صحيفة المثقف

تحليل في عمق المشهد اللبناني

بكر السباتين"لبنان ولعبة البوكر ما بين حاكم مصرف لبنان وحكومة دياب وتجاذبات تحالفي ال (14) و (8) آذار.

الحديث عن لبنان وتحليل المشهد السياسي فيه لا يجب أن يأتي اعتباطاً بالقياس إلى أي دولة أخرى، لأن التقاسم السلطوي فيه سيأخذ الباحث إلى مواقف الفرقاء ومدى علاقة ذلك بالأجندات الخارجية بما في ذلك تحالف 14 آذار، وهو تحالف سياسي يتكون من كبار الأحزاب والحركات السياسية التي ثارت على الوجود السوري في لبنان بعيد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري أو ما سمي بثورة الأرز عام 2005، والتي تلقت الدعم من عدد من الدول بالأخص فرنسا واميركا والسعودية والأمم المتحدة.. ومن الطبيعي أن هذا التيار يتحالف من خلال الداعمين مع حاكم مصرف لبنان المركزي القوي رياض سلامة، الذي تشكل إجراءاته الإخيرة المحرك الرئيسي للأحداث الجارية في لبنان فيما يعرف بأزمة الحوالات المصرفية.

ويواجه التحالف معارضة شديدة من طرف قوى 8 آذار التي يقودها حزب الله المدعوم من إيران، والتيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه رئيس لبنان ميشال عون، وهي ذات الجماعة التي ينتمي إليها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.

وتجدر الإشارة إلى أن تحالف الرابع عشر من آذار ما يزال يناكف حزب الله ويستهدف سلاح المقاومة، ويثير الشارع اللبناني ضد حكومة حسان دياب بذريعة أنه محسوب على قوى الثامن من آذار، ويشاركهم المائدة؛ لذلك تم استغلال انتشار جائحة كورونا وأثرها السلبي على اقتصاد لبنان وانعكاس ذلك سلبياً على حياة المواطن اللبناني المغبون وبالتالي مصادرة صوته الذي ينادي بمحاربة الفساد وإنقاذ الوضع المعيشي، من خلال إقحام الشعب اللبناني في أقذر عملية سياسية مجيرة لشروط الداعمين لتيار الرابع عشر من آذار، من أقطاب صفقة القرن مثل السعودية وأمريكا وظلهما تل أبيب، والذهاب بهذا الشعب المطعون في الظهر، نحو إسقاط حكومة دياب والاعتراض على إجراءاته الإصلاحية الرامية لإنقاذ لبنان، والسعي منهم نحو بناء مستقبل لبنان على خراب هذه الحكومة المجتهدة التي تحاول فتح ملفات الفساد المحرمة، بعد إسقاطهم سلاح حزب الله من أية معادلة سياسية مستقبلية في لبنان.

وفي سياق متصل، ولربط الوضع اللبناني الراهن، بأهداف تحالف الرابع عشر من آذار، من خلال أجندات داعميه الإقيميين، لا بد من التذكير بالوثيقة السعودية المسربة "الأخبار" 2017 التي أعدّها مستشارو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسلمت لدوناند ترامب، وتكشف خطط السعودية لشنّ حرب ذات مستويات متنوعة ضدّ طهران وأذرعها الإقليمية.. وشملت الوثيقة التضييق على حزب الله اللبناني من خلال أربعة محاور.. لذلك صنف الحزب سعودياً في قائمة الإرهاب، وتم إخضاع حوالات اللبنانيين للمراقبة الشديدة في إطار التضييق الاقتصادي وكلها متطلبات أمريكية إسرائيلية تنسجم مع شروط صفقة القرن.. وهو ما يحدث في لبنان بالتنسيق بين حاكم مصرف لبنان وحلفائه الأمريكيين كما سنكتشف ذلك في سياق المقال.

فرجال السعودية في لبنان ممن لا يرفضون صفقة القرن منهم :الحريري الذي أكل في ذمته رواتب موظفي شركاته المتعثرة، وجعجع المتورط في جرائم يندى لها الجبين في الحرب الأهلية السابقة ومذبحتي صبرا وشاتيللا بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، وميقاتي حليف السعودية، والسنيورة طريّ الجانب تجاه أمريكا وصفقة القرن، وحاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامه الذي ساهم في تهريب أموال الدولة اللبنانية إلى أمريكا.. بدلالة ما قاله ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، والذي أدلى مؤخراً بتصريحات لقناة “العربية” السعوديّة. مشيراً إلى أن تعاون حاكم مصرف لبنان مع وِزارة الخزانة الأمريكيّة بدأ منذ عام 1993 ولعدة سنوات على صعيد قضايا العقوبات على المصارف والمؤسسات الماليّة اللبنانية وإقفال حسابات تابعة “لحزب الله” ما أدّى إلى شَل قدرات “حزب الله”، وتقليص الدعم الإيراني له.. وفوق ذلك طولب بإجراء “إصلاحات” كان من شأنها أن تجعل لبنان في موقعٍ يسمَح له بتلقّي مساعدات من مؤسّسات ماليّة ودولية، (طبعاً لإحكام السيطرة على لبنان وسد المنافذ على حزب الله توطئة لتجريد المقاومة من سلاحها) ووفق ما قاله شنكر فعلى حاكم مصرف لبنان أن يثبِت أنه قادر على اتّخاذ قرارات صعبة على نحو إصلاح قطاع الكهرباء، وإصلاح الجمارك والبَدء في جمع الضرائب.. وبالطبع سيسر الأمريكيين أن ينشب خلاف بين الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان الذي يستفرد بالإجراءات المالية بعيداً عن السلطة التنفيذية (الحكومة) ولو ثارت الجماهير على الطرفين كون إجراءات المصرف ستصيب حياة المواطن في مقتل، وستبدو الحكومة عاجزة أمام الأزمة الاقتصادية، فهو لا يستطيع محاسبة حاكم مصرف لبنان المركزي، وهي مجبرة على مواجهة الجماهير التي استهدفت المصرف المركزي كأحد أهم مرافق الدولة المستقلة.. فنجم عن ذلك إصابة 27 من رجال الأمن اللبناني، وتم اعتقال العديد من المتظاهرين.

من هنا يمكن الولوج بالقارئ في عمق الأزمة الاقتصادية اللبنانية؛ للكشف عن الأسباب الحقيقية لها..وعلاقة مصرف لبنان المركزي ومدى الدور الإقليمي المتغلغل في الشأن اللبناني، في ظل انتشار جائحة كورونا التي أثرت سلبياً على اقتصاديات كل دول العالم ومنها لبنان المثقل بالأعباء.

وعليه فقد دفعت أزمة لبنان المالية العميقة والعجز الشديد فى العملة الصعبة البنوك إلى فرض قيود صارمة على السحب والتحويلات، مما أغضب اللبنانيين الذين حيل بينهم وبين الكثير من مدخراتهم. وانتقد رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب في كلمة إثر اجتماع للحكومة بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون، أداء حاكم مصرف لبنان القوي رياض سلامة بشدّة، محملاً إياه مسؤولية التدهور السريع في سعر صرف الليرة، التي تخطت عتبة 3800 مقابل الدولار في السوق السوداء في اليومين الأخيرين.

وكان مصرف لبنان المركزى قد عمم، يوم الخميس الماضي الموافق 30 أبريل، قائلاً: بأن أي تحويلات نقدية تجريها مؤسسات غير مصرفية يجب سداد قيمتها بالليرة اللبنانية على أساس "سعر السوق". بذريعة أن الإجراء يأتى فى ظل جهود لكبح سوق النقد الأجنبى الموازي الذي أصبح المصدر الرئيسى للعملة الصعبة، حيث فقدت الليرة حوالى نصف قيمتها منذ أكتوبر بعد شح فى تدفقات رؤوس الأموال واندلاع احتجاجات، ولم يحدد التعميم سعر السوق الذى يجب أن تتقيد به التحويلات النقدية.

وقال البنك المركزى فى وقت سابق هذا الشهر إن وحدة النقد الأجنبى الجديدة ستدير التعاملات بالنسبة للصيارفة المعتمدين، وإنها ستساعد فى تحديد سعر بيع الدولار بالسوق الموازي، لكنها لم تبدأ العمل بعد.

وتحدّث دياب في سياق انتقاده عن "خروج 5,7 مليار دولار من الودائع من المصارف خلال شهري يناير وفبراير" من دون أن يحدد وجهة الأموال - وهو ما أشرنا إليه في صدر المقال - إلا أن مصدراً مقرّبا من رئاسة الحكومة أفاد لوكالة فرانس برس وتناولته الصحف بالنشر والتحليل، "أنّ الجزء الأكبر تم تحويله إلى الخارج" ومن المؤكد أن أمريكا ظفرت بنصيب الأسد بدلالة ما قاله ديفيد شنكر، بشأن علاقة حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة.. فيما أكمل المصدر قائلاً: "بأن جزءاً من هذه الودائع تمّ سحبه وإدخاره على الأرجح داخل المنازل وبهدف الاستخدام اليومي والاستهلاك".

مضيفا "نظراً لكون عمليات السحب عبر الصندوق كانت محدودة بمبالغ صغيرة نسبيا خلال تلك الفترة، يمكن أن يستنتج منطقيا أن جزءا كبيرا من الـ 5,7 مليار دولار غادر البلاد".. والسر يكمن في بطن حاكم مصرف لبنان.. وعليه يرى مراقبون بأن هذه الأرصدة حولت في الغالب إلى البنوك الأمريكية؛ لتستخدم في ليّ ذراع القرار اللبناني وتجييره لصالح الموقف السعودي توطئة لتسويق صفقة القرن لبنانياً على حساب سلاح المقاومة وضرب حزب الله اقتصادياً وصولاً إلى تفكيكه لأنه كان من أكبر المتضررين في سياق أزمة تحويلات العملة بالليرة اللبنانية، في المقابل يعتبر الطرف المؤيد للسعودية هذه الاتهامات غير الرسمية التي تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي مناكفة وهروباً من أسباب الأزمة الحقيقية فتطرق هذا الطرف المناوئ إلى سلاح حزب الله والدور الإيراني "التخريبي" في لبنان وفق قناعاته من باب التضليل الإعلامي وهو سلاح الجميع في لبنان.

لذلك تحدّت دياب الذي يدرجه خصومه في قائمة تحالف الثامن من آذار، عن "غموض مريب في أداء" سلامة " المحسوب في نظره على السياسة السعودية الأمريكية إزاء تدهور سعر الصرف" معتبراً أن "دور مصرف لبنان يبدو إما عاجزاً أو مُعطلا بقرار أو محرضاً على هذا التدهور الدراماتيكي في سعر العملة الوطنية". وعليه فقد وقعت الحكومة اللبنانية الجمعة الماضية الموافق في 1 مايو، طلباً رسمياً للحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي.. بدافع الخروج من الأزمة المالية المتفاقمة.. لذلك قال رئيس الحكومة حسان دياب، يوم الجمعة الماضية، كلمة عقب التوقيع مع وزير المالية غازي وزني "بدأنا بالخطوة الأولى نحو ورشة إنقاذ لبنان من الهوة المالية التي يصعب الخروج منها دون مساعدة فاعلة ومؤثرة".

ويقدر مسؤولون حكوميون حاجة لبنان اليوم إلى أكثر من 80 مليار دولار للخروج من الأزمة والنهوض بالاقتصاد، حيث يرزح 45% من اللبنانيين تحت خط الفقر حسب تقديرات مسؤولين.

وأضاف دياب: أن أبرز مشاريع الخطة تتعلق بالسرية المصرفية وتعليق المهل القانونية والقضائية، وأن الحكومة تبحث في اقتراحات ومشاريع القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وباستقلالية القضاء.. وتتضمن الخطة أيضاً تدابير لاستعادة ما توصف بالأموال المنهوبة أو المحولة إلى الخارج، إضافة إلى استعادة الفوائد الممنوحة على الودائع المصرفية، والاستعانة بمساعدة دولية للحصول على نحو عشرة مليارات دولار، وإدخال إصلاحات على قطاعات إنتاجية مختلفة.

في هذه الأثناء، قالت جمعية مصارف لبنان في بيان إنها لا يمكن أن توافق "بأي حال من الأحوال" على خطة إنقاذ اقتصادي حكومية لم تجر استشارتها بشأنها، ووصفت الإجراءات المتعلقة بالإيرادات والنفقات في الخطة بأنها غامضة وغير مدعمة بجدول زمني دقيق للتنفيذ.

من جهة أخرى تعود المظاهرات إلى لبنان على خلفية أزمة التحويلات المصرفية، حيث اعتصم محتجون أمام المصرف المركزي في العاصمة يوم الاثنين الماضي الموافق 27 أكتوبر، ورددوا هتافات هاجمت حاكم المصرف رياض سلامة وحملته مسؤولية انهيار سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار. كما ندد المشاركون بالسلطة السياسية وارتفاع الأسعار، قبل أن يعمدوا إلى إغلاق أحد الطرقات المحاذية لمصرف لبنان.. بعد تردي الأوضاع المعيشية وانهيار سعر صرف الليرة، وشملت مناطق في بيروت وطرابلس والنبطية والبقاع ومدينة صيدا، حيث ألقى محتجون قنابل حارقة على فرع مصرف لبنان المركزي وحطموا واجهته. ويتهم الجيش بأنه غير قادر على حماية مصرف لبنان ما وضع حكومة دياب في أزمة، بينما يتهم آخرون مصرف لبنان بافتعال هذه الأزمة تمهيداً لإسقاط الحكومة التي تتهم بأنها تخضع لتحالف الثامن من آذار الذي يسيطر عليه حزب الله سعياً منه لتخريب لبنان والتحكم به لصالح الأجندة الإيرانية التي تستعدي الاحتلال الإسرائيلي.

وأعلن الجيش اللبناني عن إصابة 23 عسكريا نتيجة "أعمال الشغب" خلال الاحتجاجات الشعبية الأربعاء الماضي 29 أبريل، وقال في بيان إنه أوقف 24 متظاهراً.

واتهم دياب جهات -لم يسمها- بالتحريض، وقال إنها تشوه التحركات الشعبية وتحرق البلد.

إذن جميعهم يتآمرون على الشعب اللبناني ويركب تيار الرابع عشر من آذار موجاته لإسقاط الحكومة، ومصادرة سلاح المقاومة كخيار لحل أزمة لبنان لصالح الأجندة السعودية وصفقة القرن.. ولو أدى ذلك إلى حرب أهلية وتدمير بنية لبنان الهشة وضرب الجيش في الصميم.. أما الشعب اللبناني المطعون في الظهر، بكل فئاته وطوائفه فهو الوحيد الذي يتألم ويعاني بسبب تردي الأحوال المعيشية فلا يسأل عنه أحد.

إنها لعبة البوكر ما بين حاكم مصرف لبنان وحكومة دياب وتجاذبات تحالفي ال14و 8 آذار. عجبي!

 

بقلم بكر السباتين

5 مايو 2020

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم