صحيفة المثقف

تدشين مرحلة جديدة في تأريخ التقدم البشري

تحول الاقتصاد العالمي من اقتصاد رأسمال المادة الى اقتصاد رأسمال الافكار الرقمية

بدأت ملامح التحول في العالم تتبلور على مسرح الاحداث وتكشف عن نفسها. كانت الحروب العالمية والاوبئة على مدى التاريخ نقاطا او حدودا فاصلة بين مرحلة ماقبل ومابعد الازمة . المجتمعات البشرية في العالم على مدى الزمن السابق تطورت اقتصاديا على مراحل زمنية طويلة امتدت عشرات الآلوف من السنين . من مجتمع يعتمد على اقتصاد الصيد الى مجتمع اقتصاد الرعي ثم الى مجتمع اقتصاد الزراعة ثم مجتمع اقتصاد الصناعة والماكنة ثم مجتمع اقتصاد التكنولوجيا الى مجتمع اقتصاد الاتصالات والنت والمعلوماتية ومرحلة العولمة وهنا حدثت في هذه المرحلة تطورات سريعة استغرقت اقل من قرن.

اليوم المجتمع البشري على عتبة تطور تأريخي وفاصل ففي المرحلة القادمة ستحدث قفزة كبيرة في تأريخ العالم وتقدمه لا يوازيها أي حدث تطوري حدث سابقا . سيتحول المجتمع من مجتمع الأعتماد على المادة كرأسمال الاقتصاد الى مجتمع (الفكرة الرقمية) كرأسمال الاقتصاد وهي مرحلة تأريخية وجديدة. في مجتمع اقتصاد الافكار الرقمية ستصبح الفكرة الرقمية او البرامج الجديدة هي مرتكز الاقتصاد، ستباع وتشترى و الاسهم التي ستبيعها وتشتريها الشركات في البورصة قائمة على الافكار الرقمية التي ستسيطر على اقتصاد المجتمعات. وهومجتمع بدأت ملامحة تظهر في مجتمع الجيل الخامس او الجي 5 وانترنت الاشياء وتسيطر على الاتصالات والمعلومات وبرمجة الانتاج والزراعة والمواصلات والتعليم والخدمات.

الثورات في تاريخ البشرية تبدأ بفترة مسبقة من الاعداد والعوامل المساعدة وتتصاعد الصراعات الى حد النضوج ثم قيام الثورة اجتماعيا او سياسيا او اقتصاديا او علميا . أي الثورة تقوم على تغيير او رفض الاساليب القديمة لتحل محلها أساليب ووسائل جديدة لادارة المجتمعات والدول وهو صراع خطير جدا سيؤدي الى حروب مستعرة على مستوى اقتصادي وتكنولوجي وعلمي وسياسي وعسكري لحين استقرار التغيير واعتراف الجميع بالتغيير او الثورة وتقبل الجديد. حدثت حروب كبيرة في كل فترات التغيير التي اجتاحت دول العالم وعند كل انتقال من مرحلة الى مرحلة.

المهم في التغيير الجديد هو أن الدول سيقاس مدى تقدمها بحجم او عدد الافكار المبتكرة الجديدة التي ستبتكرعلى المستوى الرقمي وتصبح قابلة للتنفيذ ومفيدة عمليا. وبما أن الافكار منتج عقلي وليس يدوي ستكون المجتمعات التي تتميز بالكثافة السكانية العالية كالصين والهند ودول جنوب شرق آسيا كاندونيسيا والفلبين واليابان وكوريا الجنوبية هي الدول الاكثر انتاجا للافكار الرقمية ،وقد حضرت هذه الدول نفسها لهذه التغييرات منذ التسعينات حيث تصدر الصين والهند آلاف المبرمجين الى امريكا والعالم الغربي. وقد استطاعوا أختراق نظم المعلومات لدول وشركات العالم الغربي الكبرى والكثير من أبناء هذه الدول حصلوا على مناصب عليا كمدراء شركات فيها ونقلوا خبراتهم واسرار العالم الرقمي الى بلدانهم . ونحن مقبلون على انتقال منصات العالم الرقمي من وادي السليكون في امريكا الى الصين والهند وربما دول اخرى وما علينا سوى الانتظار ومراقبة عالم ما بعد الكورونا وهي الأزمة العالمية التي ستكون الفاصل التأريخي في تغيير اقتصاد العالم.

 

د. احمد المغير/طبيب وباحث

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم