صحيفة المثقف

مصدق الحبيب: منظرو الاقتصاد (1): آدم سمث

(1723 – 1790) Adam Smith

هو الفيلسوف والاقتصادي الاسكتلندي، ومن أبرز شخصيات الفكر والثقافة في عصر التنوير الذي شاع في اسكتلندا خلال القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر.  ورغم انه تخصص في فلسفة الاخلاق وكتب في السلوك الانساني والقانون، الا انه درس الاقتصاد بشغف وكتب عن موضوعات أصيلة هامة ووسع مفاهيم رئيسية اسهمت في وضع القاعدة الاساسية للمنهج الاكاديمي في دراسة موضوع الاقتصاد وما سمي فيما بعد بالاقتصاد الكلاسيكي. وهذا ما منحه سمعة ولقب "أبي علم الاقتصاد الحديث".  فكثير من المفاهيم التي يتداولها اقتصاديو اليوم كانت قد طرحت أو طورت لأول مرة من قبل آدم سمث وسط الكثير من الجدل واللغط والاختلاف.

ولد سمث في قرية صغيرة في منطقة كركالدي Kirkealdy الاسكتلندية عام 1723. وكان قد ولد وعاش يتيما حيث توفى والده قبل ولادته بشهرين، فنشأ وترعرع برعاية والدته الأرملة التي تفرغت للاهتمام به ولم تتزوج بعد أبيه.  كان والده رجلا متعلما وشغولا يعمل في سلك الادارة المحلية للمنطقة كموظف مسؤول عن جباية الضرائب وتنظيم الحسابات والنظر في شؤون الحق العام. ولم يسعف آدما الحظ ليرى اباه ويحظى برعايته، فكان قدر الام الملتزمة ان ترعاه لوحدها وتكافح كثيرا من أجل نشأته الصحيحة وتعليمه العالي، فأدخلته افضل المدارس وشجعته على الجد والسعي لمستقبله، وهكذا فقد دخل آدم جامعة گلاسگو بمنحة جامعية لدراسة الفلسفة الاخلاقية وهو بعمر 14 عاما. ومباشرة بعد تخرجه ذهب لاكمال دراسته للادب الأوربي في كلية بوليول Balliol في جامعة أوكسفورد الانگليزية. لكنه سرعان ما نفر من أجواء أوكسفورد الاكاديمية والاجتماعية التي وجدها متزمتة فكريا ومتعالية اجتماعيا وخانقة لتطلعاته التحررية. كان سمث قد وصف وضع اوكسفورد الاكاديمي بأنه أقل جدية وأقل ليبرالية من گلاسگو، مما سبب له متاعبا نفسية وكآبة مستمرة أدت به لترك الجامعة عام 1746، قبل اكمال برنامجه الدراسي فيها. يذكر سمث حدثا واحدا كان له اثره البليغ عليه وهو ان سلطات الجامعة كانت قد عاقبته للمجرد انها مسكت به وهو يقرأ كتابا لديفد هيوم عنوانه "رسالة في الطبيعة الانسانية" الذي صودر من حوزته بالقوة ولم ترجعه ادارة الجامعة اليه حتى بعد معاقبته! ويذكر انه كان يرى اغلب المحاضرات كليلة ومملة ولا تثير الانتباه ولا تبعث على المتعة او التحفيز فكان يفضل ان يغيب عن بعض الدروس ويذهب ليعلم نفسه في مكتبة الجامعة الفخمة. ولم يكن ذلك غريبا بالنسبة لشاب متقد الذهن اختار حقل فلسفة الاخلاق لانه توسم فيه الشغف بموضوعات الحرية والواجب والمنطق والحق.

بعد تجربته المخيبة في أوكسفورد كان محظوظا ان يُنتدب للتدريس في جامعة أدنبرة عام 1748. وهناك وجد البيئة الاكاديمية الملائمة له. فقد تعرف على الفيلسوف اللامع ديفد هيوم عام 1750 لتبدأ بينهما زمالة مثمرة وصداقة متينة رغم ان هيوم كان يكبره بعشر سنين. في عام 1751 اصبح سمث بروفسورا في المنطق لدى جامعة گلاسگو . وفي عام 1752 انتخب عضوا في جمعية الفلسفة في أدنبرة، وفي عام 1753 أصبح رئيسا لقسم الفلسفة الاخلاقية في جامعة گلاسگو، وبقي يمارس عمله الاكاديمي لغاية 1761، وهذه هي فترة الثلاثة عشر عاما التي كتب عنها فيما بعد واصفا اياها بأجمل ما كان في حياته من سنوات وأكثرها ازدهارا وانتاجا.

في عام 1759 نشر كتابه الأول الهام وهو بالاساس تنقيح لمجموعة المحاضرات التي ألقاها في گلاسگو وأدنبرة، وكان بعنوان "نظرية العواطف الاخلاقية" The Theory of Moral Sentiments الذي كان كشفا عن الموقف الانساني الاخلاقي في المجتمع في ذلك الوقت ومحاولة لتفسير طبيعة العلاقة الانسانية بين الفرد والمجتمع، وتتبع مصدر ما نسميه الضمير الانساني وارتباطه بالعلاقات الاجتماعية، وكذلك قابلية المرء على تكوين الاحكام الاخلاقية على الآخرين والاحداث. يرى سمث ان الضمير الانساني يتبلور من خلال تفاعل المرء مع نمط العلاقات الاجتماعية السائدة مما يجعله يسعى للفوز بالتعاطف المتبادل مع مجتمعه. على ان تحقق هذا الحال الهارموني يقود الفرد والمجتمع للعمل معا من اجل الصالح العام.

كما يرى سمث ان مجمل هذه الموضوعات تستند بشكل رئيسي على ما اسماه بالـ "تعاطف" Sympathy المراد به قابلية المرء على تقمص ما يشعر به الآخرون والاعتراف بتأثيره فيهم والتجاوب معهم بموجب تلك المشاعر. كان ذلك مخالفا لما رآه استاذه هچسن Hutcheson بأن العلاقة بين الفرد والمجتمع تتمحور حول الحس الاخلاقي، وكذلك خلافا لما رآه صديقه هيوم بأن تلك العلاقة تستند أساسا على المنفعة.  لقد ساهم بحثه في هذا المجال الى ان يعرج به طريقه الى ناحية الاقتصاد، فبدأ يركز دراسته فيه وكذلك في موضوع فلسفة التشريع Jurisprudence حتى انه حصل على الدكتوراه فيهما من جامعة گلاسگو عام 1762.

في عام 1763 عرض وزير الخزانة الاسكتلندية چارلس تاونسند على سمث أن يقبل وظيفة استاذ خصوصي لابن زوجته هنري سكات دوق مقاطعة بكلوBuccleuch . ولأن هذا العرض كان مترعا بالكثير من الامتيازات الاجتماعية والمالية، فقد آثر سمث ان يستقيل من عمله الجامعي مباشرة ويبدأ العمل بوظيفته الجديدة.  وفي عام 1764 رافق الدوق في جولة أوربية شملت عدة عواصم منها باريس ولندن وجنيفا فكانت هذه صفحة جديدة فتحت لسمث آفاقا ثقافية مختلفة. وخلالها التقى وتعرف على عدد من المفكرين البارزين آنذاك منهم الفرنسي فولتير Voltaire والامريكي بنجمين فرانكلنB. Franklin الذي اصبح فيما بعد احد الاباء الامريكيين المؤسسين. لكن أكثر ما أثر في سمث هو الفرنسي فرانسوا كوسني Francois Quesnay مؤسس المدرسة الفيزيوقراطية التي كانت اكتشافا جديدا بالنسبة لسمث فتعرّف على اقطابها عن قرب وانبهر بمبادئها. والفيزيوقراطية Physiocracy مذهب اقتصادي كان احد ثمرات عصر التنوير الفرنسي. ومبادؤها الاساسية هي ان قيمة الثروة الوطنية ترجع الى قيمة الارض والعمل الانتاجي المرتبط بها سواء كان زراعيا ام صناعيا ام تجاريا. وبهذا فهي مخالفة للمركنتيلية Mercantilism  التي شاعت آنذاك والتي وضعت ثقل الثروة الوطنية في القيمة التراكمية للمعادن الثمينة كالذهب والفضة والنشاط التجاري المرتبط بهما، مما اعطى الاولوية للتجارة الخارجية مع البلدان الاخرى خاصة تلك الغنية بالثروات، وهذا ما آل الى النشاطات الاستعمارية والحروب. على ان الفيزوقراط هم الذين أشاعوا المنهج الفلسفي الداعي الى الفردانية والمنفعة الشخصية وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وضرورة عزوفها عن استخدام ادواتها التشريعية لمراقبة وتنظيم عمل السوق. وكان أبلغ ما عُرف عنها مبدأ "دعه يعمل دعه يمر، فالعالم يدور بذاته"

Laissez faire et Laissez Passer le monde va de lui meme

الذي تأثر به سمث فاعتنقه وطوره الى فكرة ان السوق الاقتصادي سيعمل ذاتيا ويصحح الاختلالات بنفسه دون الحاجة الى تدخل أي جهة. وبذا كان هذا المبدأ أحد الركائز الاساسية في عمل سمث الثاني الاكثر اهمية والابلغ تأثيرا في تاريخ نشأة النظرية الاقتصادية من عمله الاول. ذلك هو كتابه الرئيسي "ثروة الامم". ففي عام 1766 انهى سمث عمله مع الدوق فعاد الى مسقط رأسه وكرس نفسه لاكمال كتابه الثاني بخمسة اجزاء والذي نشره عام 1776 فاصبح احد الاصول في علم الاقتصاد.  ومازال هذا الكتاب يطبع ويدرّس في كليات الاقتصاد في كل مكان حول العالم. كان عام 1776 حلوا مرا في ذائقة سمث، فهو العام الذي تمكن فيه من انجاز ونشر كتاب العمر، والعام الذي وقع فيه صديقه بنجمين فرانكلن وثيقة استقلال بلاده، لكنه العام الذي توفى فيه صديقه الحميم ورفيقه الفكري ديفد هيوم. في عام 1778 عُين سمث رئيسا لمديرية الگمارگ في اسكتلندا، وبين عامي 1787 و1789 اصبح لوردا فخريا. وفي 1790 توفي ودفن في مسقط رأسه كركالدي.

المنجز الثاني الاهم لسمث هو كتاب "ثروة الامم" الذي نشرعام 1776 بعنوانه الكامل" بحث في طبيعة واسباب ثروة الامم"An Inquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nations والذي جاء بخمسة اجزاء. وكان بمثابة الشرارة الاولى في بناء القاعدة الاساسية للمنهج الاكاديمي في دراسة الاقتصاد وتطوره كعلم حديث. قدم سمث في ثروة الامم معالجة نظرية جديدة لقضايا اقتصادية حيوية بمفاهيم لم يسبر اغوارها احد قبله بهذا المنطق التراتبي الواضح، كتفسيره لاصل الثروات، واعادة الانتاج، وتقسيم العمل، والسوق الحرة واليد الخفية، والامتيازات المطلقة، والازدهار الاقتصادي، والناتج المحلي الاجمالي، والمنافسة العادلة، وكثير غير ذلك.

يعتقد سمث ان ثروة الامة تعكس حالة مواطنيها المنتجين الذين يسعون ما بوسعهم لخدمة انفسهم وعوائلهم أولا، وكنتيجة طبيعية سيخدمون مجتمعهم ووطنهم. فالفرد الحكيم المسؤول يعمل ليحصل على دخله الذي سينفقه في السوق لسد حاجاته المختلفة. وان تمكن من الادخار قدر المستطاع فان مدخراته ستستثمر من قبل البنوك والشركات التي تمنحه عائدا على شكل فائدة، وفي نفس الوقت تقوم هذه البنوك بمنح الاموال المدخرة كقروض للشركات التي تسعى لفتح مشاريع جديدة او تقوم بتوسيع مشاريعها القائمة. كما تمنح البنوك وشركات الاستثمار مساعدات وتسهيلات لمختلف المتاجر والمزارع والمصانع. وهذه بمجموعها ستقوم بتأجير العمال وشراء المواد الاولية وتأجير الاراضي والابنية وشراء المكائن والمعدات وتعيين الموظفين. وكل تلك النشاطات تسفر عن استلام دخول كثيرة ستنفق في شراء السلع والخدمات وتزيد من الادخارات التي تتحول الى استثمارات. وهكذا تزدحم السوق الاقتصادية بالمشترين والبائعين وتكثر البضائع وتنخفض الاسعار وينعم الجميع بالازدهار الاقتصادي.  ولا يغفل سمث ان يذكر ان كل تلك النشاطات الكثيرة والمتداخلة في النظام الاقتصادي تحتاج اطارا قانونيا دستوريا لتنظيمها وتأمين حرية العمل للجميع وحماية كل الاطراف من الجشع والظلم والتجاوزات والسرقات. ولذا فقد أكد على الحكمة والتدبر والنظر في العواقب والعدالة كفضائل رئيسية لادامة علاقات التفاهم بين الناس وهي ما تقود الى العمل الجاد والمخلص.

وبذلك فان سمث ركز بالاساس على العمل الانتاجي وضرورة تقسيمه. وطريقة تقسيم العمل هذه Division of Labor ستقود الى زيادة الانتاجية مما يؤدي الى خفض الاسعار في ظل المنافسة الحرة فيؤول في المطاف الاخير الى رفع مستوى المعيشة العام، وهو الغاية النهائية لكل النشاطات الاقتصادية. تعمل هذه المنظومة بهدى المنفعة الذاتية للافراد وما تؤول اليه من تبادل المنافع بين الاطراف، وليس بوحي من الضمائر الحية للمواطنين، ولا بافضالهم على المجتمع.  يورد سمث مثالا على ذلك فيقول "ان توفر وجبة العشاء التي نتمتع بها ليست حاصلة نتيجة لعطف وكرم الجزار والخباز والفلاح وساقي الماء انما لان كل منهم يؤدي عمله لمصلحته الشخصية! ولكن بشكل جمعي فهم يخدموننا جميعا ويشبعون حاجاتنا.  وسيعمل المجتمع ونظامه الاقتصادي على هذا النحو الاوتوماتيكي الذي لايحتاج لمن ينظمه ويقرر نمط فاعليته، بل هناك ما اسماه سمث باليد الخفية التي تتولى تنظيم وموازنة كل شئ. وهذه اليد الخفية ليست بمفهوم الغيب والخرافة انما تعني النظام الذي يعمل ذاتيا والقائم على ثلاث ركائز:

1. المصلحة او المنفعة الشخصية للافراد وتبادلها مع مصالح الاخرين

2. المنافسة الحرة العادلة بين المنتجين والمستهلكين وجميع اطراف العملية الاقتصادية

3. قوى العرض والطلب في السوق التي تنزع الى التوازن الذاتي

على ان فكرة اليد الخفية وضمان السوق الحرة تستلزم عدم التدخل من قبل اي جهة من خارج هذا النظام وخاصة من قبل الحكومات او الهيئات الرسمية وغير الرسمية. وقد تطور فيما بعد مبدأ عدم التدخل الحكومي ليصبح سمة اساسية لتشخيص انظمة السوق الحر في مختلف البلدان. علما ان سمث لم ينكر ضرورة سيطرة الحكومات على انشطة معينة كالدفاع والصحة العامة والتعليم.

أما عن اعادة الانتاج، فقد استعار سمث وطور الفكرة الاساسية عن الفيزيوقراط. وتتلخص الفكرة الاساسية بتصور الانتاج يجري على مراحل حيث ان اعادة دورته وتكرارها والسير نحو الافضل يتطلب ان تكون مدخلات اي مرحلة أكثر من مدخلات المرحلة التي تسبقها، وان قسما من مخرجاتها يدخل كمدخلات في المرحلة التي تليها. أما تلك المخرجات التي لاتدخل في انتاج اي مرحلة فانها تعتبر عملا غير منتج Unproductive labor وهو الجزء غير الصالح للمساهمة في النمو والذي ينبغي تقليله الى ادنى حد ممكن من اجل ان تزيد نسبة الجزء الصالح للنمو. وهنا كانت فكرة سمث بضرورة تقسيم العمل لتشذيب وترشيد العملية الانتاجية ورفع كفائتها. على ان نظام تقسيم العمل اثبت عمليا انه يؤول الى زيادة الانتاجية وتقليل الهدر وتخفيض كلف المواد والعمل والوقت. وهنا يعطي سمث مثال صناعة الدبابيس فيقول:

يستطيع عشرة عمال ان ينتجوا 4800 دبوس في اليوم اذا ما توزعوا على خط المهمات المتسلسلة لصنع الدبوس. كل ينهي مهمته المناطة به فقط. وبذلك ستكون انتاجية كل عامل 480 دبوس في اليوم. أما اذا لم يتقسم خط الانتاج الى المراحل المتسلسلة ولم يجر توزيع العمال على مهماتهم الفردية ضمن خط الانتاج فان انتاجية العامل الواحد ستكون أقل بكثير وربما تصل الى الحد الادنى غير المقبول. وليس بخاف من ان هذه الفكرة هيأت لشعبية وشيوع خط التجميع ِ Assembly Line فيما بعد. كما انها جلبت اانتباها واهتماما دوليا، واشارت نظريا الى اهمية التعليم والتدريب مما آل الى انبثاق نظرية رأس المال البشري ونظرية التفاضل في الاجور Theory of Compensating Wage Differential. وهذه النظرية تقترح ان المهمات المتميزة بصعوبة تعلمها او المتميزة بخطورتها ينبغي ان تحظى باجور اعلى من اجور تلك المهمات التي لا تنطوي على صعوبة او مخاطرة، ذلك لان الناس سوف لا يجدون مبررا عقلانيا لتعلم مهن صعبة وخطرة الا اذا كانت تدر عوائدا مجزية.

ان اعادة الانتاج وزيادته وتحسينه ستقود الى توسيع الاسواق وتنظيم عملها واتاحة الفرصة للانفاق على البحوث والابتكارات والاختراعات والتي تسهم بدورها بتسهيل اعادة الانتاج وتحسينه كميا ونوعيا وتقليل كلف الانتاج وخفض الاسعار ورفع مستوى المعيشة بتحقيق الوفرة وزيادة الخير للجميع Universal Opulence.

ناقش سمث ايضا فكرة الانسان الاقتصادي Economic man الذي يسعى بطبيعته لتحقيق مصالحه الشخصية التي تصوغ بدورها سلوكه الاقتصادي. كما انه عرج على تحول المجتمعات عبر التاريخ من مرحلة الصيد والقنص حيث لم يكن هناك اي وجود للملكية الفردية ولا وجود للسكن الثابت، الى مرحلة البداوة والترحال، ثم مرحلة الزراعة التي تميزت بالتنقل الى حيث تتوفر متطلبات الزراعة، ثم مرحلة الاقطاع التي تركزت فيها حقوق الملكية بأيادي قليلة من المتنفذين، واخيرا مرحلة السوق الحرة التي اعتبرها مرحلته الراهنة آنذاك. وكان سمث مدركا للفروقات الطبقية في المجتمع الا انه لم يتعمق في دراستها مثلما فعل ماركس من بعده.

ومن المساهمات الهامة لسمث والتي مازالت حاضرة الى اليوم كما يدرسها طلاب الاقتصاد وهي موضوع الناتج المحلي الاجمالي (GDP) Gross Domestic Product. هذا المفهوم الاساسي في الاقتصاد أمس واليوم وغدا، كان قد صاغه آدم سمث في ثروة الامم. ويعني كل ما يُنتج من سلع وخدمات في بلاد معينة خلال سنة. ويقاس بموجب سعر السوق السائد لتلك السلع والخدمات خلال تلك السنة. ويعتبر مؤشرا رئيسيا لقدرة وصحة الاداء الاقتصادي.  والمفهوم الرئيسي الآخر الذي يتداوله طلاب الاقتصاد لحد الآن هو الامتيازات المطلقة لاقتصاد ما، والمقصود به مايمتاز به بلد ما من قدرات انتاجية افضل من بلاد اخرى مقارنة. كأن يتمتع بلد ما بامتياز انتاج النفط كسلعة ستراتيجية لاتتوفر لبلد آخر. علما ان مانعرفه اليوم من مقارنة بين الامتيازات المطلقة والنسبية لم يكن ضمن مناقشة سمث آنذاك، بل جاء عند ديفد ريكاردو الذي طور فكرة جون بابتيست سي.  

ومن الجدير ذكره في الختام هو ان حياة سمث الثرة بالفكر النير كانت قصيرة، نسبيا. فقد توفى عن عمر 67 عاما بعد ان اصيب بمرض مؤلم عانى منه كثيرا حتى وافته المنية عام 1790. ولابد هنا من ذكر بعض صفات سمث الشخصية التي دونها القريبون منه. تربى سمث في حضن والدته وبقي متعلقا بها وقريبا جدا منها لحين وفاتها التي تركت في نفسه فراغا كبيرا. كان شخصا خجولا متلعثما لايجيد المحادثة والتحدث في الحيز العام بقدر اجادته في الكتابة. وخجله هذا كان يصيبه بغمزة لاارادية تلازمه ان كان محرجا. كان يهمهم بالكلام لوحده ويمشي في نومه. وكان يعترف بعدم وسامته ولم يتزوج بل انجب طفلين خارج عقد الزوجية.

***

ا. د. مصدق الحبيب

.....................

مصادر مختارة

https://oll.libertyfund.org/people/adam-smith

https://www.biography.com/scholars-educators/adam-smith

Blaug, Mark (1986). Great Economists Before Keynes, Cambridge University Press

htt https://www.econlib.org/library/Enc/bios/Smith ..htmlps://www.britannica.com/biography/Adam-Smith

https://en.wikipedia.org/wiki/Adam_Smith

https://iep.utm.edu/smith/

https://www.investopedia.com/updates/adam-smith-econo https://www.adamsmith.org/about-adam-smithmics/

Schumpeter, Joseph (1954). History of Economic Analysis. Oxford University Press.

Skousen, Mark (2009). The Making of Modern Economics: The Lives and Ideas of the Great Thinkers. M.E. Sharpe Publications.

Smith, Adam (1759). The Theory of Moral Sentiments. Introduced by Amartya Sen, Cambridge Texts in the History of Philosophy. Penguin Classics (2010).

Smith, Adam (1762). Lectures on Rhetoric and Belles Lettres, Vol. IV of the Glasgow Edition of the Works and Correspondence of Adam Smith, Indianapolis (1984).

Smith, Adam (1776). An Inquiry into the Nature and Causes of the Wealth of Nations. Edited by Edwin Cannan and prefaced by George Stigler, University of Chicago Press (1977).

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم