صحيفة المثقف

حوار مع د. علي الربيعي حول راهنية التفكير في الإسـلام (2)

علي رسول الربيعيهذا حوار يجريه الأستاذ الدكتور بوعلي نابي أستاذ الفلسفة (في جامعة معسكر في الجزائر) مع علي رسول الربيعي حول قضايا تواجه الإسلام اليوم.

إن الهدف من هذا الحوار الذي نجريه ليس تمجيد الماضي التراثي الإسلامي، بل تذكره، واستعادة التفكر في تفسيره، وإمكانات إعادة بنائه، والنظر في كيف يمكن أن يكون وثيق الصلة بالحاضر. يمكننا من خلال تذكر الماضي بموضوعية فقط أن نكتسب منظوراً أكثر وضوحًا وانتقادًا لحاضرنا. آمل أن يتمكن استرجاع الماضي التراثي التفسيري لوضعه في نسبيته التاريخية الدنيوية من تمكين المسلمين من مقاومة الألفاظ السياسية المتعصبة بشكل متزايد، والعنيفة بشكل جوهري.

س: د. نابي: ماهي المهام المطروحة  ذات الراهنية على الباحث والمفكر في الإسلام ؟

ج: أرى أن أحد المهام الأساس، هي التحقيق في المفاهيم الأخلاقية الدينية ذات الصلة بالاهتمامات المعاصرة، ولاسيما ما يتعلق منها  بالتعددية الدينية واستقلال الفرد فيما ورد منها في الأدب التفسيري الإسلامي السابقة. آمل أن يتم أستخلاص سردًا واضحًا لبنية ومضمون هذه المفاهيم في الإسلام. وأرى من ناحية منهجية سيتضمن التحقيق في هذا الأدب، الذي أنتجته مختلف المدارس اللاهوتية والأخلاقية، تحليلًا للمصطلحات التي تستعملها كل جماعة  للتعبير عن معتقداتها وافتراضاتها فيما يتعلق بلالتزام الصادق في الإسلام. آمل أن يفسر هذا التحقيق والتحليل الصراع في العالم الإسلامي اليوم بين روح التعددية المتسامحة من ناحية والتعصب من ناحية أخرى.

بالإضافة إلى العمل على تحديد المفاهيم الإجتماعية الأكثر أهمية في الإسلام التي تقدم علاقات إنسانية أفضل سواء داخل الأمم أو فيما بينها. والكشف عن الجوانب المعيارية للتركيبات الدينية الإسلامية وتحديد تطبيقها في ثقافات متنوعة للإشارة إلى أهميتها الأساسية للنظام العالمي التعددي في القرن الحادي والعشرين. أن سؤالكم يجعلني أتساءل بدوري عن عدم وجود تحليل جاد لمفهوم حق التعددية الدينية بين الجماعات الإسلامية ذات التوجه الديني. لأن تكمن أهمية هذا التحليل في أنها تمكنهم من اتخاذ موقف مبدئي من المراجع التاريخية والتحليلات التفسيرية والأحكام  الفقهية لكل من حرية الدين والمشاركة السياسية في الإسلام. لقد ساعد عدم الاهتمام بالتعددية الدينية وارتباطها الجوهري بالحكم الديمقراطي على الحيلولة دون الاستعادة الصحية للعلاقات الشخصية والطائفية في العالم الإسلامي.

أريد اشير سريعا الى أحد الأسباب المعرفية - لغياب التعددية رغم وجود التعدد تاريخيا ونتائج غياب هذه التعددية على حالة ووضعيات التعصب والنزاعات العنيفة. أنها تتعلق بالعقلية الأحادية التي تجزم بأمتلاك المعنى الواحد للنص القرآني مما يعني تمتلك حقيقته وبالتالي تصبح هي يمتلك الحق، تقف هذه العقلية عائقا أبستيمولوجيا أمام التعددية الأعترافية، لذا أحد أهم الشروط لتأسيس التعددية على الأرضية الفكرية والأجتماعية الأسلامية هي نقد هذا العقلية وتفكيك مقولاتها. لأنها تُلغي كُلِ إمكانيةً لقبولِ واقعِ ومبدأ التعدديةِ

س: د. نابي: ماهي شروط التفسير ومقوماته، هل يعني أن يقوم المسلمون المعاصرون بتركيب المفاهيم الحداثية على النظرة ما قبل الحديثة للقرآن؟

ج: كان هناك مسعى عند علماء المسلمين لوضع أسس منهجية لفهم أحكام الشريعة اولاً وعموم نص القرآن ثانيا ويمكن تحديدها بما يلي:

1- تحليل الجوانب الأدبية واللغوية للوحي.

2- تحديد السياق التاريخي للوحي.

3- توضيح المعاني من خلال الإشارة داخل النص.

4- شرح الايات باستعمال الأحاديث التي نسبت إلى النبي. ولو أن التفسيرات المستندة إلى الحديث كانت الأكثر عرضة للنزاع نتيجة للموقف العقائدي المسبق ولأختلاف الاتجاهات السياسية اللاهوتية. وأن قبول  أحاديث معينة ورفض أخرى  تتعلق بسلطة بعض الرواة الذين يُعتبرون موثوقين من قبل جماعة من المسلمين وليس كذلك من قبل اخرى.

نشأت مقاربة إبداعية وتفسيرية لمعاني النص القرآني بسبب الاهتمام المتزايد بالمسائل اللاهوتية المتعلقة بالإرادة الحرة والقدر، والالتزامات الدينية والأخلاقية، والإحسان الإلهي. قدمت مدارس إسلامية مختلفة، مثل المعتزلة والأشاعرة والشيعة، التي ادعت  كل منها صحة صلاحية مواقعها العقائدية المتوقفة على الاقتباس من القرآن الكريم ، طرقًا قيًمة لتفسير الأيات القرآنية.

دخلت الثقافات الهلنستية والهندية الفارسية في الفكر الإسلامي من خلال الترجمات العربية خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. وشهدت الحضارة الإسلامية آفاقًا جديدة للإبداع، مدفوعة بزيادة الاهتمام بالفلسفة والتفسيرالذي لايقف عند الحدود البيانية وفقه اللغة أو مدلول واحد لمعنى النص القرآني. وبالتالي، لم يستجيب المفسرون المسلمون فقط لمصالحهم وأهدافهم المذهبية في البحث عن بُعد تفسير إضافي للقرآن. فقد كشف تعليقاتهم بكل وضوح عن التأثيرات الثقافية والفلسفية والمنهجية والتأهيلية للعصر الذي أنتجوا فيه فهماً إبداعياً للوحي الإلهي. لذلك  أرى من الناحية المنهجية من المهم ابتداءً:

أولاً، البحث في المادة التفسيرية القرآنية من أجل اكتشاف تعاليم التوجهات القديمة في الكتاب الإسلامي حول القضايا ذات الاهتمام الحديث.

ثانياً، تحليل هذه المواد في ضوء النقاشات الحديثة بين المسلمين من مدارس فكرية مختلفة واستكشاف آثارها على التعددية الدينية وحرية الضمير والوضع القانوني للأقليات الدينية في الوحي الإسلامي.

ثالثاً، يمكن  في هذا المجال التفسيري أن يتعرف الباحث الثاقب على الذرائع التفسيرية  للممفسرين السابقين والتي أدت إلى السياقات التي أدت الى التشويه  الموجود في الإسلام. بالإضافة إلى ذلك، فمن خلال التحقيق في مثل هذه التفسيرات المشوهة، فإن المفسر المسلم قادر على إعادة صياغة فهم جديد للقرآن الكريم. وقد قدمت اسهامات مهمة  في هذا الشأن من قبل مفكرين  مسلمين.

لا يدعم القرآن بطبيعته إرشادات لاهوتية مفصلة، وبالتالي لا يقدم مواقف واضحة بشأن الأسئلة التي نطرحها عن القضايا المعاصرة وتتبع تطور هذه الأفكار من خلال دراسة الطرق التي فسر بها علماء اللاهوت المسلمون. ثم نستشكف المفهوم القرآني لها  من مواقع  تتصل بروح العصر ومتطلباته، وتقييم مدى توافقه مع فكرة الخلاص القرآنية ايضاً. على المرء أن يلتمس التوجيه الروحي والأخلاقي من التفسيرات القرآنية في الأدب اللاهوتي ابتداءً ثم بعد ذلك يمكن أن يقدم تفسيرا يقبل معايير وقيم معاصرة .

س: د. نابي: إن أحد الأسئلة الملحة للفكر العلماني هي العلاقة بين الدين والسياسة، ما ذا يبقى من الالتزام والضمير الديني إذا تم حرمان الدين من التعامل مع القضايا المتعلقة بالعدالة والسلام؟

ج: نعم تستند الشكوك حول دور الدين في المجال العام إلى الاعتقاد بأنه لا ينبغي خلط الدين والسياسة وأن الدين يجب أن يكون محايدًا في القضايا الاجتماعية والسياسية. لكن أحد الحقائق الجديدة في الشؤون الاجتماعية – السياسية في الغرب بعد أن جرب الفصل لقرون، أخذ ينظر الى هذا الفصل بأنه يعني حرمان الدين من أعباءه واهتماماته الأساسية بالمسائل الأخلاقية. وارى أن يمكن أن نفسرالإسلام من مواقع وأهتمامات معاصرة ويمكن ان يكون له دور توجيهي وموقف قيمي أزاء التفـقير الروحي الذي يمارس باسمه وأزاء الفقر، والأزمات، والسلام، أيً يمكن لإسلام أخر غير قروسطي أن يقوم بهذا الدور ويمارس هذه المهمة.

نعم يمكن أن يؤدي الحياد في الشؤون الاجتماعية والسياسية إلى زوال الدور الحاسم الذييمكن أن  يلعبه الدين فيما يحمل من منظومة قيمية روحية وانسانية تدخل الى الجوانح  فتهذبها من الداخل ولاتقف عن طقوس الجوارح فتمارس دورا حيوياً في تشكيل الضمير الأخلاقي للنظام العام؛ لطالما كان الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، على الأقل في التقاليد الإبراهيمية، دافعًا رئيسيًا  للدعوات لإمكانية وجود نظام اجتماعي عادل.

يتركز النقاش غالباً حول الافتراضات المتناقضة عن الدور الذي يجب أن يلعبه الدين في السياسة. تميل الثقافة العلمانية "الكلاسيكية" "السميكة" "القاطعة" إلى التوصيف السلبي لأي شيء ديني بمجرد عبوره الحدود من المجال الخاص إلى المجال العام. على النقيض من ذلك، ترى الثقافة الدينية أن القيم الدينية تشكل مصدراً قيماً في مكافحة الظلم الاجتماعي والسياسي.

كانت النظرية السياسية التقليدية، التي تفترض مسبقاً استصواب الفصل بين الديني والسياسي، بطيئة في الاعتراف تحولات تاريخية بحدوث نقلة نوعية أخذ فيها التدين مساحة واساعة او دروا متعاظما في المجال العام بقوة الواقع. كان هناك إصرار نظري من قبل منظري ما يمكنني اسميه " العلمانية التقليدية، وهي العلمانية التي نُظر لها في القرن 19 ومورست بشكل فعلي بعد الثورة الفرنسية والأمريكية" على الانفصال الذي يقضي بخصخصة الدين وابعاده من الساحة العامة العلمانية وما يجري حدثيا وفعليا في أوضاع تاريخية مشخصة من حضور للدين في المجال العام، أيً الخلط بين اللمكن نظريا والحاصل فعليا،وهناك كما هو معروف مسـافة بينهما دائما، عقبة رئيسة في فهم  تشكيلات وحركية السياسات في المجتمعات التي يكون فيها الالتزام الديني عنصراً أساسياً في إدارة المشكلات الاجتماعية والحفاظ على الإحساس بالانتماء للجماعة في السياقات والأطر التقليدية. إن النظرة العلمانية المتفتحة أو الشفافة أو ما اسميه العلمانية الوظيفية  التي تنقلنا من الفكرة الضيقة المتمثلة في أنه لا ينبغي للدولة أن تنحاز إلى دين معين الى  الفكرة الأوسع المتمثلة في أن لا ينبغي لدولة أن تنحاز إلى دين ضد وجهات النظر غير الدينية ايضاً، يكون أن يكون دورها ايضاً  في منع  هيمنة أحد الديانات على الآخرين، بينما تقوم  العلمانوية الأيديولوجية السميكة بتهميش الجماعات ومن ثم دفعها نحو التشدد والعدوان والانفصالية، وقد اثبت التجربة التاريخية مطابقة هذا التحليل وأنه صحيح بقوة الواقع.

س: د. نابي: هل كان من الممكن معرفيًا أو وجوديًا تحفيز مقاربة بين الثقافات والشعوب المختلفة حول القيم والطموحات الإنسانية العالمية دون السعي إلى اكتشاف الأصول  الدينية والفلسفية والميتافيزيقية وإضفاء الشرعية على مصادر هذه القيم؟ بمعنى آخر، سواء كان ذلك في سياق الديمقراطية الدستورية أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هل من الممكن المضي قدمًا دون دراسة الأسس الأخلاقية أو الميتافيزيقية لهذه القيم العالمية؟

ج: إذا كانت الشعوب المختلفة لا تفكر مثل بعضها البعض، فكيف يمكن للمرء أن يفترض أخلاقا عالمية خالية من التقاليد ولا أسس لها تكون مقبولة لدى شعوب العالم ذات العقلية الدينية دون أي محادثة لتهدئة مخاوفهم والشكوك؟ رغم أنني مؤيد قوي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتطبيقه من خلال الديمقراطية الدستورية في العالم الإسلامي، لكن كان من المستحيل صياغة افتراضات حول ما يسمى بالمفاهيم العالمية الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان دون الأخذ بعين الاعتبار التفسيرات السياقية والمجتمعية المفروضة على اللغة الجامعة للنصوص العلمانية والنصوص الدينية. هذا هو جوهر المشكلة في التطور السياسي للمجتمعات الإسلامية. ففي اللحظة التي يعترف فيها المرء بالنسبية الثقافية في تطبيق القيم الأخلاقية العالمية، يواجه وجها لوجه مسألة الاستهانة بكل تلك المخاوف التي لدينا بشأن انتهاك حقوق الإنسان للأفراد، وعلى الأخص الأنظمة السياسية الأكثر الاستبداد وتسلطية التي تغمر المشهد السياسي للعالم الإسلامي (ناهيك في مناطق أخرى من العالم).

س: د. نابي: رغم أنه لا توجد مناقشات حول الحقوق الطبيعية والقانون الطبيعي في اللاهوت ااسلمي الكلاسيكي أو الفلسفة الإسلامية  يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق للاتفاقيات الدولية حول المعايير الأخلاقية المشتركة للجنس البشري بأسره، إلا أن الأساس العلماني للإعلان يعتبر غير كافي من الناحية النظرية المعرفية اشتقاق حقوق الإنسان المتأصلة بالطبيعة البشرية وغير القابلة للتصرف. ربما تكون النقطة المؤلمة في الخطاب العلماني لحقوق الإنسان، بالنسبة الى المنظرين المسلمين في لغة الحقوق، هي الإقالة الكاملة أو طرد أيً شيء ديني كعائق أمام التطور الحديث لنظام حقوق الإنسان.

ج: نعم، إن لغة حقوق الإنسان حديثة وذات جذور راسخة في الليبرالية العلمانية التي تحمي وتعزز حقوق المواطنين والتي تتطلب خصخصة الدين من المجال العام للسماح بتطويرسياسة مستقلة عن الدين. وأن هذه العلمنة في المجال العام غائبة في الفقه الإسلامي والأنثروبولوجيا  اللاهوتية الإسلامية. نعم أتفهم أن العلمانية التي يرتكز عليها الإعلان لا تترجم إلى تعبير إسلامي دون إثارة أسئلة جدية حول علاقة الدين بالسياسة والدولة. والأهم من ذلك، أن التركيز الغالب على استقلالية الفرد بمعايير أخلاقية مستقلة تتجاوز الاختلافات الدينية والثقافية للمطالبة بالحقوق دون النظر إلى روابط المعاملة بالمثل يتعارض مع تأكيد التقاليد الإسلامية القروسطية السائدة.

أؤكد دعمي الفكري الثابت للإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أساس أصالة الكرامة الإنسانية والقدرة الأخلاقية على التفاوض حول مصيرها الروحي دون تدخل الدولة. ويمكنني التأكيد دون أي تحفظات على أن الخطر الوشيك على نظام حقوق الإنسان يأتي من كل من الحجج النسبية الأخلاقية والمذاهب اللاهوتية الإقصائية. إن الحجج التي تدعيها وتقدمها النسبية الأخلاقية  بوصفها "دفاع عن النفس"، لكن في اللحظة التي تدخل فيها النسبية الثقافية خطاب حقوق الإنسان، فإنها تؤيد عن غير قصد انتهاكات هذه الحقوق و"مبرر" قبولها  في سياق تقييمها الثقافي الخاص لكرامة الإنسان.

سيكون من الخطأ الاعتقاد أن كافة المفكرين المسلمين التقليديين يعارضون الحاجة إلى حقوق الإنسان العالمية لحماية كرامة الإنسان والشخصية الإنسانية في سياق الدولة القومية اليوم. نعم هناك  من يرفض من بين المسلمين فكرة حقوق الإنسان باعتبارها غير مقبولة من الناحية "الفلسفية". ومع ذلك، فإن حتى أشد المعارضين لوثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذين يعتبرون الوثيقة إمبريالية أخلاقية وعرقية ثقافية، يقرون بحقيقة أن البشر لديهم حقوق تعود إليهم كبشر.

وهنا اريد أن اشير الى مثال حيث يقدم الفقيه التقليدي البارز في مصر الشيخ محمد الغزالي في كتابه (حقوق الإنسان: بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة) الدعم المؤهل للوثيقة الدولية لأحترامها من قبل المسلمين لكن ليس لأنها تعبر عن قيًم ذات صلاحية كونية على المسلمين قبولها ولكن لأن بعض "أسسها" مذكورة في القرآن. فبالنسبة للغزالي، مثله مثل العلماء التقليديين في العالم الإسلامي، يرى أن الإسلام يوفر القواعد الشرعية والتي يمكن تطبيقها داخل العالم الإسلامي. ويتم ،على هذا النحو، إلحاق إعلان بديل لحقوق الإنسان الإسلامية بترجمة ومناقشة الوثيقة الدولية. لكن أرى أن هذا التوجه يقوض في معرفة حقوق الإنسان شرعية الإعلان العالمي في عيون المسلمين. وأرى ايضاً أن أفضل الطرق لتقليل التأثير السلبي لهذا الاتجاه هي إشراك العلماء التقليديين في استكشاف الأسس الميتافيزيقية لإعلان حقوق الإنسان وإظهار الأساس الأخلاقي المشترك الذي تتقاسمه أديان العالم في دعم المعايير التي تقوم عليها الوثيقة الدولية. إن الأصرار على التوجه  الذي ينظر لإعلان حقوق الإنسان بوصف فقط علماني  يحرمه من أي أسس معيارية.

على الرغم من هذه المخاوف، يتم الالتفات إلى النداء العالمي لحماية الكائنات البشرية من سوء المعاملة والاضطهاد حتى في مناطق العالم الإسلامي التي تحدث فيها انتهاكات حقوق الإنسان بشكل متكرر أكثر. بالنسبة للعلماء المسلمين، لا يمكن أن تكون فكرة حقوق الإنسان جديدة فحماية البشر من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة قد تم تسجيلها في التقاليد الدينية وغير الدينية الرئيسية عبر التاريخ. إن المادة الأولى من الوثيقة الدولية بأن "جميع البشر يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق" يجسد التوصيف الأساسي للحكمة الإنسانية.

س: د. نابي: وحكم الردة وتغيير العقيدة ؟

ج: يتعرض الى معاملة قاسية في الشريعة الإسلامية من يحكم عليهم بـ " الردة". لكن بما أن عقوبة الإعدام تُستند إلى التقاليد بدلاً من نص القرآن، وأن رفض المرء للعقيدة الإسلامية بعد قبوله خطيئة ضد الله، فقد حكم بعض  الفقهاء المسلمين أنها تقع خارج اختصاص الدولة الإسلامية.

شكك عدد من الفقهاء السنة والشيعة في مدى إمكانية تطبيق أحكام او عقوبة الإعدام، على من يُنظر اليه " مرتدا" وذلك لأن القرآن يتعامل أساسًا مع الأمر بشكل صارم بين الله والبشر، وبالتالي، خارج نطاق اختصاص المحاكم "الإسلامية". لا أعارض عقوبة الإعدام على هذا النحو فقط  ولكني أتساءلت أيضًا عن صلاحية وشرعية وأهلية تطبيق المفهوم  ضمن مجموعة  أحكام الشريعة  الإسلامية بسبب عدم وجود مؤسسة على شاكلة كنسية يمكنها تحديد مدى خطورة الجريمة.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن المشكلة تتمثل في الافتقار إلى الدقة في تصنيف الجريمة على أنها دينية، لأن السابقة التي وفرت نموذجًا للأحكام اللاحقة للعقوبة العاصمة في التاريخ الإسلامي المبكر كانت بالتأكيد مسألة تمرد ضد النظام السياسي للمسلمين وليس ضد دين الاسلام. أيد آية الله منتظري، على سبيل المثال، وكان من بين فقهاء القانون البارزين في إيران، الحق في حرية الدين وتغيير الولاء الديني، وانتقد الحكومة الإيرانية لتجاهلها أحد المواد الأساسية للإعلان حول حرية الدين ، ويتسق مع هذا الراي العلامة جمال البنا ايضاً. ومع ذلك، فإن غالبية الفقهاء في العالم الإسلامي يواصلون تأكيد الأحكام التقليدية في هذا الأمر، وعلى الأقل نظريًا، يحافظون على صحة الصيغ الكلاسيكية المتعلقة بالردة. فبينما يؤكد الفقيه البارز الشيخ يوسف القرضاوي في مقالته عن حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، حقوق الأقليات في حرية الدين، لكنه يتجاهل تمامًا حق المسلم في التحول من الإسلام إلى دين آخر معترف به الدين مثل المسيحية أو اليهودية.

 

...................

* الصورة للدكتور علي رسول الربيعي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم