صحيفة المثقف

بوتقة نيسان

سامي العامريهلُّ الربيعُ وما هلَّ الندى وجرى

         واستبسلَ الغيمُ كيلا يُطْلِقَ المطرا

أخفاه عنيَ تحتَ الإبطِ منتبِذاً

     ركناً من الشمس حتى أرهقَ الشجَرا 

لأنَّ ساعة ميلادي تُزامِنهُ

            ولا زمانَ لمثلي طال أم قصرا

وأين يطرحُ محزونٌ بضاعتَهُ

       وسارقو الكُحلِ قد زادوا هنا بَطَرا؟

كما هناك فحضنُ الأرض مُتَّسَعٌ

           لِما يخيبُ وخطو القلب ما عَثَرا

فهل تطوَّعَ قنديلٌ لأوقِدَه؟

          كلا وهل حقَّقَ الميلادُ ما حزَرا؟   

كانت سؤالاتِ مرتابٍ أردتُ بها

      أن أستفز شموعي كي ترى الخطرا

ما عاد شمعيَ شمعاً والنهارُ جَنىً

              كبرتقالٍ لكفّي من كُوىً عَبَرا

ولا على السقفِ حيراتي أعلِّقُها

          ولا من القبو كرْمي حلَّ مختمِرا    

 نحن الخيالات لا عيدٌ لمولدنا

         ولا بلادٌ اذا ما استُحْضِرَتْ فَخَرا

لكنَّ ميلادنا المحظورَ نصنعُهُ

          بالشِّعر حيناً وما يستوقفُ القمرا

ميلادُك الثرُّ ميلادي وتربتنا

             فيها غَرَسْنا لينمو غرسُنا وَتَرا    

عَبْراتُنا من حنينٍ طالما عَقَدَتْ  

          عند المساء على الخدين مؤتمرا

ونابَ عن لُجَّة الآمال مبسمُها

        وطيفُها العذْبُ قَبْلاً كان قد حضرا

والأمسُ والغدُ جاءا والحبيبُ دنا 

        حتى الفراتُ أتى من بعدما اعتذرا

فصرتُ أطمحُ أن يجتاحَ مملكتي

            رعدٌ ويعلوك قوساً بارئاً دُرَرا

فكان ما كان حتى انقضَّ صاعقُهُ

                برقاً وتوقاً فلم يَلمحْ لنا أثرا

ورغم غَمْزاتِ خوفٍ بعد جائحةٍ

             كنا نصلّي لنخلٍ جُنَّ إذْ حُجِرا

ومُرسَلاتٍ غدتْ تذكارَ مَنقَبةٍ

            كنا نحضِّرُ من أرواحها بَشَرا!

ونستعيض عن النجوى بلمس يدٍ

             من الملاك كتطويبٍ كما أُمِرَا

والقلبُ مثل مدى الأنفاس مختلِجٌ

             يبلّغُ الشكرَ للقيثار حيث سرى

حتى كأنَّ ثُريّاتٍ لنا سَكِرتْ

           ويا لخوفك من صاحٍ إذا سَكِرا!

وأنشدتْ بثياب الحفل كاهنةٌ

           وألفُ بستان تينٍ ضاقَ فانحسرا

ويلُ الصداعِ تمشى في الهواء فما

       أسلو عن الكأس إلا صاح منتصِرا

رميتُ قلبي في ظَهْر الحياةِ لُقىً

         وحينما عدتُ ضجَّ النبضُ مُدَّكِرا

يا شهرَ نيسانَ لا عايشتَ من قلقٍ

            ولا أصابكَ إلا ما يصيبُ ثرى

خصباً وحباً وغِيداً يعتلين رُبىً

                ورافلاتِ نجومٍ قُدْنَ مُنتحِرا

تمشي المشاويرَ أشعاري إلى بلدٍ 

               مثلَ السنونو إذا دانيتَهُ هَجَرا

هو العناد إذنْ يطوي مرابعَهُ

             ولا أعاندُ مَن بالحب قد كفرا!

ولو يكون كذيّاك الحبيبِ فقد

           أبلى بلاءً كطيِّ الكون مختصَرا

فإنما الشوقُ أشواقٌ بُليتُ بها

      وليس أخلصَ مِن مثلي كما سيرى!

    ***

سامي العامري - برلين

نيسان 2020     

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم