صحيفة المثقف

أخماتوفا ليست أخماتوفا

ضياء نافعالى روح المبدع العراقي الراحل علي الشوك.

ض.ن.

اردت ان اهدي هذه المقالة الى الكثيرين من المعجبين بالشاعرة الروسية آنّا أخماتوفا، ولكني قررت ان اهديها الى علي الشوك بالذات، لاني اتذكر جملته في مقالته عن أخماتوفا بعنوان – (كنت أمتلك كل شئ / نموذج اديب زمن الدكتاتورية)، والجملة تقول -  (كانت تثير فضولي كثيرا باسمها الاسلامي.. فهي من سلالة جنكيز خان.. وقد اختارت اسمها التتري من جهة امها..). ومقالة علي الشوك المذكورة رائعة من وجهة نظري، وقد سبق لي ان كتبت حولها مقالة خاصة بعنوان – (علي الشوك والادب الروسي)، ولكني اريد هنا ان اتحدث عن موضوع آخر تماما، موضوع يرتبط ب (اسمها الاسلامي!) كما يقول الشوك، وهذا الموضوع، كما يشير عنوان مقالتنا، عن أخماتوفا، التي هي (ليست أخماتوفا !!!) .

قبل كل شئ، يجب ان نتوقف قليلا عند لقب أخماتوفا باللغة الروسية، كي نوضّح أصله. اصل هذه اللقب هو الاسم العربي المعروف – (أحمد)، ولكن لا يوجد حرف الحاء بالروسية، وهكذا يتحول الحاء تلقائيا الى خاء، الموجود بالروسية، اما حرف الدال، فانه (وحسب قواعد التلفظ الروسية) يصبح مخففا لانه جاء في نهاية الكلمة، وهكذا يتحول الى تاء، ويضاف حرف الالف بعد الميم الى هذا الاسم تعويضا عن الفتحة، لعدم وجود (الحركات) بالروسية، وهكذا يتحوّل (أحمد) بالعربية الى (أخمات) بالروسية، وعندما يكون هذا الاسم لقبا للشخص، فانه وحسب القواعد الروسية ايضا يصبح (أخماتوف) للمذكر، و(أخماتوفا) للمؤنث، مثل ايفانوف وايفانوفا وبيتروف وبيتروفا ...الخ الالقاب الروسية المعروفة للجميع . وعليه، فان لقب الشاعرة الروسية آنّا أخماتوفا هو عربي الاصل وليس تتريا، ولكنه خضع للقواعد الروسية ليس الا واصبح هكذا . علي الشوك يقول، ان اسمها (وهو يقصد هنا - لقبها) أثار فضوله، لانه (اسم اسلامي)، وما ذهب اليه علي الشوك بخصوص لقبها صحيح جزئيا، ولكن لا توجد (لغة اسلامية!)، و اللغة العربية هي لغة الاسلام طبعا، ولهذا اقول (صحيح جزئيا) حول ما كتب علي الشوك . هذا الاسم عربي بحت، ودخل الى لغات كثيرة اخرى (بما فيها التترية) عن طريق الاسلام طبعا، وعليه، اكرر، انه يمكن لنا ان نقول وبكل ثقة، ان لقب هذه الشاعرة الروسية عربي الاصل، وهو (أحمد)، وعندما دخل هذا الاسم العربي البحت الى اللغة الروسية، فانه خضع طبعا للقواعد الروسية وصياغتها، وهكذا تحول الى أخماتوفا .

النقطة الثانية، التي نريد ان نتوقف عندها قليلا ايضا، و ترتبط  بما أشرنا اليه أعلاه حول اصول لقبها، هي ان الشاعرة آنّا أخماتوفا نفسها لم تذكر، ان اصل اللقب الذي اختارته لنفسها هو عربي الاصل، وانما قالت، انه تتري، ويرتبط باسم احد اجدادها البعيدين من ناحية الام، وكل المصادر الروسية طبعا تؤكد وتكرر هذا الشئ، اي تعيد ما قالته وكتبته الشاعرة نفسها حول ذلك اللقب، ولم أجد اي اشارة في المصادر الروسية كافة الى ان اصول لقبها عربي، بل ان الجميع يقولون انه تتري، وعلى الاغلب، فان الشاعرة نفسها لم تكن تتصوّر ذلك ايضا، وهي اصلا لم تفكّر بعمق ورويّة بخصوص ذلك اللقب، اذ انها كانت صبية في مقتبل عمرها، وهناك جملة طريفة كتبتها ليديا جوكوفسكايا في مذكراتها عن اخماتوفا تؤكد هذه الحقيقة،  والجملة جاءت على لسان اخماتوفا نفسها، والتي تقول فيها، انه (... فقط الفتاة المجنونة كان يمكن لها ان تختار هذا اللقب التتري لشاعرة روسية...)، اي ان اخماتوفا اختارت اللقب وهي فتاة مراهقة في ذلك العمر اليافع دون تفكير وتأملّ كما يجب .

اللقب الذي اختارته الشاعرة الروسية الشابة كان لاحدى جداتها من امها، والتي اكتسبته (اي اللقب) عند زواجها من اخماتوف التتري، وهو تتري متروّس، وكان اختيار الشاعرة لهذا اللقب لان والدها قد منعها منعا باتا من استخدام لقب عائلتهم عندما بدأت بنشر قصائدها، واعتبر ان ذلك يسئ الى اسم العائلة، وهكذا اضطرت الى اختيار اسم مستعار لنشر قصائدها، ووجدت اسم زوج ام جدتها لامها بهذا اللقب، واعجبت به واختارته (وهي فتاة مراهقة) نتيجة لرغبتها بالتفرّد، اضافة الى جمالية الاسم وجرسه ان صح التعبير، ولانه يتناغم مع روحية الاجواء الغرائبية التي كانت سائدة في روسيا بداية القرن العشرين بين الشعراء، ولانه يذكّر بلقب الخان أخمات، الذي يرجع اصوله - حسب الاقوال والاساطير - الى جنكيز خان نفسه في تلك القرون البعيدة.

آنّا أخماتوفا ليست أخماتوفا في الواقع، بل هي آنّا  أندريفنا غورينكو، التي ولدت عام 1889 في اوديسا باوكراينا في الامبراطورية الروسية، وتوفيت عام 1966 في الاتحاد السوفيتي، وتم دفنها في ضواحي لينينغراد، وعند قبرها ينتصب الصليب مثل قبور كل المسيحيين الارثذوكس، ولا علاقة لآنا أندريفنا غورينكو بأي تتري اسمه احمد او اخمات او اخماتوف، وهي ليست من احفاد جنكيز خان باي حال من الاحوال ...

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم