صحيفة المثقف

أسرار خطيرة ومحاولة السلطات السعودية إخراج الحويطات من بيوتهم!

بكر السباتين

كل الخبايا بين يديك.. فإلى هناك

لم يعد خافياً على أحد ما يجري شمال غرب السعودية، من تداعيات على إثر محاولات السلطات السعودية إخراج أبناء قبيلة الحويطات من بيوتهم مقابل التعويضات اللازمة، لصالح مشروع نيوم، ما نجم عن ذلك مقتل المواطن السعودي عبد الرحيم الحويطي، الذي قاوم القوات المداهمة لبيته. وقد أعرب كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تعاطفهم مع أبناء الحويطات ودافعوا عن حقهم في البقاء في أرض أجدادهم.

وتحدثوا عن ارتباطهم التاريخي الوثيق بالجزيرة العربية، ونوهوا إلى مشاركتهم في بناء الدولة السعودية وتضحياتهم للذود عنها.

في حين دعا آخرون قبائل الحويطات إلى تغليب "المصلحة الوطنية" مرجحين أنهم سيتلقون تعويضات ومساكن بديلة، أسوة بما حدث عند توسيع باحات الحرم المكي. وكأنهم لا يدركون الفرق بين الإخلاء لصالح توسعة الحرم الشريف مقابل الإخلاء لصالح صهينة الأرض السعودية من خلال نيوم كما يرى كثيرون. وهذا بحد ذاته تقزيم للمشكلة التي لها ارتدادات إقليمية خطيرة على الأردن والقضية الفلسطينية ومصر والسعودية لصالخ التغلغل الإسرائيلي في العمق العربي وقيادة مستقبل المنطقة بذريعة التنمية الاقتصادية ضمن شراكة إقليمية وبوجود قوة إسرائيلية تكنلوجية، والترويج لعائد اقتصادي ضخم لصالح الشركاء وخاصة تشغيل الأيادي العاملة المحلية وهذا محض افتراء لأنها وعود تقوم على حسابات الحقل بينما للبيدر كلمة الفصل.

إن قراءة الأحداث وتداعياتها في السعودية وما يتعلق بقبائل الحويطات لا تكون بمعزل عن مجريات تنفيذ المشروع في الإقليم وخاصة مصر.. إذ تعيدنا إلى أول زيارة قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة في أكتوبر 2019، حيث تم توقيع أربع اتفاقيات مع الجانب المصري بشأن مشروعات استثمارية بقيمة 16 مليار دولار، على رأسها ضم ألف كيلومتر من "جنوب سيناء" لمشروع نيوم وهي ذات المنطقة الداخلة في حسابات صفقة القرن. حينها نقلت وكالة رويترز عن مسؤول سعودي أن مصر تعهدت بضم ألف كلم من الأراضي في جنوب سيناء لمشروع نيوم . ووفق بيانات سعودية رسمية فإن تكلفة مشروع نيوم 500 مليار دولار، وعلى مساحة 26 ألف كيلومتر. ولم يُعلن عن حدود الألف كيلومتر المستهدف ضمها ل "نيوم" من جنوب سيناء المطوق من خليجي العقبة والسويس، لكن التصريحات الرسمية تقول إن الاستثمارات تشمل مدينتي شرم الشيخ على المدخل الضيق لخليج العقبة في سيناء، والغردقة على البحر الأحمر عند مدخل خليج السويس في الجهة المقابلة لها.

لذلك أمر السيسي بإقامة العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تبعد حوالي 60 كم عن "العين السخنة" و"السويس" وعن مناطق وسط القاهرة.. أي أنها ستكون أقرب عاصمة عربية لمشروع نيوم، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار الجسر الذي سيصل مصر براً بالسعودية.

وتاريخياً فإن فصل سيناء عن مصر حلم سعى موشيه ديان لتحقيقه على الأرض إبان حكم جمال عبد الناصر وبدعم أمريكي أوروبي، من خلال مؤتمر الحسنة الذي أقامته السلطات الإسرائيلية في مدينة الحسنة بشمال سيناء في 31 أكتوبر عام 1968 عقب احتلالها لشبه جزيرة سيناء.. وفي سياق ذلك حاول الإسرائيليون تحريض أهالي سيناء على الاستقلال بها وإعلانها دولة مستقلة للقضاء على تبعيتها لمصر وإثبات عدم أحقية الأخيرة في استرداد سيناء مرة أخرى، ولكن بعد أن أتفقت مع مشايخ سيناء قاموا بخداع الإسرائيليين وقال حينذاك الشيخ سالم الهرش:" إن سيناء مصرية ولا نرضى بديلا عن مصر، وما أنتم إلا احتلال، ونرفض التدويل، وأمر سيناء باقٍ فى يد مصر" الأمر الذي تسبب في صدمة شديدة وفشل في المساعي الإسرائيلية.. لكن مصر استعادت سيناء من الاحتلال الإسرائيلي عقب حرب أكتوبر 1973 في عهد السادات، بموجب اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمت مع مناحيم بيغن في نوفمبر 1977.. التي تنص على إيقاف الحرب بين البلدين وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة وتضمنت الاتفاقية أيضا ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة (من جهة إيلات) ممرات مائية دولية..

وبالعودة إلى مشروع نيوم وتداعياته المصرية فإن مضيق تيران المذكور في اتفاقية كامب ديفيد، تم تدويله لصالح مشروع نيوم حينما مررت المحكمة الدستورية العليا بمصر اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة والرياض الموقعة في أبريل 2016، والتي بموجبها تنازلت مصر للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج العقبة. أما سيناء المصرية فقد دخلت في سياق مشروع نيوم من خلال اتفاقية السيسي بن سلمان عام 2019.. واستغلالاً لظروف انتشار وباء الكورونا فمن المحتمل أن الجانب المصري قد وجد الوقت مناسباً لإطلاق بالونات اختبار بشأن نقل وضعية سيناء من "مرتبة الخط الأحمر" في مفهوم الأمن القومي المصري، إلى مرتبة الخطوط الملونة التي تستبيح السيادة وتجعل منها مادة للتناول الصحفي، ليكون الهدف هنا هو عملية تفكيك للثوابت الوطنية.. فربما تكون المهمة قد أنيطت "احتمالياً" برجل الأعمال المصري المقرب من أمريكا وتل أبيب، صلاح دياب مالك جريدة أخبار اليوم، والذي درج على استكتاب عدد من كتاب الجريدة من أجل إعلان أفكاره الداعية إلى إخراج سيناء من منطقة الخطوط الحمراء، بعد إخلاء سيناء من "الإرهاب" والدفع بالاستثمار والتنمية نحوها؛ لبلورة صفقة من نوع ما، تنفصل بموجبها سيناء عن الوطن الأم، مصر.. ويعين لها حاكم بالتعاقد لإدارة شؤونها، نظير حفنة من الأموال التي ستتخذ من مجالات الاستثمار غطاء لها.. وهذا لا يبعدنا لو تتبعنا خطوات تنفيذ مشروع نيوم عن مشروع صفقة القرن واستعداد مصر لمنح أراض إضافية للفلسطينيين من أجل إنشاء مطار ومصانع؛ للتبادل التجاري والزراعة دون السماح للفلسطينيين في العيش فيها وسيتم الاتفاق لاحقاً على حجم الأراضي وثمنها.. إذن هي صفقة متكاملة لإنجاح مشروع نيوم الذي سيغير من جغرافية المنطقة وفق الرؤية الصهيونية، ويحاول أطراف المشروع استغلال انشغال العالم بوباء كورونا والالتزام الناس بقوانين الحظر، لتنفيذ البنية التحتية لمشروع نيوم على أرض الواقع في السعودية ومصر.. هذا هو الحلم الصهيوني الأخطر الذي يقوم على أطماع بعض القادة العرب الشخصية وخاصة أن اثنين منهم ما زالا ولاة للعهد، بن زايد وبن سلمان. فالمصاب جلل.. وجدير بالذكر بأن الاحتمالات لا تقوم على ثوابت، فمثلاً يعلم الجميع بأن المقاومة في غزة تشكل العقبة الكأداء لمشروع صفقة القرن ويكسر أهم حلقات مشروع نيوم، ولكن السعي الإسرائيلي الحثيث للتفاهم مع حماس في إطار أجندة مستقلة عن السلطة الفلسطينية يثير الارتياب بعض الشيء! فهل ترضخ الأخيرة للضغوطات وتسلم رقبة المقاومة لسلطة أوسلو وفق الرؤية الإسرائيلية، أم تظل الرقم الأصعب في معادلة تصفية القضية الفلسطينية وتمرير المشاريع الإسرائيلية التطبيعية! نحن لا نتحدث عن المستحيل بل نراهن على الممكن، وبالتالي عرقلة مشروع نيوم الذي شُرِعً بتنفيذه وبخطوات متسارعة لافتة للأنظار.. كان آخرها محاولات السلطات السعودية إخلاء قبيلة الحويطات من أراضيها التي تعتبر امتداداً جغرافياً وتراثياً لوادي موسي في الأردن، عبر محافظة تبوك، حيث تشمخ مدينة البتراء التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي تسويقها سياحياً كتراث يهودي.. ويقع مشروع نيوم في محافظة تبوك التي تحدها جنوباُ محافظة المدينة والتي تضم مدائن صالح النبطية، والمدينة المنورة (يثرب) حيث آثار يهود المدينة الباقية إلى الآن بانتظار الرساميل الصهيونية لإحيائها، ربما يكون ذلك على هامش مشروع نيوم العملاق وخارج حيزه المكاني.. وهو ما لا نتمناه.

 

بقلم بكر السباتين

25 أبريل 2020

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم