخيال، نعم لنْ تشكل حكومة، والكاظمي سيعتذر في اللحظّات الأخيرة ...

 

عبد الجبار الجبوري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم