صحيفة المثقف

لهذه الأسباب استهدف القائمون على "أم هارون" الكويت

بكر السباتيننعم، لهذا السبب تستهدف الدراما الخليجية المجيرة لصالح صفقة القرن المهينة دولة الكويت ذات الركائز الوطنية المتينة.. ولهذا استشاط أفخاي أدرعي غضبًا لا بل وتحركت شهية الصهاينة للمطالبة بما ليس لهم حق فيه، تحديداً في الخليج وخاصة الكويت، عوضاً عن احتلالهم غير المشرع لفلسطين.

حدث ذلك في أكتوبر ٢٠١٧، حينما قال الشيخ الصباح خلال الرسالة التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية "كونا" في العشرين منه، وبالحرف الواحد، موجهاً كلامه لرئيس برلمان بلاده الغانم ومعبراً عن موقف الكويت الثابت تجاه القضية الفلسطينية.. الكويت التي شهدت تأسيس حركة التحرير الفلسطينية "فتح" وكان بعض كوادرها يساهمون في إدارة بلدية الكويت في مطلع ستينيات القرن المنصرم.. أمير الكويت (حكيم الخليج العربي دون منازع) قال:

"تابعنا بكل الاهتمام والتقدير ردكم الحازم على رئيس وفد الكنيست الإسرائيلي، وتصديكم له في الجلسة الختامية لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في مدينة سانت بطرسبورغ في روسيا على خلفية موضوع النواب الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ومطالبتكم للوفد الإسرائيلي بمغادرة القاعة".

وأشاد الصباح بموقف الغانم قائلا:

"الموقف المشرف كان محل تقدير ممثلي الدول العربية الشقيقة، والدول الصديقة المحبة للسلام في هذا البرلمان الدولي وهو يجسد جلياً موقف الكويت الداعم للأشقاء الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المشروعة، ونصرة قضيتهم العادلة".

وظل موقف الكويت ثابتاً على ذلك رغم كل الضغوطات التي تمارس عليه على خلفية صفقة القرن حيث أبى أن تكون مواقفه من مدخلاتها لأن مخرجاتها موصومة بالعار.

إذن ما العمل إزاء هذا التعنت الكويتي الرافض لصفقة القرن التي تتعارض مع مبادئ الكويت كونها جاءت لتصفية القضية الفلسطينية!؟

فكان أن التجأت عقول القائمين على مشروع التطبيع الخليجي إلى فكرة تضليلية، يطوقون من خلالها الكويت ويلوثون سمعة الإمارة بإنتاج مسلسل "أم هارون" التلفزيوني الذي يقوم على المغالطات التاريخية المقصودة، وتعويم الأكاذيب، من خلال قصة طبيبة يهودية في أربعينيات القرن الماضي، والتحديات التي واجهت أسرتها والجالية اليهودية في الكويت.

وكأنهم في ذلك يهيئون لتثبيت حقوق اليهود في الكويت وإنشاء ملف حقوقي على هذا الأساس وهو ما جعل الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، يغرد عبر "تويتر" مطالباً بإعادة أراضي اليهود الذين هُجروا من الكويت قسرًا وظلمًا، وإعادة الجنسيات الكويتية لهم.. وبذلك يكونوا قد جمعوا بين الجنسية الإسرائيلية والكويتية معاً.. هذا خرق فاضح للمنطق ويتجاوز ثوابت القضية الفلسطينية في العقل العربي.. وقد تم استهداف الكويت في هذا الشأن من خلال تحوير قصة أم جان اليهودية، البحرينية الأصلية، التي وردت تفاصيلها في عدة كتب بحرينية، وتحدث عنها الباحث البحريني علي الجلاوي في كتابه الأهم "يهود البحرين، مائة عام من الخفاء" الذي صدر في 2008، قائلاً بأن السيدة اليهودية الأكثر شهرة في تاريخ البحرين الاجتماعي هي "أم جان" وإن اسمها الحقيقي هو "فلورا جان"، وإنها يهودية من أصول تركية، وتعلمت توليد الأطفال في العراق، واقترنت هناك بشخص هندي، ثم انتقلت إلى البحرين في أربعينات القرن العشرين لتعمل في مستشفى النعيم بالمنامة الذي أنشئ عام 1943، وفجأة حوّل الكاتبان البحرانيان، الأخوان شمس، القصةَ إلى "أم هارون" الكويتية، وهو تزوير قد تم بلا شك بالتنسيق بين أقطاب صفقة القرن، وهم: الاحتلال الإسرائيلي، الإمارات، مصر، السعودية، البحرين؛ سعياً منهم لتلويث سمعة الكويت تاريخياً وضرب ثوابته الثقافية، لأن قصة المسلسل لم يُعترف بها كويتياً.. وظلت أسرارها حبيسة الأدراج المغلقة، وهذا يخالف مبدأ التاريخ الذي لا يُسْتَعَرُّ منه لو ثبت، ولكن الأمر في "أم هارون" يتخذ بعداً تآمرياً واضح.

وعليه فإنه من السهل الوقوف على أهداف المسلسل والجهة التي تقف وراءه من خلال رصد جنسيات القائمين عليه وبالتالي ربطهم وفق منطق الأشياء بصفقة القرن.. ولنبدأ بكاتبيْ السيناريو "الأخوان شمس" وهما من البحرين ، ثم هناك أصحاب موقع التصوير من الإمارات، والمخرج المصري محمد جمال العدل المقرب من السيسي، ناهيك عن الإنتاج المشترك بين شركة الفهد المملوكة للفنانة الكويتية التي لا تمثل إلا نفسها، المطبّعة وبطلة المسلسل، حياة الفهد، وشركة جرناس المملوكة للإماراتي أحمد الجسمي، ولا ننسى جهة البث السعودية المتمثلة بقناة MBC وصاحبها الشيخ وليد الإبراهيمي، الذي حصل على امتياز بث النسخة العربية من شبكة MBC العالمية المملوكة ل (كيث روبرت مردوخ) رجل الأعمال اليهودي الصهيوني الأمريكي، والذي يعتبر من أهم أقطاب التجارة والاعلام الدولي.

من هنا يمكن استنتاج أن أقطاب صفقة القرن المتصهينين وجدوا ضالتهم في توريط الكويت بمزاعم تاريخية لها علاقة بممرضة يهودية بحرينية وإلصاق سياقها التاريخي بالكويت كنافذة تضليلية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.. فهل نجحوا في ذلك؟

الشواهد عبر منصات التواصل الاجتماعي تقول بأن السحر قد انقلب على الساحر، هذا ما حدث بكل بساطة.. إذ يواجه المسلسل انتقادات واتهامات بأنه يمهد للتطبيع مع ما يسمى ب "إسرائيل"، و"يشوه الحقائق التاريخية حول القضية الفلسطينية.. إذ تتمحور القصة المزيفة حول الوجود اليهودي في الكويت والخليج العربي أثناء قيام ما يسمى ب "إسرائيل" على أراضٍ فلسطين المحتلة عام ثمانية وأربعين، بعد تهجير وقتل الشعب الفلسطيني واحتلال أراضيه.

وفي سياق ذلك تحدث مغردون كويتيون لم يعجبهم المسلسل، عبر تويتر، عن سلسلة أخطاء تاريخية في "أم هارون"، أبرزها إعلان قيام دولة ما يسمى ب "إسرائيل" في تل أبيب عند انتهاء الانتداب البريطاني على "أرض إسرائيل"، بينما إعلان قيام دولة إسرائيل كان على أرض فلسطين العربية.. وهذا يثبت ما قلناه في سياق المقدمة حول النية التآمرية المبيتة ضد الكويت.

ورَصَدَ عبد الله السرحان، عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بجامعة الكويت، عبر تغريدة له، بعض الأخطاء في تناول المسلسل للتراث الكويتي واليهودي، ما أضعف الجانب الفني للمسلسل.. من ذلك احتوائه على خطأ تاريخي وهو الحديث عن سقوط "بيت المقدس" عام 1948، بينما سقطت فعلياً تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب يونيو 1967.

وردًا على الاتهامات الموجهة إليها، قالت بطلة المسلسل، والمشاركة في الإنتاج، الممثلة الكويتية المطبّعة، حياة الفهد، لقناة BBC البريطانية:

"عملي ليس فيه دعوة للتطبيع، إنما هو نقاش لوجود اليهود في الكويت في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، إنها قضية محلية يجب أن لا تُضخم بهذه الطريقة".

وكلام الفهد التي حظيت بإعجاب الجمهور الإسرائيلي، لم يقنع منتقدي المسلسل الذين سيطروا على مواقع التواصل الاجتماعي ، وقد سجلوا بذلك هدفاً حاسماً في شباك الطرف المقابل بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي الذي خرج عن طوره.

ففي أول رد فعل إسرائيلي على مسلسل "أم هارون" الذي أثار جدلا منذ عرضه مع بدء شهر رمضان، انتقد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفخاي أدرعي "ردود الفعل الكارهة لليهود"، على حد تعبيره. وقال في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع "تويتر": "الخلاصة التي نخرج منها بعد كل الردود الكارهة لليهود أثناء بث مسلسل أم هارون، هي أننا اليوم لسنا شعباً مغلوباً على أمره يستغيث بالآخرين، وإنما دولة عاقدة العزم على النضال من أجل سلامة وأمن مواطنيها".

ومن فحوى تعليقه العنتري "اليائس" تستشف رائحة خوفه من المستقبل إنطلاقاً من احتضان الجماهير العربية للقضية الفلسطينية رغم تجيير بعض مواقف الدول العربية لصالح الاحتلال الإسرائيلي الذي يعاني من أزمة وجودية خانقة.

وذهب صحفي إسرائيلي آخر إلى أقصى حدود الغطرسة والاستهانة بالعقل العربي، حينما لم يعجبه رفض الشارع العربي لمسلسل "أم هارون"، وقد تناسى بأن دولة لاحتلال الإسرائيلي التي ينتمي إليها أقيمت على أرض ليست لهم وبالحديد والنار، فنجم عن ذلك نكبة الشعب الفلسطيني الذي تقاذفته المنافي.. فغرد هذا الأرعن عبر "تويتر"، قائلاً:

"نطالب بإعادة أراضي اليهود الذين هُجروا من الكويت قسرًا وظلمًا، وإعادة الجنسيات الكويتية لهم (...) لوجودهم بالكويت قبل عام 1920، حسب دستوركم".

واستطرد بكل وقاحة:

"نملك صكوك الأراضي الأصلية في فريج سعود وساحة العلم وفريج الشيوخ، وبيت في نقعة شملان و17 دكان خام و20 دكانا في سوق الذهب، والذين هجروا عددهم 1968 رجلاً".

وكأنه لا يعلم بأن على الصهاينة أولاً مغادرة فلسطين وتسليمها لأصحابها الفلسطينيين الذين يمتلكون حتى مفاتيح بيوتهم وكواشين أراضيهم العثمانية المودعة في دور التوثيق التركية والبريطانية، قبل أن يغرد هذا الصحفي على سجيته، فيبدو أمام العالم كالأبله، وهو يطالب بما ليس له، في الوقت الذي تحتل فيه بلادُه أرضَ الغير بالقوة.. هذا عريٌ حتى من ورقة التوت. وتبقى الكويت وشعبها الأبي أكبر من أصحاب " أم هارون" ومن يقف وراءهم وقد حظوا بالتفاف جماهيري لا نظير له.. فخابت مساعي أقطاب صفقة القرن الذين يستنكرونها في العلن وينفذونها بالخفاء.. فالشمس لا تغطى بالغربال.. عجبي!

 

بقلم بكر السباتين..

٣٠ أبريل ٢٠٢٠

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم