صحيفة المثقف

إشكاليَّةُ الإيقاعِ في أُغنيةِ (ليلة.. لو باقي ليلة)

عبد الرضا عليللفنَّان: عبد الربِّ إدريس

للملحِّنينِ الكبارِ طرائقُهم الخاصَّة في التعاملِ مع النصوصِ التي يُلحِّنونَها، لاسيَّما إذا كانت قد أثارتْ إعجابهم، وأراحت ذائقتَهم الوجدانيَّةَ، أو لعِبتْ على أوتارِ قلوبِهم الموجوعة، فنراهم يزيدونَ في مفرداتِها كي يجعلوا لوازمَ مردّداتها المضافة تملأُ ما كان من فراغٍ في بعضِ جملِهم اللحنيَّة. وخير مثالٍ يتَّضحُ لها في ما كان قد فعلهُ الفنّان كوكب حمزة في أغنية (يا نجمة) التي كتبها كاظم الركابي، وغنّاها المطرب حسين نعمة.

فالشاعرُ استهلَّ نصَّهُ بالدارميّات :

متعليةْ وتشـوفينْ  عونج ينجمه

مُستفعِلُنْ فـعْلانْ  مُسـْتَفْعِلاتُنْ

نامت كلوب الناسْ  كلبي شينيمه

وهي ملتقطةٌ بدقّة، لكنَّ الملحّنَ لم يلتزمْ بها،إنَّما أضافَ لها مفرداتٍ ساعدتْ لحنَهُ الجميلَ على الإثارةِ، وجعلت الموسيقى تزدادُ إدهاشاً، فضلاً عن أنّه قدَّم في النصِّ وأخَّرَ، وأضافَ لازمةً هي: [النوب النوب النوب] وجعلها تتكرّر في جميعِ المقاطع، إلى جانبِ إدخالهِ كلمة [يدادةْ] على نحوٍ بدت وكأنَّها من نسيجه:

ينجمةْ عونج يا دادةْ عونج يا نجمةْ

متعلــيةْ وتشــوفيـن يـدادةْ

النـــوبْ النــوبْ النـــوبْ

***

هذا إذا لحَّنَ الفنّانُ نصَّاً مكتوباً ، لكنَّ بعضَهم الآخرَ يقومُ بوضع اللحنِ، ثمَّ يُركِّبُ عليه كلاماً بسيطاً قد لا يرتضيه، لكنَّه يفعل ذلك حفاظاً على الإمساكِ باللحنِ حتّى يعثرَ على الشاعرِ الذي ينظمُ له كلاماً شاعريّاً جميلاً يترجمُ لحنَـهُ، ويعيشُ دواخله، ويعبّرُ عن أحاسيسه النغميّة، كما فعلَ الموسيقار المطرب عبد الربِّ إدريس في أغنية [ليلةْ.. لو باقي ليلةْ]، فقد وضع لحنَ هذه الأغنيةِ، قبلَ أنْ يجدَ الكلامَ المناسب لها، لكنَّه أمسكَ اللحنَ الجميل بكلامٍ لم يكن فيه خيالٌ شعريٌّ، ولا عاطفةٌ مثيرة، ولا تعبيرٌ يجسِّدُ حالة الموسيقى المثيرة، فكانَ ذلك الكلامُ البسيط (على وفق ما ذكره الملحّن نفسه) كالآتي:

أوّلكْ.. أفـراحُ وعشـرةْ

وآخركْ .. أحزان وحسرةْ

لكنَّهُ حين التقى في القاهرةِ بـ الأميرِ الشاعرِ بدر بن عبد المحسن أسمعه اللحنَ، وطلبَ منه صياغة قصيدةٍ عليه، فما كان من الشاعرِ (بعدَ أنْ أُعجبَ باللحنِ) إلاّ أن كتبَ القصيدةَ على ضوءِ اللحنِ، فكانت (ليلة .. لو باقي ليلة) من الأغاني الشجيَّة التي كانَ لها القدح المعلّى في الأداءِ واللحنِ على نحوٍ لم تصله أغنية في ذلك الوقت.

وهنا يجب أنْ نُشيرَ إلى أنَّ الكلامَ الذي يتمُّ تركيبهُ على اللحنِ يستجيبُ للجملِ اللحنيّةِ حتى إنْ كان ذلك يسبِّبُ خروجاً على الإيقاع (الوزن العروضي)، لهذا كانت تلك الاستجابةُ قد أخرجت (في بعضِ أشطرها) النصَّ عن تفعيلتهِ الإيقاعيّةِ، وشكَّلت تداخلاً مع بعضِ التفاعيل المتقاربة، مع أنَّ النصَّ كان على وحدةِ المتدارك (أو الخبب) باستثمارِ كلِّ ما تتيحهُ الأضربُ من تنويعاتٍ، سواءٌ أكانت التفعيلة كاملة (فاعلن) أم مخبونةً (فَعِلُن) بكسرِ العينِ، أم مخبونةً مضمرة (فَعْلُن) بسكونِ العين، أم كانت مضمرةً مرفّلة (فعْلاتُن)، وهذه الأخيرةُ غير مستعملةٍ الآن .

***

وإليكم التقطيع قبل سماعِكم للأغنيةِ ، فقد يرغبُ في معرفته بعضُ الراغبين:

ليلةْ لو باقـي ليلةْ

فعْلُنْ فعْلنْ فعْلنْ فَعْ

= فعْلُنْ فعْلنْ فعْلاتُنْ..(ترفيل)

أو= فعْلُنْ فَعْلُنْ مفعولنْ

 

عمري أبيه الليـلةْ

فعْـلُنْ فعولن فَعْـلُنْ

 

واسـهر فـي ليلِ عيونكْ

فعْلُنْ فعْلنْ فعْلنْ فَعْ

= فعْلُنْ فَعْلُنْ فعْلاتُنْ...(ترفيل)

أو= فعْلُنْ فَعْلُنْ مفعولنْ

 

هي ليـلةْ عمرْ

فعْـلُنْ فـاعلنْ

 

يــا الله يـا الله

فعْلُنْ فاعْ فعْلُنْ فاعْ

= مفعولان مفعولان

 

واشكثرْ انتِ جميلةْ

فاعلنْ فعْـلُنْ فعولُنْ

أو= فاعلاتن فاعلاتن

 

وشكثر أنا أحب

فاعلنْ مفاعلنْ

 

أحلمْ أحلمْ بـك دايمْ

فعْلُنْ فعْلنْ فعْلنْ فَعْ

= فعْلنْ فعْلنْ مفعولن

 

جنبي وانا صاحي ونايمْ ..

فعْـلُنْ فعِلنْ فعِلنْ فَعْ

= فعْلنْ فعِـلنْ مفعولن

 

يلِّي أيامــي بدونك

فعْلُنْ فعْلنْ فعْلنْ فَعْ

= فعْلنْ فعْلنْ مفعولن

 

مـاهي مـن العمرْ

فَـعْـلُنْ فـاعِلـنْ

***

صوتكْ همسكْ بيتي وسفري

فعْـلُنْ فعْـلنْ فعْـلنْ فَعِلُنْ

 

قمري وشمسك ليلي وفجري

فَعِـلُنْ فعْـلُنْ فعْـلنْ فعْـلنْ

 

وانتِ يا عيونـي انـتِ

فعْلُنْ فعْلنْ فعْـلنْ فَعْ

= فعْلنْ فعْـلنْ مفعـولن

 

قلبـي وين مـا كنتِ

فعْـلُنْ فعْـلنْ فعْلنْ

 

يلِّـي سـواد عيونك

فعْلـُنْ فعُولُنْ فعْلنْ

 

أفديـه العمـرْ

فعْـلُنْ فـاعلنْ

***

وكلُّ هذا التداخل الإيقاعي الذي حصل، كان بسبب تركيبِ النصِّ على اللحن، وإليكم الأغنية:

https://www.youtube.com/watch?v=CLjge5R-J-U

 

 

أ.د. عبد الرضا عليّ

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم