صحيفة المثقف

منازل القمر

1501  طاقة الحرف 4في عصرنا الحديث –وعلى الرغم من تطور علوم الفضاء-  إلا أن علم الفلك التقليدي قد قلت أعداد العارفين به، وهو أمر عجيب بالنسبة لأمة ترتبط شعائرها الأساسية بحركتي الشمس والقمر.

والعرب منذ عصر الجاهلية لم يلتفتوا بالأساس كثيرًا إلى الشمس، وما كان يعنيهم أكثر هو تقلب القمر في المنازل لمعرفة حظوظهم وحظوظ مواليدهم، ومعرفة أنسب مواعيد للسفر وللزواج وغيرها من أمورهم الحياتية، وكذا اهتموا كثيرًا بظهور نجوم أي منزلة من المنازل القمرية في دائرة البروج في الأفق في جهة الشرق، عند الفجر وقبل طلوع الشمس، واستدلوا بها على تغيرات المناخ.

فما هي منازل القمر؟

يقول تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: 39].

في هذه الآية الكريمة يخبرنا تعالى وعظم فضله أن من دلائل قدرته، وهو ربنا القادر على كل شيء، أنه قدّر أن يتنقل القمر في منازل نجمية أثناء دورانه حول الأرض، منذ أن يبدأ دورته هلالاً وليدًا في إحدى تلك المنازل، ويزيد نوره وهو يتنقل في المنازل فيكتمل بدرًا ثم ينقص، وحتى يعود هلالًا آخر الشهر في المنزلة ذاتها، ثم يخبو نوره، ليُولد هلال جديد بعد اقترانه بالشمس في منزلة أخرى في البرج التالي.

وعدد هذه المنازل النجمية التي يحل القمر عليها ضيفًا في رحلته الشهرية حول الأرض ثمانٍ وعشرون منزلة، يقضي في كل منزلة منها حوالي اليوم، وعلى التدقيق 23 ساعة وثلث الساعة تقريبًا. وبذا يتم القمر دورة كاملة حول الأرض يكون قد دار فيها في المنازل الثمانية والعشرين في 27 يومًا وسبع ساعات و43 دقيقة تقريبًا، ويعود للمنزلة التي بدأ منها هلالًا أول الشهر لينهي فيها دورته كهلال آخر الشهر في يومين إضافيين، ويخبو نوره، ليقابل الشمس ويقترن بها مرة أخرى بعد 29 يومًا ونصف اليوم، ليُولد هلال جديد كعرجون النخل ويبدأ شهر قمري جديد.

والسبب في الاحتياج إلى اليومين الإضافيين لحدوث الاقتران مرة أخرى وميلاد هلال جديد أن الأرض أثناء دوران القمر حولها لا تكون ساكنة، بل تتحرك هي الأخرى حوالي 27 درجة في مدارها حول الشمس، لتبدو لنا الشمس قد تحركت في دائرة البروج 27 درجة، ويلزم القمر أن يبلغ ذلك الموضع الجديد كي يحدث الاقتران بينه وبين الشمس.

منازل القمر والبروج

يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الحجر: 16].

وبروج السماء أو الكوكبات المعروفة هي تشكيلات من المجموعات النجمية المتقاربة التي تتناثر في السماء، والتي تصورها البشر في الحضارات المختلفة على صورة حيوانات أو بشر أو كائنات أسطورية.

رصد الإنسان منها منذ القدم عدد 88 كوكبة، والأقرب لنا هي تلك التي توجد على الدائرة الوهمية التي تُعرف بدائرة البروج حول الأرض، والتي يقسمها خط استواء سماوي إلى نجوم شامية جهة الشمال، ونجوم يمانية جهة الجنوب. وعدد درجاتها 360 درجة، يقع عليها أربعة عشر برجًا، ولكن درجاتها مقسمة فقط على اثني عشر برجًا منها، ودرجات كل برج من البروج الاثني عشر 30 درجة.

ودائمًا ما تظهر 180 درجة فقط في الأفق، وتختفي 180 درجة الأخرى من دائرة البروج، وكلما ارتفعت درجة من جهة الشرق غربت درجة مقابلة من جهة الغرب. وتتم دائرة البروج بنجومها دورتها الظاهرية حول الأرض كل 24 ساعة تقريبًا، وتبدو الشمس فيها تدور حركة ظاهرية غير حقيقية حول الأرض، ومثلها في ذلك باقي الكواكب، وتبقى الشمس في كل برج منها شهر تقريبًا، لتتم الشمس تلك الدورة الوهمية في مدة 365 يومًا وربع اليوم، بينما الحقيقة أن الأرض تدور حول الشمس من الغرب إلى الشرق، فتبدو لنا الشمس تشرق علينا كل يوم من الشرق إلى الغرب! ومن هذه الدورة تحدث السنة الشمسية للأرض.

والمجموعات النجمية المكونة لمنازل القمر ليست منفصلة عن النجوم المكونة للبروج (الكوكبات) على دائرة البروج، بل هي أجزاء من البروج الاثني عشر المعروفة ومعها كوكبة الجبار التي تقع بين الثور والجوزاء، وكوكبة الفرس العظيم (الحصان المجنح) التي تتموضع بين الدلو والحوت. يدور فيها القمر حول الأرض، ولكل منزلة منها اسم محدد.

منازل القمر وفصول السنة

1501  طاقة الحرف 4

كان العرب يعتبرون طلوع المنازل عند الفجر لتحديد فصول السنة وتغيرات المناخ، ولكن رأيت أن الأسهل للشرح والتوضيح أن أتتبع فصول السنة كما نعرفها وفقًا للسنة الشمسية، وعرض المنازل التي تتبعها.

وكل فصل من فصول السنة الأربعة يضم ثلاثة بروج، بإجمالي 90 درجة من دائرة البروج، وتتوزع في درجات البروج الثلاث سبع منازل من منازل القمر، تبلغ درجات كل منزلة منها 12.85 درجة، يقطعها القمر في يوم تقريبًا (23 ساعة وثلث)، بينما تبقى فيها الشمس حوالي 13 يومًا في حركتها الظاهرية.

ومنازل بروج فصلي الربيع والصيف تُعرف بالمنازل الشامية، ومنازل بروج الخريف والشتاء بالمنازل اليمانية.

فمنازل بروج الربيع (الحمل والثور والجوزاء) هي: الشرطان-  البطين-  الثُريا-  الدِبران-  الهقعة-  الهنعة-  الذراع.

ومنازل بروج الصيف (السرطان والأسد والعذراء) هي: النثرة-  الطرفة-  الجبهة-  الخرثان-  الصرفة-  العوَّاء-  السِمَّاك.

ومنازل بروج الخريف (الميزان والعقرب والقوس) هي: الغفر-  الزبانى-  الإكليل-  القلب-  الشولة-  النعايم "الغنائم"-  البلدة.

ومنازل بروج الشتاء (الجدي والدلو والحوت) هي: سعد الذابح-  سعد بلع-  سعد السعود-  سعد الأخبية-  الفرع المقدم-  الفرع المؤخر-  الرشا "بطن الحوت".

ولنأخذ منازل فصل الربيع كمثال لنرى كيف تتوزع درجات المنازل السبعة على البروج الثلاث:

- تبدأ منزلة الشرطان من بداية الحمل وحتى الدرجة 12.85 منه.

- ثم تليها منزلة البطين، وتبدأ حيث تنتهي درجات الشرطان في 12.85، وتنتهي في الدرجة 25.7 من الحمل.

- لتبدأ بعدهما درجات منزلة الثريا، وهي منزلة ممتزجة تقع بين الحمل والثور؛ إذ تشغل 4.3 درجات الأخيرة من درجات الحمل وأول 8.55 درجات من بداية الثور، ليكون مجموع درجاتها هي الأخرى 12.85 درجة.

- وبعدها تبدأ درجات منزلة الدِبران من الدرجة 8.55 من الثور، وتنتهي عند الدرجة 21.4 من الثور.

- وبعدها تبدأ منزلة الهقعة، وهي منزلة ممتزجة تقع درجاتها بين الثور والجوزاء، فتشغل 8.6 درجات الأخيرة من الثور، و 4.3 درجة من أول الجوزاء.

- ثم منزلة الهنعة، وتقع بتمامها في الجوزاء ما بين الدرجات 4.3 و 17.15.

- والذراع آخر منازل بروج الربيع، وتقع في آخر الجوزاء ما بين الدرجة 17.15 والدرجة 30 من الجوزاء.

وهكذا فإن البرج الأول من الفصل بأوله منزلتان، والبرج الثاني في قلبه منزلة، والبرج الثالث في آخره منزلتان، وتوجد منزلة ممتزجة بين البرج الأول والبرج الثاني، ومنزلة ممتزجة بين البرج الثاني والبرج الثالث، والحال ذاته في كل فصل.

والمجموعات النجمية للمنازل –كما أسلفنا-  هي أجزاء من المجموعات النجمية للبروج؛ فنجوم منزلة الطرفة على سبيل المثال هي عين الأسد، ونجوم الهقعة الثلاثة هي رأس الجبار، ونجمتا الذراع هما رأسا التوأم (الجوزاء)، ونجمة السماك الأعزل هي السنبلة في يد العذراء، والفرع المقدم هما قوائم الفرس العظيم الأمامية، والفرع المؤخر هما قوائم الفرس الخلفية، وهكذا.

وهناك أقوال متناثرة عن كل منزلة من منازل القمر؛ فيُحكى أن القمر كان في منزلة سعد الذابح يوم أن هم أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل بذبح سيدنا إسماعيل. ويقولون إن أفضل السمك يُصاد ويؤكل من دخول الشمس منزلة السماك الأعزل وبداية السنة القبطية 11 سبتمبر من كل عام ولمدة ستة شهور، وحتى تدخل الشمس منزلة بطن الحوت، فإذا دخلت بطن الحوت بعد 10 أيام من بدء مارس لم يطب السمك. وكانوا يسمون الغفر منزلة الكنوز والبحث عن الأشياء المخفية!

منازل للقمر وليس للشمس

وإن كانت الشمس تنتقل في تلك المنازل أثناء رحلتها في دائرة البروج، فطاقتها لا تتأثر كثيرًا بالمنازل، فهي منازل للقمر وليست للشمس، والشمس عند عبورها يُقال إنها انتقلت بين البروج ولا يهم في أي منزلة من البرج، فتتأثر بطاقة المجموعة النجمية للبرج بالكامل وليس بطاقة نجوم المنزلة، كما أن طاقة الشمس لا تمتزج، فإن كانت الشمس في الحمل فلا يهم إن كانت في الشرطين أم البطين أم الدرجات الأولى من الثريا قبل أن تنتقل إلى الثور، وإن كانت في الدرجة الأخيرة من الحمل فهي في الحمل وتتأثر بطاقة الحمل وليس بطاقة منزلة نجوم الثريا الممتزجة بطاقة الحمل والثور. بينما القمر يتقلب ويمتزج في المنازل داخل الأبراج، وتختلف طاقته وسعده من منزلة لأخرى داخل البرج الواحد، بل وفي المنزلة الواحدة إن كانت طاقتها ممتزجة بين برجين، وذلك عند انتقاله من درجات المنزلة في البرج الأول إلى درجات المنزلة في البرج الثاني.

ولكل منزلة من منازل القمر طاقة تتفق وطاقة البرج الذي توجد فيه، مع اختلاف، فالشرطان والبطين كلاهما منزلتان ناريتان توجدان ضمن كوكبة الحمل، لكن الشرطين اعتبرها العرب تميل للنحس، بينما اعتبروا منزلة البطين منزلة سعيدة وتفيد باستفتاح الأعمال! وأما المنازل الممتزجة فطاقتها ممتزجة بطاقة البرجين الذين تتوسطهما، فالثُريا على سبيل المثال تقع بين برج الحمل الناري وبرج الثور الترابي، فتكون منزلة ممتزجة بين النار والتراب، والهقعة هي منزلة ممتزجة بين برج الثور الترابي وبرج الجوزاء الهوائي فتكون طاقتها ممتزجة تراب وهواء، وهكذا.

وكان العرب وسائر الأمم القديمة يعتقدون أن الشمس طاقة ذكرية تغيراتها متدرجة، والرجل يرتبط سيكولوجيًا وفسيولوجيًا بالشمس، بيتما القمر طاقة أنثوية شديدة المزاجية والتغير، والمرأة ترتبط سيكولوجيًا وفسيولوجيًا بالقمر.

وبالنسبة لرصد المنازل، فعلى سبيل المثال فإنه عندما يكون طالع الشمس عند الشروق في الثور في أواخر أبريل وأوائل مايو، تكون الشمس عند الفجر لا زالت في الحمل، فيسهل رصد منزلتي الشرطان والبطين على الترتيب؛ وعليه فأفضل أوقات الرصد للمنزلة القمرية عندما تكون طالعة وقت الفجر قبل شروق الشمس، وهذا يحدث أيام لكل منزلة في كل عام، وكذلك عند مرور القمر بها، فهو يمر بكل منزلة ليلة واحدة كل شهر. 

منازل القمر ولغة القمر!

ومنازل القمر 28 منزلة بعدد حروف اللغة العربية، ولمن لا يعلم فإن كل حرف من حروف العربية على ترتيب أبجد –وهو الترتيب الصحيح لحروف العربية-  أُخذ رسمه من شكل المنزلة التي يأتي ترتيبه موافقًا لها.

ولكل حرف حسابه العددي، كما أن لكل حرف منها طاقة تتوزع على الطباع الأربعة بالترتيب (النار-  التراب-  الهواء-  الماء) بحيث تتجمع في أربع مجموعات، كل مجموعة منها من سبعة حروف، ولا علاقة بين طاقة تلك الحروف وطاقة المنازل التي أُخذ رسمها منها.

1501  طاقة الحرف 1

كما أن لكل حرف منها وزن للطاقة يؤثر في طاقة الكلمة التي يدخل فيها. ولأن كل مجموعة طاقية منها تضم سبعة حروف، فأول حرف ناري (الألف) يكون ميزانه الأعلى (7)، والحرف الناري الذي يليه (الهاء) يكون ميزانه أقل درجة (6)، وهكذا في كل مجموعة حروف.

وعلى سبيل المثال فأنا اسمي منى، ووزن حرف الميم= 4 ناري، ووزن النون= 4 ترابي، ووزن الألف= 7 ناري، وهذا يجعل طاقة الاسم الكلية نارية.

1501  طاقة الحرف 2

ومعروف أن نصف حروف اللغة العربية قد استخدمها الحق سبحانه وتعالى كفواتح لبعض سور القرآن الكريم، وقد جمع بعض علمائنا القدامى هذه الحروف الأربعة عشرة في عبارة "نص حكيم قاطع له سر".

وبالنظر إلى طاقة هذه الحروف الاستفتاحية سنجد أربعة حروف منها نارية (أ، هــ، ط، م)، وأربعة مائية (ح، ل، ع، ر)، وثلاثة هوائية (ك، س، ق)، وثلاثة ترابية (ي، ن، ص). وبالنظر إلى موازين هذه الحروف سنجد أن حرف الألف الناري وحده هو من الميزان 7، وهو أعلى الموازين، واختيرت من الحروف النارية الأربعة الأعلى ميزانًا، والحروف ذات الموازين (5) و (4) و (3) استخدمت كلها على اختلاف طاقاتها، باستثناء حرف الفاء الناري، والذي يعده اللغويون أضعف حروف اللغة العربية فلا توجد فيه صفة من صفات القوة (كالجهر والشدة والإطباق)، وكذلك الحروف الثماني ذات ميزان الطاقة الضعيفة (2) و (1) جميعها متروكة، فلم تُستخدم في استفتاح سور القرآن، أيًا كانت الطاقة التي تتصف بها.

كما وقد لاحظت ملاحظة غريبة تختص بحروف فواتح السور القرآنية الأربعة عشر، إذا ما وزعنا الحروف بحسب المنازل التي أُخذ رسمها منها على بروج الفصول الأربعة.

فالحروف المشتق رسمها من منازل القمر السبع في بروج فصل الصيف وهي (ح، ط، ي، ك، ل، م، ن) جميعها من حروف فواتح السور القرآنية، والعكس تمامًا في الحروف السبعة المأخوذ رسمها من منازل القمر السبع في بروج فصل الشتاء وهي (ت، ث، خ، ذ، ض، ظ، غ) فجميعها مستثناة من استفتاح سور القرآن بها.

كما لاحظت تعاكسًا غريبًا بين حروف منازل الربيع وحروف منازل الخريف، فمن بين حروف منازل الربيع السبع استخدم الحرفان الناريان من بينها (أ، هـ) فقط في استفتاح السور –وكلاهما من حروف لفظ الجلالة- ، واستبعدت حروف الربيع ذات الطاقات الترابية والهوائية والمائية (ب، ج، د، و، ز)، بينما في حروف منازل الخريف السبع كانت خمسة حروف منها من فواتح السور القرآنية (س، ع، ص، ق، ر) وطاقاتها ترابية وهوائية ومائية، ولم يُستبعد من حروف منازل الخريف سوى الحرفين الناريين فيها (ف، ش)! فهنا حرفان ناريان واستخدما، وهناك حرفان ناريان واستبعدا!

1501  طاقة الحرف 3

وختامًا، فقد كانت هذه خلاصة لبعض مما أعرف عن منازل القمر، وبعض ملاحظاتي حول علاقتها بحروف اللغة العربية. أتمنى أن يجد القارئ فيها الإفادة.

 

د. منى زيتون

الجمعة 8 مايو 2020 الموافق 15 رمضان 1441هـ

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم