صحيفة المثقف

كنتُ أتكيءُ على غُصنِ طفولتِها فإنكسر

عبد الجبار الجبوريمَرةً، قالَ الليلُ لِي، كنْ صديقاً للرِّيحِ، ولاتكُنْ صديقاً للقمَرِ، الرّيحُ تُعملكَ الهزائمَ، والقمرُيعلمّكَ السّهرَ، ثم قال ستشقى ويشقى بعدك المطر، وها أنا شقوتُ، ولم يطلعْ من بين نهديّها القَمر، أوصّاني البحرُ، أنْ لا أشتُمَ الرّيحْ، فربّما يُعافِني الليلُ، ويُنهكُني وجعُ البَّعاد، ويُبكيّني الأسى، ومّرةً هَمسَتْ بأُذُني وقالتْ، لا أحدٌ سيَحُنو عليكَ سِواي، ولا أحدٌ يُعلمّكَ الهديلَ سِواي، ولا أحدٌ يُرتِّبُ أيّامكَ ويُعدِّلُ قيافتَكَ، ويشُدّ لكَ ربطةَ عنقكَ سِواي، لا أحدٌ بَعْدي يَقرأ قصائدَكَ الولهّى، وينشرُها على حائطِ القُبَلِ سواي، لا أحدٌ يَمسحُ دَمعةَ قصيدتَكَ سِواي، عندها فقط، أيقنّتُ أنَّ اللهَ خلقك من ضِلعي لي، لأنعمَ بالأنوثة والجمال، وأُصلّي لعينيّن هاربتيّن، من الجحيم الى قلبي، ماتَ الزمانُ من زمانْ، وصُرْتُ أبحثُ عن مأوىً لقصائدي الثكّلى، لمْ أجدْ سوى مدائنَ خربةٍ، ووطنٍ حَزينْ، وأغانٍ يابسةٍ، وَلَحنٍ قديمْ، (كأنْ لم يكنْ بين الحجونِ الى الصفا، أنيسٌ ولمْ يسَمرْ بمكةَ سامرٌ، إنفضَّ الصَّحبُ، وذَهبتْ غزلانُ الشوّق الى البرّية، لتحطُبَ لِي من كَرز الله، أما أنا فذهبتُ الى البَحر، ورسمتُ لها على رملِ شواطئه، وطناً مذبوحاً، وقمراً قتيلاً، ورسمتُ على رمل هواها شَفتين وقبلتُهما، وعينيَن ومسحتُ دمعتيهما، ونهدّينِ وعصَرّتُ حلمتيهما بشفاهِ قَلمي، وقلتُ للعشقِ، لقدْ مَسّني ضَرُّها فأغثْني، وإغفرْ لِي وجَعي، ولاتُحَملُّنِي ما لا طاقةَ لي بهِ، يُفرحُ قَوَمي، فقامُ وَرَبَتَ على كتَفي، ودَسّ في جَيبّي أغنيةً حزينة تحبُّها، وتحبُّ ناقتها قصائدي، قصائدي التي لم تقرأها بعدُ، كنتُ أحلمُ أنْ أتكيءَ على غُصنِ طفولتِها، لكنَّ غصن طفولتها مالَ وإنكسرْ...

 

عبد الجبار الجبوري - الموصل

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم