صحيفة المثقف

حقوق البشر في زمن كورونا

علي ناصر الركابياجتاح فيروس كورونا البشر في كل بقاع الأرض، ولم يعرف أو يفرق بين الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الطفل او الشاب او العجوز.. وكأنه أمبراطورية بيولوجية مدمرة للبشرية ولجميع مفاصل الحياة التي تعطلت من جرائه. وما على جميع المجتمعات والحكومات والأفراد إلا الإتحاد والتعاون والتضامن بشتى طرق الإنسانية النبيلة في هذا الإمتحان الصعب، للتصدي معاً للفيروس والتخفيف منه كخطوة أولى على أقل تقدير ومن ثم وقف انتشاره والقضاء عليه تماماً، لاسيما وان فيروس كورونا هو اختبارلأنظمتنا وقيمنا وإنسانيتنا.

حقوق الإنسان كثيرة، وأحترامها واجب على جميع الحكومات وفقاً للقانون الآلهي والوضعي، فهي ليست منَه او هبه او منحه من فرد الى فرد او من الدولة للفرد،  فكما تترتب على الشخص إلتزامات، يكتسب هذه الحقوق في زمن الحرب أو السلم على حدٍ سواء. حيث أن حقوقه ظلت دائما تطرح في حالات الحروب والأوبئة، وفي الحالات التي يفرض فيها الوضع تقييد وتعليق بعض الحقوق لحماية حق آخر أسمى وهو الحق في الحياة، حيث إنه إذا قابلنا هذا الحق مع الحق في التنقل أو التجول أو السفر فهو أسمى وهو أساس هذه الحقوق، لأنه في حال انتفاء أو تهديد الحق في الحياة، فإن باقي الحقوق لن يكون لها معنى من حيث تدرجها في سلم الأولوية الحقوقية، خاصة وأن الإجراءات التي تم الإعلان عنها وبموجبها تم تعليق ممارسة بعض الحقوق كالحق في التنقل الوارد ذكره ، كانت لحماية الحق في الحياة وليس لخرق المبادئ الكونية المتعارف عليها حقوقيا والمنصوص عليها في المواثيق والصكوك الدولية.

ألمح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى إمكانية اعتماد "تطبيق إلكتروني" مثل الذي فرضته الصين على شعبها، لتتبع حالات المشتبه في حملهم الفيروس الخبيث، ما سيمنح السلطة في فرنسا ضوءاً أخضر لاقتحام الحياة الخاصة للناس. وإذا كان هذا ما يفكّر فيه رئيس دولة ديمقراطية، فما بالك في دولٍ لا تُراعي أنظمتها أي حساب في إنتهاكها حريات وحقوق شعوبها !

من وجهة نظر أحد الكتَاب، يؤكد الخبراء اليوم أن الأزمة العالمية التي أحدثتها جائحة كورونا ستكون لها آثار وخيمة على الاقتصاد وعلى الناس، وسيكون لها ما قبلها وما بعدها، وقد كشفت عن أخطار كثيرة تتهدد المجتمعات والتحديات التي ستواجهها مستقبلاً، إنْ لم تتبنّ نماذج اقتصادية ونظماً سياسية تُراعي، أولاً وقبل كل شيء، حقوق الناس وحرياتهم، وإلا فإن الشعوب التي عاشت هذه المحنة ستُفرز حركاتٍ اجتماعيةً وجماعات شعبيةً تسعى إلى صياغة بدائل للنموذج الاجتماعي الاقتصادي السائد حالياً. فهذه الأزمة بقدر ما أرعبت الناس وأضرّتهم فتحت عيونهم على حقوقهم، وجعلتهم يحسّون بأهمية التمتع بحريتهم وممارستها لحمايتها.

هناك سباقات مهمة في زمن كورونا من أجل حماية الناس وضمان حقوقهم:

- سباق مع الزمن للحد من انتشار المرض ..

- سباق من تأمين الرعاية الصحية للمصابين ..

- والسباق الأهم هو لإيجاد علاج أو لقاح يحمي الجميع من الإصابة ..

ان طبيعة الازمة الصحية أجبرت القطاع الطبي عامة على العمل بسرعة غير مسبوقة في سعيهم لإيجاد حلول في إنقاذ مئات الآلاف من المصابين حول العالم والحصول على نتائج سريعة في محاولة لاخذ الموافقات المطلوبة لاعتماد هذه العلاجات.. من هذا فأن حقيقة أي عقار أو لقاح يحتاج الى أكثر من سنة من التجارب السريرية قبل إمكانية أستخدامه وفقاً لتأكيدات منظمة الصحة العالمية.. وهنا يبقى السؤال هل سننتظر كل هذا الوقت حتى نعود الى حياتنا الطبيعية ؟

هناك العديد من الأسئلة أصبحت لحد الان بدون جواب والتي حيرَت كافة شرائح المجتمع:

هل تصبح حقوق الإنسان ضحية الجائحة؟ هل تبقى الديمقراطية معلقة في عهد كورونا؟ هل كورونا ذريعة لانتهاكات حقوق الانسان؟ هل تستغل الدول العربية الفرصة لإنتهاكات حقوق الانسان؟ لاسيما في ظل وجود أنظمة تعمل على تعزيز أجهزتها الأمنية دون أي ضوابط. وهل حق التظاهر احتجاجاً على إجراءات  الإغلاق والمثبت دستورياً محمي حتى في زمن كورونا؟ هل تبذل الحكومات جهودا إضافية لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الاستجابة للجائحة؟ عن هذا قالت جين بوكانان، نائبة مديرة قسم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في هيومن رايتس ووتش: (الأشخاص ذوو الإعاقة هم من الفئات الأكثر تهميشا وتعرضا للوصم في العالم، حتى في الظروف العادية. ما لم تتحرك الحكومات سريعا لإدراج ذوي الإعاقة في استجابتها لفيروس كورونا، سيتعرضون بشدة لخطرالعدوى والموت مع انتشار الجائحة).

ماجاء بقول احد المحللين في الشأن السياسي بأن العالم لن يبقى على الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة ومخالب الرأسمالية المتوحشة تحكمه، ولن يبقى الدولار سيدأً على العملات وضمن سياسة نقدية شمولية تسمى ب ” دولرة العملة “ بالعالم. فالرأسمالية الأمريكية باتت تترنح أمام اقتصاد الصين المتنامي الذي لم يتصف بهوية اشتراكية ولا رأسمالية، والصين الصامتة هي بذات الوقت فاعلة وبقوة بما يعكس طبيعة الحضارة الصينية ” الكونفوشيوسية “ التي تعمل بلا كلام. فالعالم اليوم يقوده الإعلام ويحركه الاقتصاد، وتعزز الأقوى فيه مستوى الخدمات والعدالة الاجتماعية، أما قوة السلاح فتراجعت الى المرتبة الثالثة، ولم يعد السلاح الفتاك والنووي ضمانة العالم المتقدم، فاقتصاديات المعرفة وتكنولوجيا المعلومات وتنامي الاقتصاد الشامل الذي تتمتع به الصين واليابان والهند سيجعلها في مراتب عليا متفوقة على الولايات المتحدة ، وجائحة كورونا هي حرب كونية من نوع جديد ستفرز نظام عالمي جديد تبرز فيه السلطة الوطنية ومركزية الحكم للواجهة في إدارة الدول، وتنامي قوة الهوية القومية وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية، مع تحقيق توازن بيئي في كوكب الأرض والخلاص من طغيان الإنسان في ظل الرأسمالية العالمية.

مهما كانت تأثيرات كورونا على البشر، ورغم كل النتائج المؤسفة والتي راح ضحيتها موتاً أم إصابة الآلاف من الناس، ورغم كل الجهود المباركة التي بذلتها الحكومات والجيوش البيضاء (رجال الطب)، إلا اننا لا ننسى حق المطالبة القضائية ضد مسبب هذا الفيروس المصطنع، فرداً كان أم دولة. يجب أن يحاكم مقابل فعله الدنيء هذا، بغض النظر عن أسباب هذا الفعل، تجارية، أقتصادية، سياسية أوغيرها..

فما ذنب الأرواح التي حصدها الفيروس؟ ماذنب حياة الناس التي تعطلت منذ أشهر مضت والذاهبة الى مصير مجهول؟ ماذنب توقف الكثير من شركات ومؤسسات ومنظمات الدول؟ ما ذنب الفقير وأصحاب الدخل اليومي ؟ ماذنب الأطفال حبيسي البيوت؟ ثم ما ذنب تعرض البنات او السيدات الى العنف الاسري والوارد من أتفه الأسباب؟ بما ان البيت هو واحة الأمان  للمرأة، ولكن تزايد حالات العنف المنزلي والأسري جاءت بكثير خلال فترة الحجر الصحي.

خلاصةٌ لما تقدم ذكره وعلى الرغم من أن الدول تتمتع بالحصانة القانونية، إلا أن هناك محاولات لإستغلال إستثناءات في القوانين التي تسمح للأشخاص بمقاضاة الدول التي تلحق الضرر بالأشخاص وبممتلكاتهم وتحديد المذنب الذي يجب عليه دفع فاتورة الوباء. وعليه فأذا لم تنهض المطالبة القضائية ، فأعتقد سيعاد ذات السيناريو البيولوجي ولكن بمسميات أخرى تحقيقاً لرغبات ومكاسب ومنافع خالق هذه الكارثة.

 

الدكتور علي ناصر الركابي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم