صحيفة المثقف

تأمّلات في الزّحام.. أزمة مثقف أم صراع المثقفين؟

علجية عيشإن الطاقات الهائلة من حشود المثقفين في الجامعات والمعاهد والمدارس أو في أجهزة الإعلام ومؤسسات الثقافة تستحق الدراسة والتأمل في وقت تبدأ فيه الدولة مرحلة جديدة من التخطيط العلمي للواقع الثقافي والموازنة الموضوعية بين ما هو كائن وما يجب ان يكون، كم نحن في حاجة إلى المثقف الملتزم بقضايا أمته، المثقف الثوري، لأن المثقف هو أول فئات المجتمع مطالب بالتغيير، فلا هو يكون يميني رجعي ولا هو يساري، كما لا ينبغي عليه أن يكون الوتر المتراخي الذي يضعف معزوفة الثورة، وباختصار شديد نرى ان الثقافة هي تحديد حق العقل، حق الرأي، حق الإعتراف بالخطأ ونقده وحق القول والإختيار الحر للعالم وحق تغييره عند الضرورة

يقال وراء كل ثقافة هوى ما.. هي مقولة للدكتور خليل أحمد خليل وردت في كتاب له بعنوان: الثقافة سلطان المثقف أو الإسم الآخر للحرية وإن كان الكتاب يتحدث عن مستقبل العلاقة بين المثقف والسلطة إلا أنه يعالج قضية من أهم القضايا التي يبنى عليها المجتمع السليم، وهي "أزمة المثقف"، وعلاقة المثقف بالمثقف (رفيق النضال)، في جانبها الندّي، ومدى تماشيها مع متطلبات العصر وما يحمله من تحوّلات على مختلف الأصعدة وحاجتها إلى حرية أكثر، كي يتم التصالح ويتحقق الإنتماء الفكري، لقد حمل الدكتور خليل أحمد خليل في مطلع الألفية الثالثة أسطورة عولمة الثقافة، حيث يدعو المثقف إلى أن يتحرر ويحرر نفسه بالثقافة نفسها، بلا وسيط آخر، فالثقافة كما يراها هو سلطان ذاتي وسلطة مرجعية قائمة بذاتها، الهدف الأخير من الثقافة هو تحقيق الحرية، والمثقف في نظره هو وريث ماضي ولكنه ابن الحاضر، وفي كل ثقافة يوجد الفرد المبدع دوما، من خلالها يمكنه أن يفرق بين التثقف والتثقيف، الإختلاف بينهما هو أن الأول فردي والثاني جماعي في التلقين والتعليم أو في الإعلام، أي "التوعية" والسماح بنقل خبرة ما إلى الآخر الذي لا يمتلكها، وهنا برز الصراع بين المثقفين.

ونحن نحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة نقف وقفة تأمل على الصحافي المثقف والمنتج، فالولوج في حقل الثقافة والمثقف صعب، لأنه - وكما يقال- "وراء كل ثقافة هوى ما"، هي حرية لا تهدأ، يسعى من خلالها المثقف إلى أن يصنع إعلاما نخبويا، إلا أنه سرعان ما يقع في مشكلة تتحول فيها الثقافة إلى "أزمة" وتجده يتخبط في خيوط عنكبوتية في محاولة منه فك اللغز، هل هي ثقافة الأزمة أم هي أزمة الثقافة وبالتالي هي أزمة المثقف؟ وقد ينتهي به الأمر إلى اللاهوية، وفي النهاية يقول الدكتور خليل أحمد خليل نواجه خطرا مشتركا قوامه مايلي: نحن نؤزم ثقافتنا ونلوم مثقفينا ونصفهم بأنهم من أوهام النخبة وننسى أن ثقافتنا هي نفسها في أزمة وأن تجاوزها لابد أن يكون بمعايير الثقافة بكل مكوناتها العلمية والفكرية والإبداعية حتى تبقى مرجعية قيمة بذاتها، ولا تكون بمعايير السياسة، لأن السياسة كما يراها البعض أقوى من الثقافة، وهنا نصل إلى خيط اللغز ونقول أن الأزمة ليست أزمة مثقف، وإنما هي صراع مثقفين، قد يتساءل سائل ويقول كيف ذلك؟ لأنه بعض المثقفين سيّسوا الثقافة ولكنهم للأسف لم يثقفوا السياسة ولم يضعوها في إطارها الأخلاقي، فتاهو.. وضاعوا..، فلا هم حافظوا على ثقافتهم ورسالتهم الثقافية النبيلة، ولا هم ثبتوا أنفسهم في الساحة السياسية، لأن كل واحد منهم يرى نفسه هو المرجع، وأنه لا أحد يستطيع أن ينافسه، وإن وجد من يقف أمامه ندا للند سارع لإزاحته من الساحة أو من الوجود كله.

نتحدث هنا عن الإغتيالات وما صاحبها من خراب للثقافة أولا ثم للإنسانية، ولو أحصينا عدد المثقفين الذين اغتيلوا لمواقفهم والذين كانوا ضحية انقلاب وخيانة لأععدنا قائمة أطول مما نتصور، أراد المثقف أن يغير أو يجدد أو يحدث (من الحداثة) فانقلب على رفيق دربه، المثقف كان ويظل كما هو، فلا يوجد مثقف عربي مسلم إسلامي أو مثقف سني شيعي، أو مثقف مسيحي أو مثقف لا ديني، فأن نقول ان المثقف هو ذلك الذي يحشر نفسه في كل شيئ، فهذا لا يعني أنه يثير أزمة أو يفتعلها من أجل إزاحة الآخر من الساحة، الصراع هو صراع المثقفين من أجل هدف ما، هذا المثقف الذي يمكن وصفه بالأناني يكاد أن يعصف بكل الروابط الجماعية من تعاطف وتآزر وتآخي، بحيث يمسي مناصبا أخاه العداء من أجل أمور لا علاقة لها بجوهر الحياة إلا من بعيد، ونسي المثقف أنه مسؤول ويحمل على عاتقه رسالة نبيلة مقدسة لأنه بفكره ومواقفه هو في حوار مع الأجيال، وكما يقول الدكتور مصطفى الفقي علاقة المثقف بالآخر هي استجابة لواقع المجتمع وامتدادا بفكر الثورة، فالطاقات الهائلة من حشود المثقفين في الجامعات والمعاهد والمدارس أو في أجهزة الإعلام ومؤسسات الثقافة تستحق الدراسة والتأمل في وقت تبدأ فيه الدولة مرحلة جديدة من التخطيط العلمي للواقع الثقافي والموازنة الموضوعية بين ما هو كائن وما يجب ان يكون. (مجرد وجهة نظر)

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم