صحيفة المثقف

عبقرية الإسلام

محمد فتحي عبدالعالمقدمة: لقد مثل الإسلام دعوة جديدة لعالم مختلف يقوم على العدل والمساواة ويسوده التنظيم والاستقرار والأمان وكان الإسلام منهجا علاجيا تربويا يستند على العقل ويعتمد على البرهنة والحجة كأسلوب علمي في الحياة.

استطاع الإسلام ان يحدث تغييرا شاملا لضبط إيقاع المجتمع فنظم  علاقة الحاكم بأمته وجعل الشورى شرعا ومنهاجا كما انفرد الإسلام بتشريعات المواريث وهي درة التشريع الإسلامي ولأول مرة في التاريخ الحضاري البشري يكون للجميع انصبة متوازنة وعادلة وتخرج المرأة من كونها جزءا من التركة التي توزع  إلى كيان له حقوق ونصيب مفروض في التركة.

من أمثلة عبقرية الإسلام:

اولا: الشورى

الإسلام والشورى:

تُعتبر الشورى من أهم دعائم التصور الإسلامي للبناء المجتمعي السليم الذي يحافظ على جسد المجتمع المسلم من التفكك والتباغض ونظراً لأهميتها في تقييد سلطة الحكم المطلق وتحقيق سلطة الأمة والتضامن المجتمعي، فقد جعل الله عز  وجل سورة في القرآن تسمى بسورة الشورى قال تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" آية (159): آل عمران.

الشورى في حياة النبي:

ولقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ الشورى في مواقف شتى من سيرته العطره

فقبل موقعة بدر وهي المعركة التي كانت كفيلة بتقرير مصير المسلمين الاوائل وهم لازالوا قوة ناشئة محاطة بأعداء كثر عقد النبي مجلسا استشاريا للحرب وأحاط مجتمعيه من المهاجرين والانصار- قطبي الأمة الإسلامية البازغة - بالوضع الذي يستلزم ردع قوة غاشمة تتربص بالمسلمين هي قريش عبر مهاجمة عير لأبي سفيان ولم يأخذ النبي القرار حتى أطمأن إلى موافقة الأنصار والتي أعلنها  سعد بن عبادة بقوله: إيانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا.

وفي موقعة أحد نزل النبي على حماس ورغبة الشباب  المسلمين ممن فاتتهم بدر في الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة وقد كان من رأيه التحصن بها.

وحينما كان الحصار في الخندق واشتد الخطب على المسلمين والاحزاب تطوقهم من كل جانب فأراد النبي ان يكسر هذا الحصار عبر استقطاب غطفان ولكن كانت شروطهم قاسية في سبيل ذلك وهي الحصول على ثلث ثمار المدينة  ولكن النبي لم يكن ليقطع أمرا مصيريا كهذا دون مجلسه الاستشاري فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر  لهما  شروط غطفان للمصالحة فقالا له ‏:‏ يا رسول الله، أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به، لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا ‏؟‏ قال ‏:‏ بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ ‏:‏ يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبدالله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى ‏(‏ضيافة‏)‏ أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا ‏!‏ والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فأنت وذاك‏.‏ ونزل النبي على رأيهما في عدم مصالحة غضفان وجهادهم.

 وفي الحديبية حينما وقع الصلح الشهير وكانت من شروط قريش تأجيل عمرة المسلمين للعام الذي يليه امتنع بعض الصحابة عن التحلل من احرامهم فشاور النبي أم سلمة فأشارت عليه أن يخرج إليهم ويتحلل من احرامه أمامهم دون أن يتكلم ففعلوا مثله واقتدوا به.

الشورى أسلوب للحكم والاختيار:

وتعتبر فترة الخلفاء الراشدين وطريقة توليهم  من التجارب الإسلامية الرائدة التي سبقت العالم في التأسيس لنظام ديمقراطي قائم على المؤسسية والتعدد وتبادل الاراء فأختيار ابي بكر كان لمعيار هو قربه من النبي وسبق تصديقه له ومرافقته له في مراحل الدعوة والهجرة جعلت منه المرشح الاوفر حظا لقيادة المسلمين بعد وفاة النبي ومع ذلك جرت معارضة ضد توليته واجتمع المناصرون والمعارضون في سقيفة بني ساعدة ليستقر عليه الجميع كرئيس توافقي استقر عليه الجميع وكانت خطبة ابي بكر الاولي بعد توليته داعمة لحق الرعية في المعارضة وتقويم الحاكم:(اطيعوني ما اطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم) ومما يروي عن عمر بن الخطاب انه قال في مجلس وحوله المهاجرين والانصار: (أرأيتم لو ترخصت في بعض الامر ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا فعاد مرتين أو ثلاثا قال بشير بن سعد:لو فعلت قومناك تقويم القدح. قال عمر:أنتم إذن أنتم وفي رواية اخري: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني)... اذن القولان يخرجان من مشكاة واحدة بما لايدع مجالا للشك ان اختيار الحكام يكون بشروط محكمة ومرتبط بطاعة الله والعدل بين الرعية والحق في المعارضة وهو الميثاق الذي قرره الخليفتين الراشدين في خطبتيهما ولو قارنا الخطبتين بقول الرجل لمعاوية: (والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك فرد معاوية: كيف تقومني؟ قال الرجل: بالخشب فقال معاوية: إذن نستقم) لوجدنا وضوحا في التحول من شخصية الحاكم المعلم المبادر لحقوق رعيته الذي يلقن رعيته درسا رشيدا في معارضته ومحاسبته الي شخصية الحاكم الذي سأل عن وسيلة التقويم بدلا من أن يسأل الرجل عن ما ينكره علي حكمه!!!

أول انتخابات ديمقراطية في الإسلام:

لقد كان عمر سباقا في وضع اطارا لاول انتخابات ديموقراطية في التاريخ حيث وضع الخلافة في ستة من اصحاب النبي مات عنهم النبي وهو راض فكان هذا معيارا حياديا في اختيار السته ومع انسحاب ثلاثة من السباق الانتخابي انحصرت المعركة الانتخابية بين اثنين من الصحابة لتدور اول مناظرة رئاسية بين متنافسين انتخابيين في التاريخ ويديرها الصحابي المخضرم عبد الرحمن بن عوف ويشاهدها الناس ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل جري تصويتا للناخبين عبر استطلاع رأي كل بيت من بيوت المهاجرين والانصار اجراه الصحابي عبد الرحمن بن عوف ليحسم الامر للخليفة عثمان بن عفان ويحترم المتنافس الاخر علي بن ابي طالب لنتيجة الانتخابات هل هناك اروع من هذه الصور التي تضاهي اكبر الممالك والجمهوريات الديموقراطية في العالم

ثانيا: المواريث

لقد سبق الإسلام العالم في وضع أول تشريع منظم ومنضبط للمواريث يتوافق مع الفطرة البشرية في تقسيم التركة بين الورثة بما يحقق العدالة بين الجميع ويحقق رغبة المورث في انتقال تركته بشكل عادل بين اقاربه بعد وفاته.

ولأول مرة في تاريخ الحضارات يكون للمرأة نصيب في الميراث بعد أن كانت جزءا من التركة في حضارات قديمة.

مكانة المرأة:

لقد أحدث الاسلام طفرة في التعامل مع المرأة فكرمها أيما تكريم ورفع من قدرها وتحدث عن فضلها وأوجب لها حقوقا مساوية للرجل على نحو لم تشهده الحضارات السابقة على الاسلام. كما حملت سورة من القرأن اسمها: النساء وفي سورتي النساء والطلاق اللتين تناولتا كل ما يخص المرأة وطبيعتها علم القرآن العالم لأول مرة علم المصطلحات الذي تقوم عليه العلوم الحديثة الآن فلكل علم لغته ومصطلحاته المحدده التي تحمل معاني قاطعة لا تحتمل الشك فتجد مصطلحات الحيض -النفاس -الطلاق-العدة وغيرها فيجملها القران في مصطلحات ثم يعود لتفصيلها علي نحو دقيق.

حق المرأة في الميراث:

نصيب المرأة في الميراث بحسب الشريعة الاسلامية على النصف من الرجل وذلك في حالة واحدة فقط وهناك ثلاث حالات أخرى للمرأة في المواريث الأولى فيها:تأخذ المرأة مثل الرجل. والثانية تأخذ المرأة أكثر من الرجل. والثالثة: أن ترث المرأة ولا يرث الرجل.وبالتالي فلا يصح الاستناد إلى هذه الاية الكريمة: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) في الانتقاص من انسانية المرأة وواعتبارها نصف انسان !!.

الغرض من تشريع المواريث:

يسهم الإسلام عبر تشريع المواريث في الحفاظ  على تماسك الأسرة بعد وفاة عائلها وسد حوائجها ومن ثم حماية استقرار المجتمع من الانهيار كما يساعد على  تقسيم الثروة وعدم جعلها مركزة في أيدي فئات محدودة.

وحينما تتحول العلاقة بين الوارث والمورث إلى جفاء يتبعه قتل لاستعجال الميراث فإن القاتل يحرم من الميراث فمن استعجل الشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه.

لقد آن الأوان أن نلتمس مفاتيح عظمة ديننا وأن  نرى الإسلام كمنهج متكامل يعتمد على العقل والنقد والحرية وقتها ستنفتح نوافذ الإبداع ونطل على العالم بوجه تنويري يبني حضارة قوية قادرة على المنافسة والمشاركة للعالم من حولنا.

 

د. محمد فتحي عبد العال

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم