صحيفة المثقف

قانون الحرية وفقا لمفهوم العدالة

عقيل العبودالحرية بمفهومها البسيط عكس العبودية، وهي معناها ان يكون الإنسان حرا في نفسه، واختياراته، وقراراته، وجميع ما يتعلق بأمور حياته، اي ان لا يكون عبدا مملوكا لأحد.

وقد ورد عن الإمام علي (ع) (لا تكن عبد غيرك وقد ولدتك أمك حرا). اي لا تقبل بعبوديتك لأي اِنسْـَان.

والمعنى، ان هنالك نهيا مطلقا عن العبودية، وهذا النهي هو امر متعلق بقضية حياة الإنسان وكرامته وحقه المصيري في الإنسانية، وحق من معه.

حيث لا يحق للإنسان ان يتسيد مصير اخاه الإنسان من جانب، ولا يحق له ان يكون تحت مظلة هذا التسيد من جانب آخر.

كونه أي الإنسان عندما يسلب حقه فسوف يجري هذا السلب على من يتبعه، أوعلى من يأتي بعده، فالعبد لا يتزوج بحرة، والحرة لا تتزوج بعبد، باعتبار انه بموجب قانون العبودية سيتم تقسيم المجتمعات الى اسياد وعبيد وهذا التقسيم سوف يؤثر على قانون العدل الاجتماعي، وستكون هنالك فوضى اخلاقية في المجتمع، وهذه الفوضى ستتحكم بمصير الابناء.

فالجنس الإنساني مكرم عن باقي اجناس الخلائق بعقله، وكبريائه وحسه وقدرته على تطويع الأشياء والمسميات والموضوعات، كالعلم، والعلاقات الاجتماعية، وطريقة التفكير، والتعايش وذلك وفقا لنظام اخلاقي معين؛

ما يجعله متمكنا في إدارة حياته بما يتناسب وحقوق الآخرين، ذلك بحسب قاعدة الضمير الأخلاقي التي نشأت بالفطرة مع سلوك وتوجه الإنسان، فالإنسان بالفطرة يرفض القبيح من المسميات كالسرقة والقتل والكذب والخيانة، وإيذاء الآخرين، وبالمقابل بالفطرة يحب الجمال والصدق والشجاعة، والإبتعاد عن الأذى.

والنقطة الجوهرية هنا هو ان العقل يمثل الجهة التي بها يرتبط هذا الإنسان بالواقع ومفرداته المختلفة ومتعيناته المتشخصة ذلك من خلال وجوده الحسي.

فالأحكام الحسية تعمل بجانب العقل على تشفير مفردات الواقع بناء على طبيعة تفاعلها، وهذا التشفير مهم للتمييز بين الصح والخطأ.

والصح والخطأ هنا قضيتان نسبيتان لهما علاقة بمستوى النضج العقلي للإنسان، حيث على أساس هذا النضج تتقرر احكام العقل والسلوك.

فالعقل السوي مثلا هو العقل الذي يفهم ان هنالك ضرورات ومبادئ يجب العمل بموجبها والإحاطة بها على أساس التمثيل الأخلاقي والقانوني ذلك لحماية حقوق الناس والمجتمع.

باعتبار ان الحرية لا تخص حياة الفرد وحده، إنما هي ضرورة اخلاقية تتعلق بوجود الآخرين، فلا حرية للفرد على حساب الجماعة، ولا حرية للجماعة على حساب حقوق الفرد، وهذا الموضوع يدخل فيما يسمى بعلم الاخلاق (deontology).

والذي يعرف بحسب ما ورد في قاموس الترجمة الإنكليزية-العربية*:

ethics, study of the obligation to do good deeds

ما معناه وجوب الالتزام الأخلاقي بالعمل الصحيح، والعمل الصحيح هو نتاج منظومة النفس السلوكية وارتباط هذه المنظومة بالقواعد الاخلاقية والتي منها تتفرع قوانين الفضيلة والعدل، ما يسمى

 the rules of fairness and virtue

 

فحقوق الناس جزء من قاعدة الالتزام والانضباط الأخلاقي، ومن هنا يترتب على العقل ان يفهم معنى العدالة والتي من شروطها التحرر من انا الذات وتطويع النفس على مبادئ احترام النفس الانسانية اي احترام حقوق الناس وحرياتهم طبقا لقاعدة العدل الأخلاقي والإنساني.

فتمرد العامة على الحكومات المستبدة مثلا هو انعكاس ونتيجة لعدم الالتزام بمبادئ وشروط نظرية العدل.

فالعقل الجيد هو الذي يقدر ان يحكم ويضع قوانين السلوك الصحيح للعدالة الاجتماعية، فإن امتلك الحاكم عقلا جيداً مثلا، فسوف تمتلك المعية حياة جيدة، والعقل الجيد لا يخص الحاكم فقط، بل الآخرون ايضا.

If we have a perfect mind, we will have a good life and a good society.

لذلك ووفقا لهذه القاعدة فان الله يختار الأنبياء لتطبيق شروط العدالة الإلهية في الأرض كمنهج سماوي ثابت كما ورد في القران في سورة طه الآية ١٣:

(وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري).

وهذا الاختيار مشروط بالالتزام بالمبادئ الإلهية من خلال العبودية الخالصة الى الله.

فالعبودية الى الله تعني تحرير الذات من شرنقتها والانطلاق بها الى فضاء العدل الإلهي.

حيث بموجب هذه العبودية يصبح لقيد العبادة سلطة عليا لنهي الذات عن الخضوع لسلطة السلطان التي تمثل السلطة الدنيا.

وهذا التحرر بموجبه يتحقق العدل كونه به يصبح الإنسان قادرا على فهم حاجيات الآخرين من خلال فهم واجباته الأخلاقية تجاههم، وبه اوعلى اساسه يضع الإنسان مقاييس الحق والباطل، ذلك بعد تحرره من وهم استبداد السلطة.

 

عقيل العبود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم