صحيفة المثقف

غسيل أدمغة وتطبيع ثقافي مهين في مسلسل فوضى الإسرائيلي

بكر السباتينوسؤال: هل المستعربون ملائكة!؟

قبل الحديث عن مسلسل "فوضى" الإسرائيلي وتداعياته على العقل العربي المستلب إلى عالم الإثارة الحركية البصرية وتحليل مخاطره على الجمهور العربي الذي بات الطعم الرئيسي لموقع نتفلكس المشبوه، دعونا نضع النقاط على الحروف.. فأنا من منطلق كوني ابن القضية الفلسطينية بمكوناتها الفسيفسائية، لا ألوم الطرف الإسرئيلي، العدو، على قيامه بإنتاج مسلسل فوضى الإسرائيلي، الذي يصور الشعب الفلسطيني داخل حدود الثامنة والأربعين، كأنهم مجرد خونة وعملاء للعدو الإسرائيلي وإن ما يعرف بالمستعرب رغم تاريخه الإجرامي المشهود بات في نظر المشاهد المغبون مجرد مقاتل يستخدم التقنيات الحديثة لاصطياد "الإرهابيين الفلسطينيين" من المقاومة المتمثلة ب "حماس".. فلا تنتظر من الاحتلال الإسرائيلي الذي يزيف الحقائق أن ينصفك! ولكن الخطأ الذي يوصف فلسطينياً بالخيانة والتطبيع، يكمن فيمن شارك من الفلسطينيين في هذا المسلسل التطبيعي الذي حظي بأكبر متابعة عبر موقع نتفليكس بحيث سجلت أكبر المشاهدات الفضولية (غير المؤيدة) له في الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا، وقد أثار المسلسل حنق المشاهدين وسخطهم على المشاركين العرب في المسلسل المهين.. رغم أن بعضهم درج على زيارة العواصم العربية لتمثيل فلسطين في المهرجانات ورفع العلم الفلسطيني من باب الوصولية والرياء، من بين هؤلاء فنانة فلسطينية صاعدة، هاجمت إحدى الفنانات الفلسطينيات المشهود بوطنيتها ورفضها للتطبيع، ونعتتها بالممثلة الفاشلة التي تحقد على النجاح لمجرد أنها انتقدت مشاركتها في تمثيل هذا المسلسل الإسرائيلي التطبيعي الذي لم يستحسنه جمهور المشاهدين رغم إقبالهم عليه من باب الإثارة الحركية والبصرية والفضول بعد أن ذاع صيته..

هذا ما قالته لي عبر الهاتف من الناصرة، الفنانة المسرحية فاتن خوري، والتي طالبت المثقفين بالرد كما ينبغي على المسلسل ولو بمحاصرة الفنانين الفلسطينيين المشاركين وعدم التهليل بهم بمناسبة أو غير مناسبة، هذا تسلل تطبيعي إلى العقل العربي وإعادة برمجة له.. وفاتن خوري فنانة مسرحية جادة، تخرجت سنة 1998 من جامعة حيفا بتخصص تاريخ الفن والمسرح. عملت في مسارح متعددة مثل: الميدان وعشتار والوطني الفلسطيني، والحاره في بيت جالا، والحكواتي بالقدس، وجوال ومسارح أخرى غيرها. شاركت عبر تاريخها الفني المشرف وغير التطبيعي بحدود خمسة عشر عملاً مسرحياً جاداً من أهمها، مسرحيات: الجسر، ونساء تحت الضوء، وسأخون وطني، وعشرون دقيقة التي تناولت موضوع الاجتياح الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية (السلطة)، وللتذكير فقد كان للمستعربين والعملاء الدور المحوري في تدمير مخيم جنين كأحد تداعيات النجاح الذي سجل لجيش الاحتلال القاتل والذي يساهم الممثلون العرب المشاركون في مسلسل فوضى بتنظيف ساحته أمام الجمهور العالمي.

وأكدت لي فاتن خوري - عبر الهاتف- بأنها ترفض العمل المسرحي مع أي عمل ممول إسرائيلياً؟

وفي مسرحية (العشاء الأخير في فلسطين)، ذكرت لي حادثة خلال العروض في هولندا، قائلة: "بأن فرنسية يهودية قالت لي: لماذا تريدون رمينا في البحر؟ فقلت لها: نحن لا

نتمكن من الوصول إلى البحر ونحن من تم رمينا في البحر وتهجيرنا من وطننا".

وتكمل خوري: "ولذا أتواجد معظم الوقت في رام الله بعيداً عن أسرتي لأني لا أريد العمل مع المؤسسات الإسرائيلية، ومع هذا لست منعزلة عن شعبي الفلسطيني في الناصرة رغم أن البعض يعترض على موقفي الوطني الشريف ويقولون: أنت مواطنة تعيشين فيما يسمى بإسرائيل، فلماذا ترفضين العمل مع المؤسسات الإسرائيلية؟ في الحقيقة أن شعوري بفلسطينيتي هو الغالب، فلا يمكن أن اقتنع بالعمل مع مؤسسات ترفضني وترفض تاريخي، وتمارس الاحتلال والقتل بحق الشعب الفلسطيني، وأتمنى أن يرفض الممثلون الفلسطينيون العمل مع المؤسسات الإسرائيلية من هذا المنطلق.

الفنانة فاتن خوري ترفع لها القبعات لموقفها الوطني الشريف، ولكن بالمقابل علينا التعامل مع الفنانين المطبعين كأعداء للقضية الفلسطينية، فهم بوابة التطبيع الثقافي مع الاحتلال الإسرائيلي.. فالدوائر الثقافية الإسرائيلية تحاول ذلك بكل السبل المتاحة، وفي سياق متصل فقد قمت شخصياً برفض قاطع للعرض التطبيعي المغري الذي قدم لي، باعتماد إحدى دراساتي عن ملك فلسطين ظاهرالعمر، بعنوان " قراءة في تجربة ملك الجليل ظاهر العُمَرْ ! بين النهضة وخيانة الأقربين”!!" لتدرس في مناهج الناطقين باللغة العربية في الكيان الصهيوني داخل ما يسمى "الخط الأخضر"، من قبل مركز التكنولوجيا التربوية.. حينما اكتشفت علاقة المركز المشبوهة بوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية.. فبادرت على الفور إلى تنبيه الكتاب والمفكرين من هذا المركز عبر الصحف العربية في سياق ماجرى معي بالوثائق ومنها "السوسنة" 5 يونيو2017 .

إذن ما قصة مسلسل فوضى الإسرائيلي المثير للجدل؟

هذا المسلسل يعطي مصداقية مطلقة لأشخاص كانوا وما زالوا مسؤولين عن معاناة أناس آخرين وتدمير حياتهم، لا يوجد أكثر من ذلك لكي نقوله.

ركز الجزء الأول والثاني من المسلسل على العمليات السرية للوحدة في الضفة الغربية المحتلة، وتدور أحداث الموسم الثالث -الذي بدأ لتوه- حول العمليات المنفذة في غزة.

ويتحدث المسلسل عن المستعربين.. ولهذا المصطلح، دلالة عدوانية جداً، عنيفة وخطيرة، وعنصرية للغاية، فبمجرد ذكر كلمة "مستعرب" لوحدها تدب الرعب في نفوس الفلسطينيين لتاريخ المستعربين الأسود.

مسلسل فوضى مكتوب من قبل "الجناة" أو المجرمين أنفسهم، كتبه شخصان متورطان ومشاركان بهذه الجرائم (من خلال عملهما السابق في وحدة المستعربين) وهذا ليس وضعًا طبيعيًا تحت أي سبب أو منطق. المسلسل بحسب تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية نفسها يهدف الى "تجميل الجوانب الأكثر بشاعة للاحتلال الإسرائيلي." السماح بعرض هذا المسلسل على شبكة دولية مثل نيتفلكس هو نوع من التطبيع والموافقة بشكل ضمني على عملية التطهير العرقي للفلسطينيين.

ومن الواضح، أن "فوضى" يُروى من وجهة نظر صهيونية، فلا يوجد فيه جدار فاصل، ولا هدم للمنازل، ونقاط تفتيش قليلة، ولا يُظهر الاحتلال الوحشي كما هو في الواقع، كما يعيشه الفلسطينيون كل يوم منذ عقود طويلة. حاول كاتبا المسلسل تجميل الحقيقة من خلال إظهار الجانب "الإنساني" "للإرهابي" الفلسطيني عبر تصوير العلاقات الأسرية والحياة اليومية للفلسطينيين منذ المشهد الأول؛ وذلك لإغراء المشاهد العربي؛ كي يقع في المكيدة من خلال ولوجه المسلسل من باب الإنسانية والموضوعية الصرفة. هو مسلسل مليء بالإثارة والأحداث التي تجذب المشاهدين وتبقيهم متحمسين لمتابعته.

وينتمي المستعربون إلى وحدات أمنية سرية وخاصة، وتسمى بالعبرية "المستعرفيم"، وهي تابعة لشرطة الاحتلال الإسرائيلي، وتُطلق عليها ألقاب ونعوت كثيرة، منها فرق الموت، ويُزرع أعضاؤها بملامح تشبه الملامح العربية وسط المحتجين والمتظاهرين الفلسطينيين، حيث يلبسون لباسهم وكوفياتهم ويتحدثون بلسانهم ولهجاتهم المحلية، ولكن سرعان ما ينقلبون ضدهم ويعتقلون المطلوبين عن جنب وطرف بأياديهم القذرة لصالح القوات الإسرائيلية.

ويتم تدريب هذه الوحدات على "الاندماج" بين السكان الفلسطينيين والتعامل معهم كما تجلى في سياق مسلسل "فوضى"، وتدريبهم تحديداً على التسبب في (الإرباك والصدمة) باستخدام سلاحهم الرئيسي: المفاجأة! وهو ما يعني هجوم عنيف غير متوقع ينتج عنه عمليات إعدام شاملة وعمليات اختطاف وإذلال.

وكشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن المستعربين يتقمصون لأجل اعتقال مطلوبين لسلطات الاحتلال دور صحفيين يحملون كاميرا أو مسعفين أو أطباء، لأن ذلك يسهل عليهم اختراق التظاهرات والاحتجاجات وتنفيذ مهمتهم الأمنية ولو اقتضى الأمر ارتداء ثياب النساء.

وتوجد وحدة المستعربين كذلك وسط سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتسمى "متسادا"، وتشرف عليها مصلحة السجون، وتتركز مهمتها في السيطرة على رهائن محتجزين في سجون بها أسرى فلسطينيون ومن ثم قمع احتجاجاتهم.

ومن مهام هذه الوحدة كذلك الدخول في صورة مسجونين يسمون "العصافير" بين الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وربط علاقات معهم للحصول على معلومات مهمة منهم، مما يدينهم ويبرر سجنهم وسلب حريتهم.

وتسند لوحدات المستعربين مهام أخرى بالإضافة إلى جمع معلومات، كتصفية شخصيات مقاومة حيث اغتالت العشرات من قيادات ونشطاء في الفصائل الفلسطينية سواء في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو حركة الجهاد الإسلامي، أو حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وفصائل مقاومة أخرى.

ولاحظ باحث إسرائيلي في الشؤون العسكريّة يدعى طال زاغرابا، بعد مقابلات عديدة مع مستعربين، أنهم يعيشون حالة خوف دائمة، سواء قبل أو أثناء تنفيذ المطلوب منهم أو بعده، قد تصل إلى حد الصدمة النفسية التي جعلت كثيرا منهم يرفعون دعاوى قضائية ضد الجيش الإسرائيلي للحصول على تعويض خلافاً للصورة المضللة التي يصورها مسلسل فوضى وتسويف المستعرب كأنه سوبرمان يقوم بواجبه لكنه طيب القلب رغم شدته.

وقد كشفت صحيفة "هآرتس" إطلاق شرطة الاحتلال وحدة مستعربين سرية جديدة بين فلسطينيي الداخل أو بما يعرف بمناطق الـ48 لتأسيس بنية تحتية استخباراتية توفر للاحتلال معلومات تمكنه من رسم خطة للتعامل مع فلسطينيي الداخل، خاصة في المناطق ذات الأغلبية العربية في حالة احتجاجاتهم ومظاهراتهم وغير ذلك.

ففي كتابه "المستعربون فرق الموت الإسرائيلية" الصادر عن دار الشروق في مارس 2004، ذكر الباحث غسان دوعر، أن وحدة للمستعربين اغتالت قرابة 422 فلسطينيا خلال الفترة الفاصلة بين عامي (1988و2004).. ألا تعني هذه الأرقام شيئاً للفنانين العرب المشاركين في فوضى!

ولكن في أوغسطس 1994واجهت المقاومة الفلسطينيّة المستعربين وتمكنت من قتل الجنرال إيلي أبرام مؤسس إحدى تلك الوحدات في معركة بمخيم جنين الذي عانى الأمرين من جرائم المستعربين الذين يصورهم مسلسل فوضى بأصحاب المهام النظيفة كونهم يطاردون المقاومة التي تدافع عن الحقوق الفلسطينية، وينعتون أفرادها بالإرهابيين.

نال مسلسل "فوضى" الكثير من الإشادات والثناء من المنظمات العسكرية والسياسية في تل أبيب ومنهم الرئيس الاسرائيلي روبي ريفلين الذي استضاف فريق العمل في فبراير 2018 في لقاء احتفاليّ جمعهم بقيادة وحدة "المستعربين" في جيش الاحتلال "ياماس" والمئات من جنود الاحتلال، وعبر كما غيره من القادة الاسرائيليين عن امتنانه لمنتجي المسلسل باعتباره يقدم إسرائيل بصورة جيدة جداً من خلال إظهار "أخلاق" الجيش الإسرائيلي. ولكن الواقع أن المسلسل هو جزء من حملة دعائية تم إنشاؤها لتغطية جرائم الحرب ضد الفلسطينيين.

ومؤخراً، دعت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية ل"إسرائيل"، شركة نيتفلكس إلى تعليق إنتاج الموسم الثالث من "فوضى" الذي سيركز على غزة المحاصرة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، والامتناع عن إطلاق الموسم الثاني أو إزالته من خدمة البث. وتقول المنظمة الفلسطينية لمقاومة التطبيع أن نيتفلكس توقفت عن العمل مع الفنان كيفين سبيسي بعد أن تم اتهامه بالاعتداء الجنسي وإبعاده عن الموسم الجديد من مسلسل House of Cards. علاوة على ذلك، أوقفت نيتفلكس وHBO أيضًا التعامل مع الفنان لويس سي كي وألغت تعاقداتها معه بسبب اتهامه في قضايا جنسية. إلا أنه رغم ذلك تسمح الشركة بإعطاء شرعية لجرائم الحرب والإبادة الجماعية لشعب كامل، والأنكى هو قيام ممثلين فلسطينيين بالمشاركة فيه دون أي اعتبار لحساسية الوضع الفلسطيني الكارثي في ظل صفقة القرن وموجة التطبيع العربي الرسمي مع كيان الاحتلال.

من هنا يستنكر الجمهور العربي بكل أطيافه وفئاته المشاركة العربية المخزية في هذا المسلسل التطبيعي الخطير والمطلوب من المؤسسات الثاقافية العربية مفاطعة نشاطاتهم، وذلك من باب كونها قضية عامة لذلك لا أريد ذكر أسماء المشاركين مباشرة وهي في المحصلة متوفرة في محرك البحث "جوجل".. فالممثلون الفلسطينيون في "فوضى" يقومون بإعادة تمثيل الأعمال والفظائع المرتكبة ضد شعبهم. فكيف يستطيعون النوم وهم يعيدون ممارسة دور المستعربين وفق رؤية العدو! ألا يعتبر هذا بحد ذاته جرم يتجاوز مفهوم التطبيع! ألم يدركوا بأنهم مطية لتسويق الاحتلال الإسرائيلي الذي يرفضه العالم بأسره! هذه قضية رأي عام مفتوحة، لأنها تمس كرامة الشعب الفلسطيني وتجانب الحقيقة والصواب.. وبوسع القارئ المهتم عقد المقارنة بين فنانة فلسطينية جادة تلتزم بمبادئ الحقوق الفلسطينية وترفض التطبيع مثل فاتن خوري، وأخرى تنعتها بالفاشلة رداً على انتقادها مشاركتها إلى جانب فنانين فلسطينيين في مسلسل فوضى الإسرائيلي المسيء لقضية فلسطين! عجبي!

 

بقلم بكر السباتين..

27 أبريل 2020

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم