صحيفة المثقف

كورونا الأغنياء والفقراء

كاظم الموسويلم يفرق فايروس كورونا المستجد (كوفيد -19) بين من يبتلي به، أو يبليه، من البشر أساسا. لا فرق عنده بينهم، لا في العمر أو في الجنس أو اللغة او اللون أو الدين أو الثروة أو الوظيفة أو العمل. ولكن رغم ذلك فإن من تداعياته زيادة البون في الفقر والافقار لأعداد كبيرة من سكان المعمورة التي غزاها ولم ينسحب منها بعد. فقد حذّرت منظّمة أوكسفام من التداعيات الاقتصادية لجائحة فايروس كورونا التي قد تدفع بنصف مليار إنسان في براثن الفقر ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لإنقاذ البلدان النامية. وتدعو المنظّمة قادة العالم إلى الاتفاق على "حزمة إنقاذ اقتصادي للجميع" لمساعدة البلدان والمجتمعات الفقيرة على الاستمرار، وذلك قبل الاجتماعات الرئيسة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووزراء ماليّة مجموعة العشرين. ومعلوم أن التكلفة النهائية ستكون كبيرة ومروعة، للفقراء والفئات الاكثر ضعفا، بل ستكون جريمة تاريخية، وفق ما يرى نعوم تشومسكي.

يشير التقرير الجديد الذي أصدرته منظّمة أوكسفام يوم2020/04/09  بعنوان "الكرامة لا العوز" أنّ ما بين ستة وثمانية في المئة من سكان العالم قد يقعون في براثن الفقر مع تعطيل الحكومات لاقتصادات بأكملها في محاولة منها لإدارة انتشار الفايروس. وقد يؤدّي ذلك إلى تراجع  مكافحة الفقر بما يُقدّر بعقد من الزمن، وقد يصل ذلك إلى ثلاثة عقود في بعض المناطق مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويمكن أن يجد أكثر من نصف سكان العالم أنفسهم في حالة فقر في أعقاب الجائحة. وهو ما أعلن رسميا من غلق المؤسسات بمختلف مجالاتها وترك ملايين العاملين عاطلين، بتعويض أو بدونه.

وأجرى باحثون من جامعة كينغز كولج في لندن والجامعة الوطنيّة الأسترالية هذا التحليل الذي نشره المعهد العالمي لبحوث اقتصاديات التنمية التابع لجامعة الأمم المتحدة. ومن شأن "حزمة الإنقاذ الطارئة للجميع" أن تمكّن البلدان الفقيرة من تقديم هبات نقديّة للأشخاص الذين فقدوا دخلهم وأن تنقذ الشركات الصغيرة الأشدّ عرضة. وسوف تسدّد تكاليف هذه الحزمة مجموعة متنوّعة من التدابير بما في ذلك: الإلغاء الفوري لمدفوعات ديون البلدان النامية التي تصل قيمتها إلى تريليون دولار في عام 2020.. وإنشاء تريليون دولار على الأقلّ من الاحتياطيّات الدوليّة الجديدة، المعروفة باسم حقوق السحب الخاصّة، لزيادة الأموال المتاحة للبلدان النامية.

وترى المنظمة في تحليلاتها ان الأثر الاقتصادي لهذه الأزمة ينتج عن أوجه انعدام المساواة القائمة. فمن غير المحتمل أن يجد أفقر العمال في الدول الغنية والفقيرة عملا منظما، أو أن يتمتعوا بحماية العمل مثل الحق في الإجازات المرضيّة، أو أن يتمكنوا من العمل من منازلهم. وعلى الصعيد العالمي، لا يحصل سوى واحد من كل خمسة عاطلين عن العمل على إعانات البطالة. ويعمل مليار شخص في القطاع غير المنظم ولا يتمتعون بإجازات مرضية مدفوعة الأجر- ويعيش غالبيتهم في البلدان الفقيرة حيث 90 في المئة من الوظائف غير منظمة مقارنة بنسبة 18 في المئة فقط في الدول الغنيّة.

وترى المنظمة في تقريرها ان النساء تقف على الخطّوط الأمامية في الاستجابة لفايروس كورونا ومن المرجح أن يكنّ أشدّ المعرضين للمعاناة من الناحية الماليّة. وتشكل النساء 70 في المئة من العاملين في مجال الصحّة على الصعيد العالمي، وتوفّرن 75 في المئة من الرعاية غير مدفوعة الأجر، ويعتنين بالأطفال والمرضى والمسنّين. ومن المرجّح أيضا أن تعمل النساء بأجور زهيدة في وظائف غير مستقرة ستكون هي الأشدّ عرضة للخطر.

وتقدّر الأمم المتحدة أنّ دعم البلدان النامية لمواجهة هذه الجائحة سيتطلّب 2.5 تريليون دولار واضافة 500 مليار دولار من المساعدات الخارجيّة. ويشمل ذلك مبلغ 160 مليار دولار وفق تقديرات منظّمة أوكسفام لتعزيز أنظمة الصحّة العامّة في البلدان الفقيرة وملياري دولار لصندوق الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانيّة. ويمكن أن تحشد ضرائب التضامن الطارئة، مثل فرض ضرائب على الأرباح الاستثنائيّة أو على أغنى الأفراد، موارد إضافية، وهو ما جرى الحديث فيه عن ثروات طائلة لأفراد مثل الفنانين والرياضيين واضرابهم.

كتب الكاتب البريطاني دانيال فينكلشتاين، في صحيفة التايمز البريطانية،(2020/04/11) ان فايروس كورونا لا يحترم أحدا ولا يعرف الحدود، ولا يعترف بزعامة الولايات المتحدة، إنه لا يتكلم الإنكليزية ولا أي لغة محددة وهو لا يقطن في دولة بعينها، بل هو أزمة دولية واختبار عسير للنظام العالمي القائم، فالأمر المميز في هذه الأزمة هو امتحانها لرد كل دولة بصورة منفردة على الوضع القائم لديها ولكن أين القيادة الدولية لمواجهة ذلك، وأين الريادة الأمريكية المفترضة للرد على هذا الفايروس؟.

ومضى الكاتب: "هذا اختبار قاس لزعيم العالم الحر، ولكن الآن لا يوجد زعيم لهذا العالم، لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير قادر في الأصل على قيادة رد الفعل الأمريكي تجاه الأزمة، ناهيك عن توجيه أو إلهام المؤسسات الدولية، في كل الأحوال فإنه ليس مهتما بفعل ذلك، وإذا كان لديه هذا الاهتمام فمن ذا الذي سيقوم باتباعه وهو يترنح، ويطلق عباراته الغاضبة خلال مؤتمراته الصحافية المشتتة!".

واعتبر أن ترامب يجسد تراجعا أمريكيا يتسارع مع الوقت، فبينما تراجعت الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة إلى صفحات التاريخ، فإن الكثير من الأمريكيين يخشون من مسؤولياتهم الدولية، ويعتقدون أن القيادة الدولية تكلف أموالا وجهدا وطاقة وأرواحا أمريكية، ويعتقدون ربما على سبيل الخطأ، أن هذا لا يضع الطعام على الموائد الأمريكية أو يجعل أمريكا في مأمن.

وأنهى فينكلشتاين مقاله: "مهمتنا عندما ستنتهي تلك الأزمة، أن ننضم إلى دول أخرى، ونؤسس هيكلا عالميا لا يعتمد فقط على الولايات المتحدة، وأن نبدي استعدادنا لتمويل ودعم هذا الكيان، وأن نقبل المسؤولية المشتركة، التي تركناها للولايات المتحدة فقط ولفترة طويلة.."

باختصار شديد، قدم فايروس الكورونا الى العالم دروسا، منها اعادة النظر برؤية ستراتيجية للامن البشري والعمران الإنساني، وأن يكون معيارها الإنسان كإنسان، وان تقوم الدولة بدور أساسي في التخطيط والتنمية لخدمة الإنسان، فردا وجماعة، وليس اللأغنياء وحدهم أو ما يقررونه في نهاية المطاف.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم