صحيفة المثقف

بغداد بين عهدين.. المسئولية واللامبالاة!

عبد الجبار العبيديأصبح من المؤكد ان من رافق التغيير السياسي للدولة العراقية عام 2003 من كل الكيانات السياسية – دون استثناء- لم يكونوا رجال دولة حين أساؤا استخدام متطلبات التغيير.. فلم يستوعبوا ما حدث فسادهم الانبهار للذي حدث فتغلبت العاطفة على العقل وذللتهم لرغباتها لذا استساغوا الاجرام والعدوان على الناس والاموال والاعراض ،والتوجه نحو من يؤمن بصنع ادوات التدمير والتخريب حفاظا لمكتسباتهم فهبطت مستوياتهم الخلقية الى مستوى الاباحية وفوضى اللاقانون.. من هنا كانت الحكاية مع دولة العراقيين..

رجال لا تربطهم بالمعرفة والثقافة والسياسة من رابطة سوى اعتقادات دينية وهمية ضحكوا بها على العراقيين.. لذا مالبثت ان تكشفت الاحابيل والامورمن بين ايديهم وهم لا هون بالمتاع الذي به ماصدقوا يوما يعيشون.. فاضمحلت قواهم وتمهد الطريق لغيرهم للتغلب عليهم وامكانية انتزاع الملك منهم والسيادة من ايديهم.. بعد ان اصبح السفير الايراني حاكمهم بلا اعتراض من اكبر كبيرهم الى اصغر صغيرهم.. وحين حاصرهم الخطأ اصبحوا حائرين يتخبطون.. فلا ايران المنهارة تستطيع نصرتهم ولا العقل الجمعي العراقي يؤيدهم.. لذا تراهم في الخسران المبين..

ان الذين يحترمون انفسهم ووطنهم لا يمكن ان يُصغرون من انفسهم حين يرون فخامة الاخرين وضغطهم عليهم.. فلو كانت القيمة الخُلقية تقاس بالاوزان لكانت الصخور أغلى من الماس.. والا هل سمعتم يوما ان فارسي حاقد وعدو لئيم هو الذي يعين وزيرفي سلطتهم.. سليماني وقاآني مثالاً وهم صاغرون؟ فهل عدنا لعهد المقتدر العباسي الوضيع.. يحضرني نصا قرأته في بداية عهد العباسيين.. كيف ان ابا سلمه الخلال الفارسي اللئيم اراد ان يفرض رأيه على قادة التغيير من العباسين في عام 132 للهجرة.. بتعيين محمد النفس الزكية العلوي بدلا من واحد من العباسيين.. فيرد عليه ابو العباس السفاح قائلاً :" لا يا ابا سلمه.. المُلك مُلكنا فما دخلك فيننا.. ابعد عنا ولا تكن انت باحجار الزيت من المقتولين.. فالحكم لا يعطى للسراويل.. " . فمن يحكمنا اليوم غير السراويل..

هذا مثل لمن يريد ان يحكم وطن.. عليه ان يكون اهلا لمن يحكم فلم يقدم على اقتراف جنايات بشعة في حق الحق والقانون لحماية نفسه وحكمه من اخطار الاخرين – هذا هو الذي أمات العباسيين حين خالفوا العهد والقانون- وبذلك اهدروا حقوق الوطن مثلما أهدره السابقون من الامويين.. والا لماذا جاء التغيير؟.

ان من لا يحرص على استيفاء الجانب الشرعي من شرعية حكمه لا يمكن له ان يكون متحججا بالاحتلال والجهاد والارث المقدس الذي لا وجود له الا في عقول المتخلفين الطامعين.. فقد انتهى عصر الحق الآلهي والاختيار الوهمي وكأننا نعيش في العصور الوسطى التي ربطت نفسها بالبابوية والتفويض الآلهي في حكم المواطنين اعتقادات أنتهت بصيرورة الزمن الى ابد الأبدين.. واذا كان ذلك حقا جزءً من معتقدهم.. فكيف طوعوا انفسهم للتعاون مع من يسمونهم "الكفار" لاحتلال الوطن وقتل المسلمين.. الم يكن هذا تناقضا لايخضع حتى لجدلية التاريخ والقانون..؟

فاذا لم تقم الدولة على مؤسسات القانون.. تنقطع صلاتها بالجمهور فيسرع اليها الجفاف.. مثل العلاقة بين الشجرة والتربة التي تنبت فيها.. فاذا جفت التربة انقطعت عن الشجرة وماتت فلا يرجى منها من حياة.. ولهذا فان الدولة التي تولد على يد طبقة غريبة لا تعرف حقوق الوطن تتعدى عمرها عمرهم.. وهكذا اليوم من يحكمون الوطن سيسقطون حتى وان لم تسقطهم قوة الأخرين. لانهم مع الاسف لم يأتوا الينا بنظريات التاريخ والعقل والتفكير.

مهما يكن ابن البلد قاسيا على الوطن لابد ان نجد فيه بقية من خلق متين وأمانة وصدق وصفاء نية وبعد عن الخداع.. فخيانة الأم (الوطن) شيء غريب فالذي حصل في العراق بعد التغيير من خيانة ونُكر للوطن والمواطنين شغل ولا زال يشغل افكار المخلصين من العراقيين.. نعم نحن بحاجة الى كتابة تاريخ جديد.. من صنع اصحاب الفكر الجديد الذين يكتبون لاوطانهم بتجرد منهجي فلسفي في صياغته ليرسم لهم معالم الطريق الجديد.. واخلاقية الحكم النزيه.

ان مفكرينا وساستنا الجدد بحاجة الى عقول يتصرفون بها.. ليستطيعوا التغلب على الظروف غير المواتية بدلاً من الرضوخ اليها وتركها تشكلهم كيف شاءت حتى لا نبقى على ملامة الزمن كل هذا العمر الطويل.. وليساعدنا الدفع الحضاري لأكتشاف كل جديد لنتقدم ونصنع القانون والدستور.. لنرمي ما تعودنا عليه من سلطة الترف وما نتمناه لنا بعد ان تعودنا على منهج دراسي فاشل علمنا الطريق بلا دليل.. لنعرف ان الترف هو موقف من الحياة وليس هدفا.. حتى تحول عندنا الى سلوك.. اصبح من الصعب نزعه من افكارنا التي لم تعرف الله ومسئولية الوطن ،.. فأضطررنا لاشاعة نظريات الفساد والتعامل بها باعتبارها شطارة على المواطنين.. وها نحن اليوم لا ندري ما نفعل.. ويفعلون..؟

مرض اصاب القيادتين الاموية والعباسية من قَبل.. تمثل بسلوك خلفاء بني امية وسلوك بني العباس الاوائل.. ادرك خطئها الخليفة عمر بن عبد العزيز الاموي (ت101 للهجرة) والمنصور العباسي (ت158للهجرة) فكتبوا قبل الرحيل ما صادفوه ندما على التقصير.. لذا كتبوا لخلفائهم النصيحة التي لم ياخذوا بها فكانت نهايتهم على ايدي الترف ومخالفة القانون.. وما اعتقدوا به خطئا تجاوزا على القيم والقانون.

هؤلاء وهؤلاء السابقون واللاحقون ما دروا ايضاً ان الترف له حدود تحددها الشرعية الأخلاقية ، لا الاعتداءات على حقوق الأخرين.. وتحددها الثقافة والتجارب الزمنية والقوة العقلية المعنوية والتربية البيتية والقواعد الاخلاقية السلوكية للحاكم.. لا.. للاستهتار بسلطة الدولة والقانون.. وخاصة الايمان بمبادىء الثقافة الحقة التي تتحول وتشكل الانسان الى سلوك.. هؤلاء الجهلة الذين لا يعرفون اليوم حتى كلمة سلوك فهم بحاجة الى ىشهادة حسن سلوك عند التعيين كما كانت في عهد الملكيين . اذن لابد من كشف مسئولية الحاكم القديم ليتعلم منه الجديد كيف يحكم بالقسم واليمين الذي لهما اليوم نحن تاركون..؟

.. الم يقرأوا القصص القرآنية وما نقلت لنا عن الفاسدون بحق الوطن والناس والاوطان..؟ هذا ما كتبه الخليفة عمر بن عبد العزيز الأموي برسالته للناس بعد ان تسلم حكم الامويين.. والمنصور العباسي لأبنه المهدي من بعده نادما على ما فعل حين تجاوزوا الحقوق.. فالندم لا ينفع على فراش الموت النادمين.. فأين هم من الندم اليوم.. فكتبوا يقولون :

كتب الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز يقول:

ايها الناس: أوصيكم بتقوى الله.. فان تقوى الله خلفُ من كل شيء ولا خلف بعده من شيء.. أعملوا لأخرتكم.. فسيكفيكم الله دنياكم.. أصلحوا سرائركم.. يصلح الله علانيتكم.. أصحوا على زمانكم فان " الله يعلم سركم وجهركم ويعلم ماتكسبون.. العرب لم يختلفوا في دينهم ونبيهم.. بل أختلفوا في الدينار والدرهم.. وأني والله لا أعطي أحدا باطلاً.. ولا أمنع احدا حقاً.. ان اغتصاب الحقوق حَوبٍ عند الله كبير.. ".

وكتب الخليفة المنصور العباسي لابنه المهدي وصية يقول فيها :

نصيحة من أبٍ رشيد.. لأبنٍ يتمنى ان يكون رشيدا.. فليقرئها حكام العراق الظلمة في العهد الجديد..

يقول الخليفة المنصور العباسي لأبنه المهدي وهو يشعر بدنو الاجل قبل سفره الاخير للحج اًملاً بالشفاء.. وهناك مات.. ودفن بحفر مائة قبرله كي لا يعرف الناس قبره وينبشونه لما أقترف من الاجرام بحق الانسان والدين.. لقد كان الخلفاء والامراء يحجون كل سنة اعتقادا منهم ان الحج يبرء الذنوب.. كما هم حكام دولتنا ونوابهم الفاسدون اليوم بقيادة امير حجهم الفاسد خالد العطية.. ولا ندري ماذا سيحل بقبورهم غدا بعد ان يموتوا ويذهبوا لحساب الله العلي القدير..

يقول الخليفة المنصور لأبنه المهدي :

أسمع يا بني :" كلام أقولها لك ولن أقوله لاحد غيرك ، هكذا قرأناه في النص المقدس ووثائق المؤرخين: " ان الأجل للأنسان مقدر بقدر، والقدر كما هو معروف،هو الوجود الحتمي خارج الوعي الأنساني ، وهو فلسفة ربانية من نِعمَ الله على النفس حين لا تعلم قدرها قبل حدوثه لقول الحق : "ولكل أمةٍ أجل فأذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون،الأعراف 34".فعليك بالحقوق قبل دنو الآجل".. فأين من يحكم العراق اليوم من هذه الحقوق..؟

ويقول له : "اسمع يابني : انظرهذه المدينة – ويقصد بغداد - التي صرفتُ على بنائها 20 مليون دينار ذهبي.. اياك ان تستبدل بها غيرها،وقد جمعت لك فيها من الأموال ما ان كُسرَ عليك الخراج عشر سنين كفاك لارزاق الجند ونفقات الرعية ومصلحة الثغور ، فاحتفظ بها فأنك لاتزال عزيزا ما دام بيت مالك عامراً.. "لا يا حكام العراق فبغداد العراقية ليست زيزفون التي يحلم بها الاعداء الحاقدون.. فلا تبذروا اموال الوطن على الخالي والمليان.. انها اموال الناس.. وليست اموال ايران.. حاسبوا يا نوائب الزمان.. فالزمان لا امان له كما اعلمنا التاريخ.

.ويقول له :" يا ابا عبدالله ويقصد ابنه المهدي: أستدم النعمة بالشكر،والمعذرة بالعفو،والطاعة بالتآلف،والنصر بالتواضع ، ولا تنسى نصيبك من الدنيا نصيبك من آمر الله،لا تبرم امراً حتى تفكر فيه ، ترى حسنهُ من سيئهِ".. فهل فكر طغاة حكم العراق اليوم بما يجري لوطن العراقيين.. وهم يبيعون الوطن والمواطن قطعة قطعة معا.. للأخرين؟ بلا ضمائر ولا غيرة الوطنيين ً.. ويقول :

يابني : "لا يصلح السلطان الا بالتقوى ولا تُصلح الرعية ولا تُعمر البلاد بمثل العدل، فلا تجلس مجلسا الا ومعك من أهل العلم من يُحدثك.. فخذها من أبٍ رشيد لأبن يرجوله ان يكون رشيدًا.. لا تَخُن ولا تُهمل الرعية ،فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٍ عن رعيته ، فلا تنسى الوطن والانسان ،لأن بهما تُسعد وتَفخر".. أقرأها يا حاكم العراق ولا تهرول خلف الخائنين.. من حكام طهران الحاقدين عليك وعلى الوطن الذي جرعهم البارحة السُم الزعاف؟ انتم اليوم تستحقون الأنتحار غسلا لعارالخيانة والاتجار بالبشر.. ايها الحاكمون..

ويقول : أوصيك يا بني وصية لا تجد غيرها ابداً:

"أتقِ الله فيما عُهد اليك وهي مِنةُ من الله :" أياك والدم الحرام ، فأنه حَوب عند الله عظيم، وعار في الدنيا لازم مُقيم ، لإزم الاحكام وأترك النواهي ، وأعلم ان من شدة غضب الله لسلطانه ،أمر في كتابه العزيز بتصنيف العذاب والعقاب على من سعى في الأرض فساداً، فالسلطان يا بني حبل الله المتين ،وعروته الوثقى ،ودين الله القيم ، فأحفظه.. وحصنه وذب عنه، وأوقع بالفاسدين والمارقين والسارقين لاموال الله والناس ،لا تأخذك بهما رأفة،، أحكم بالعدل ولا تشطط ،وأياك والأثرة،ووسع المعاش على المحتاجين ، ولا تنسى احدا.. وسكن العامة منازلهم ، وادخل المرافق عليهم فلا تدع محتاجا ،فالمال مال الله ، فأموالك هي أموالهم ، لا تعتدي عليها لأن الله لا يحب المعتدين ، وأياك والتبذير ،.. فأن النوائب غير مأمونة ، والحوادث غير مضمونة ،وهي من شيم الزمان".. ومات المنصور ولازال قبره مجهولاً الى اليوم.. أنظر ياحاكم العراق اللئيم اليوم ماذا حدث لأعتى الامبراطوريات بعد ظهور" كورنا الصين "المعتدية على العالمين.. وكيف تتوسل بالقدر للنجاة من الموت المحقق.. من رب العالمين..

.ويقول له :"يا بني :" باشر أمورك بنفسك ولا تركن الا على ثقةٍ ، وخذ نفسك بالتيقظ ، وتفَقد المحتاجين ،ووكل بهم عينا غير نائمة ،ونفساً غير لاهية ،ولا تكن معزولاً عن الرعية ،فالعُزلة شعبة من الضيق كما يقول جدك علي(ع) أمير المؤمنين ،ولا تنم فأن اباك لم يَنم ، ولا دخل عينه غمظ الا وقلبه مستيقظ .نفذ قول الحق او تتنحى عن مسئولية الله والناس" .فأين أنتم من وصايا الحق ولا زلتم على غيكم سائرون.. تعتمدون على اعدى الاعداء للوطن والشعب ايها الحكام المجرمون.. اصحوا على زمانكم..؟.. بعد ان قتل اولادكم.. وسرق أموالكم.. واحتل بلادكم.. حتى اودع فيها مجرمون لأبادتكم وأنتم لا تشعرون..؟

هذه الوصية بدءها بنبرة دينية هادئة واصلاحية ،يحث فيها الحاكم ولده عن الابتعاد عن الحرام ولزوم الحلال،واقامة الحدود ولا خيانة الوطن الذي ملَكَهُ الله له ،فالخيانة لا غفران لها من الله بالمطلق كقوله

تعالى:" ان الله لا يحب الخائنين ،الأنفال 58".وأبعد عن فقهاء الدين.. بألتزام هذا التوجه الحكيم تطورت الدولة ،وتماسكت البنية الاقتصادية واصبح المجتمع تواقا لكل جديد..

يقول عالم حكيم :"اذا رأيت الفقيه يحب الاغنياء فهو صاحب دنيا.. واذا رأيته يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص.. كن مع الحق والعلم يا فقيه الزمان ولا تنحاز عن الحق.. فموت عالم احب الى ابليس من موت سبعين عابداً..

ولا ادري من خولهم حكم القانون وسرقة اموال المواطنين والتصرف بالوطن.. والسماح لايران بقتل العلماء والضباط والطيارين وقتل كل من له اصل شريف لتسود الغوغاء حكم الوطن التي دمرت المصنع والمزرعة من اجل سيدهم الولي الفقيه المغتصب لحقوق العراقيين وليبقوا دوما في حاجته كما نراه اليوم يصنعون.. هؤلاء براء منهم أهل البيت والصحابة الذين باسمهم يتحدثون.. خسئت نفوسهم فهم والمغول سواء بسواء في الجريمة والعقيدة والتفكيريطبقون.

مشهد يكاد ينطق بصوت الكارثة القادمة من وراء حجب الغيب الرهيب..؟ طالبوهم بالحق.. فأن الحق القديم لا يبطله شيء، والعقل مضطر لقبول الحق.. كما يقول حكماء الزمان المؤمنين.. ! أهتفوا جميعاً..

يا خائن بره بره.. بغداد تبقى حرة.. العراقيون يريدون وطنا سلبه الحاكم منهم.. بظلم الظالمين..

تحية للمخلصين..

 

د. عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم