صحيفة المثقف

قَلْبِي مشكاةٌ تتدّلى على نافذتِها

عبد الجبار الجبوريوآلتقى الليلُ بنجمةِ البحر، على ضفةِ البحر، تهامسَا، ثم مَضيّا الى ظلِّ شُجيرة، وإلتّف ظِلّهما على بعضٍ، ونامَا مدى الدّهر، كانَ الليلُ طويلاً، والطريقُ طويلاً، والشَعّرُ طويلاً، ولكنَّ الوقتَ ضيقٌ، والزمانُ بليدْ، مرةً ألقّتْ عليَّ ضحكةً، ومَضَتْ على صهوةِ الموجةِ الهاربة، كانت الموجةُ تمشّطُ شَعرَ ليلِها، وليلُها يَمشي على الماء، ويطلعُ من بين نهديّها قَمرٌحزينْ، تموتُ على شَفتي الأغاني، وتتيبّسُ الكلماتُ، كلّمّا مَرَّ (طارٍ لها) يَجفلُ الكلام، قلتُ لقلبي دَعهمْ (صَاروا بَعيديِن) لم يسمعْ قَولي، يذوبُ كالصَّخرِ قلبي، ولكّنهُ لايتوبُ، صِحْتُ يا.....، فإحمَّرَ وجهُ القصيدةِ، وإبيّضَ لونُ البَحر، وفاضتْ عيناي بالدمّوع، قالتْ لديّ مُتسّعٌ من البُكَا،  فلا ترسمَ الوّشمَ على جسدِ القصيدة، بل إرسمْ الحُزنَ فقط، ولوّنهُ بلونِ البَّحر، فهناك مُتسعٌ لوَجعِ القلبِ، هذيْ روحي، تناثرتْ نجومُها على الطريق، كحبّاتِ مسبحةٍ، ويبُستْ كقُبلةِ على وجهِ ليلٍ طَويلْ، هكذا كلُّ الذينَ نُحبّهم يرحلونْ، أورثتنّْي حزنَها، وتلك الدموع، وقالتْ للأرضِ، قِفي أيتُّها ألأرضُ، فوقفتِ الارضُ وضحكتِ مِلء شدقييّها السّماء، لماذا، كُلمّا لوّحتْ بشعرِها الطويلْ، وقامتِها الطويلةِ،  تناءتِ الغيومُ،  وزعلَ المَّطر، أناديها من وراء الغّيم، تعالي لنقتسمَ الدّموع، نِصفُها لكِ، ونصفُها الآخر أيضا لكِ، وأتركُي لِي، كلَّ مايتساقطُ على أديمِ الشَّجر، وكمشةٍ من باقةِ حزنٍ قديم، وإرحَليْ الى جزرٍ ليسَ فيها سَماءٌ، وليسَ فيها غيوم، ولا نجومٌ ولاقمرْ، دَعيني وحْديْ أُقبِّلُ يدَّ الله،  أنت ِخَلقَتِ من ضِلعٍ أعوجٍ كظلٍ أعوجٍ، ولنْ تَستقيمِ، وإنكسرَ رُمْحيْ، وما أستقامَ إعوجّاجكِ العظيمْ، بعيدةٌ تلك الدّيار، أصابَها سَهمُ النَّوى، وما إستفاقتْ أيائلُ الكلام، كانَ المدى سَيفاً وزيفْ، كان المدى أغنيةً وظِلَّ طَيفْ، نذراً عليّ لوعادوا إليّا، وإنْ رَحلوا، لأمطرّنهم بالورّد وبالقُبَلِ، ولكنّهم زَرعوا وَتداً في القلبِ ورَاحوا، وكُلمّا رأيتُ شالهَا الأحمرَ، يُلوّحُ لِي من وراء الأفقِ، يورق القلب بأريج القُبَلْ، كأنهُ (لم يحزنْ على إبن طريف)، ياااااه، كم أُعللّ نَفْسي، ولكنَّ نَفْسي لاتعرفُ المَلَلَ، أحنُّ الى طلتِّها، وهي تدلفُ بهَو قَلبي، أحنُّ الى قامتِها، وهي تهبطُ من سماواتِ القُرى،  أحنُّ الى ضحكتِها الذهبيةِ، التي تملأُ روحي بالفرَح، أحنُّ الى لفتةِ عينيّها، وهما تختصرانِ ألفَ حِكايةٍ وحِكايةْ، أحنُّ الى نهديّها الغارقين في أنوثةِ الكلام، والهاربان كمُهرةٍ على صهوةِ الزَّمان، يقتلُني الظمأُ على باب دمعتي، وأنتظرُ أنْ يُلوّحَ لِي شالُها الاحمرُ ثانيةً، ولنْ يلوّحَ....

 

عبد الجبار الجبوري - الموصل

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم