صحيفة المثقف

نحو تأسيس المجلس الشعبي الدستوري بدلا من المحكمة الدستورية

علجية عيشمسودة الدستور هل هي سيناريو لجس نبض الشعب؟

كل الدساتير التي وضعت في الجزائر منذ الإستقلال إلى اليوم اندرجت كما يقول مختصون في سياق الصراع على السلطة وكيف  يتم الإحتفاظ بها، فمنذ أن وضع الرئيس هواري بومدين الميثاق الوطني ودستور 1976 إلى دستور 2016 مرورا بدستور 1989 الذي كان أكثر استجابة للمطالب الشعبية، إلا أن هذه المطالب كانت مطالب اقتصادية واجتماعية لا غير، كما أن كل التعديلات الدستورية جاءت لإعتبارات ظرفية وكانت تحمل نفس المنطق  كما جاء في تعديل دستور 1996، في كل المراحل حدثت جدالات عقيمة حول الدستور الجزائري إلا أنه للمرة الأولى نسمع عن نشر مسودة دستور مزوّرة في تاريخ الجزائر، وإن كان في كل مرحلة يكون فيها الدستور مدافعا عن السلطة، إلا أنه لم يتعرض للتجميد مثلما حدث في وقت الرئيس أحمد بن بلة بعد الإستقلال (1963) وهو الذي أشرف عليه بنفسه، فنشب خلافا بين الرئيس وقيادة الجيش

بدت قضية مسودة الدستور المزوّرة وكأنها "محاجية"، بحيث تفطن لها الكثير من المتتبعين للشأن السياسي في الجزائر، وتساءل البعض إن كانت قضية تزوير مسودة الدستور مجرد سيناريو لجس نبض الشعب ومعرفة رأيه من البنود وما يمكن تعديلة أو إبقاؤه كما هو، لأن الذين وضعوا بنود المسودة  ليسوا مواطنين عاديين، بل هم رجال قانون، فكيف يتم إذن تزوير المسودة، وإن كان ذلك صحيحا، السؤال يلح على الطرح من زوّرهذه المسودة؟  من سرّبها؟، وكيف سقطت نسخة منها في يد اشخاص عاديين؟ وفي يد من؟  ومن كلف بعملية التزوير؟ وكيف تم نشرها في مواقع التواصل الإجتماعي؟  لاسيما  الجميع يعلم أن تحضير المسودة كان في إطار لجنة مشكلة من خبراء ومختصين، ( يعني لجنة مغلقة) ثم أن مشروع الدستور كان مؤجل إلى ما بعد كورونا وبقرار من رئيس الجمهورية، ولم يوزع على الأحزاب والشخصيات الوطنية لمناقشته، والأهم، بل الأخطر من ذلك هو أن النسخة المزورة التي يحوم حولها جدل كبير كما جاء في بيان رئاسة الجمهورية  تضرب في العمق بعض ثوابت الأمة وهويتها.

تحليلات البعض تشير إلى أن ما يحدث في الكواليس مجرد سيناريو  أرادت من خلاله السلطة معرفة موقف الشعب الجزائري وسماع نبضه  خاصة ما تعلق بقضية اللغة الأمازيغية والإعتراف بالبعد والثقافة الأمازيغية وإعطاء صلاحيات أكثر لبعض المؤسسات ذات السيّادة، بعدها يتم تعديل ما يمكن تعديله أو اضافة بندا جديدا قبل نشر المشروع  في الجريدة الرسمية بصفة قانونية، حتى لا يحدث ماهم متخوفون منه، وهو استئناف المسيرات الشعبية من جديد وعودة اللااستقرار، أمام المطالب التي رفعتها بعض الأحزاب وهو ضرورة أن يحوز الدستور على الإجماع الوطني وهذا طبعا يحتاج إلى عملية "استفتاء شعبي"، وأن يحظى بـ: "اعتراف دولي" مثلما ذهب إليه في ذلك حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فهل هذا يعني أن سيادة الشعب والدولة تظل خاضعة للرقابة الأجنبية؟ وبالتالي إفشال مشروع الحراك الشعبي الذي حمل شعار : " لا للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر" مهما كان عمق الأزمة التي تمر بها البلاد، وهو السؤال الذي يفرض نفسه على قادة الأرندي ماذا يقصدون بعبارة "اعتراف دولي"، طبعا هناك  أطراف في السلطة تريد أن تؤسس لمجتمع "الميم" وتعميمها في الأوساط الشعبية كلها ولا تبقى منحصرة في حزب معين، خاصة بعد ورود بند يقضي بمعاقبة كل من يحرض على "الكراهية" و"التمييز"، هاته العبارتان هما في الحقيقة بديل عن "التغيير" و"العدالة".

 من السهل طبعا التلاعب بالمصطلحات، وليس صعب على السلطة توظيفها في الوقت المناسب، كأداة وليس كهدف، فعندما نقرأ عن الحياة الدستورية نفهم منها أننا نعيش في دولة القانون، يعني لا وجود لأيّ شكل من أشكال الإجرام أو التعدي على الحريات، دولة تمارس فيها الديمقراطية وبشفافية، وللجزائر تجربة في تمرير الدساتير وتعديلها منذ استقلالها إلى يومنا هذا، إلا أنها عاشت فراغا دستوريا في كثير من المرات، وفي فترات متعاقبة، فترة بعد الإستقلال ثم العشرية السوداء وثورة 22 فبراير التي لم تدم طويلا، السياسيون وحدهم يفهمون اللعب السياسي وكيف يديرون طاولة الشطرنج، التضحية بالجنود مقابل الحفاظ على حياة الملك، هكذا تدار شؤون البلاد، وليذهب الشعب إلى الجحيم،  أما المثقفون فهم  خارج اللعبة  كما يبدو، ليس لأنهم لا يحشرون أنفسهم في السياسة، - لا-، بل لأنهم  مستبعدون من الآلية السياسية ويدركون نتائج اللعبة، بعد ملء فراغات ذات أهمية سياسية، والبقاء في النهاية للأقوى، أي لما يقرره الرئيس ومحيطه.

 وكما يقول ملاحظون فالنظام الجزائري الجديد سيكون نظاما رئاسيا  كما جرت العادة بعد القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ولا يهم إن قلصت العهدة الرئاسية إلى عهدتين أو ظلت كما هي، كذلك بالنسبة للعهدة البرلمانية، وتعيين نائب رئيس الجمهورية، حول هذه النقطة يفهم أن نائب الرئيس مرشح ليكون خليفة للرئيس في حالة مرض الرئيس أو وفاته لا قدر الله أو في حالة تقديم استقالته مثلا، كما أن إلغاء المجلس الدستوري واستبداله بالمحكمة الدستورية تجعل من القضاة الحاكم في البلاد، وإذا قلنا أن مطالب الشعب هي بناء دولة القانون لا يعني توسيع الصلاحيات للقضاة أو تأسيس دولة القضاء كما عبر عنها البعض، تكون لها حرية اتخاذ القرارات والتحكم في حق الشعب في تقرير مصيره بنفسه، وهذا يقودنا إلى الحديث عن الهدف من تغييب الإرادة الشعبية، وحرمان المواطنين من المشاركة في بناء الجزائر الجديدة،  وكان من المفروض أن توسع لجنة إعداد مسودة الدستور من مهام المجلس الدستوري بحيث يصبح بالصيغة التالية: " المجلس الشعبي الدستوري" فيه يكون لممثلي الشعب ( خارج الأحزاب) الحق في صياغة الدستور، واختيار ممثلي الشعب لابد وأن تتوفر فيهم الشروط التي تؤهلهم، أي موثوق فيهم و يحملون صفات المرابطين ( تاجماعت) ولا نقول شخصيات وطنية لأن جلهم متحزبون.

 كما أن المقترح المتعلق بإمكانية إرسال وحدات عسكرية إلى الخارج بموافقة البرلمان، يطرح السؤال التالي: هل إرسال هذه الوحدات العسكرية إلى الخارج يدخل في إطار التدريب؟ " أو لأغراض أخرى متكتم عليها ومن هي الدولة المستقبِلة؟ من حق الشعب أن يكون مطلعا، حتى لا يتكرر نفس السيناريو، ثم من هو الأقوى درجة أو رتبة أو له سلطة القرار إن صح القول، هل المؤسسة العسكرية أم البرلمان؟"، خاصة وأن الطريقة التي يتم بها ترشيح النواب في أغلب الحالات لا تكون على مقاييس علمية يشترط فيها النزاهة والكفاءة، وقد رأينا في البرلمانات السابقة أشخاصا غير مؤهلين ليكونوا ممثلين للشعب داخل قبة البرلمان، و أشخاصا آخرين تم تعيينهم في "الثلث الرئاسي" أي بدون المرور على الإنتخابات، والواضح مما سبق فإن الحديث عن "السياسة التشاركية" مجرد نفخ في المزمار وليس نفخ في بالون، أصدر العازفون عليه أنغاما يخدرون بها عقل الشعب من أجل إسكات صوته، وإخضاعه للأمر الواقع .

و كما قال الدكتور صالح بلحاج: " في جزائر اليوم مجتمع تابع للدولة، ودولة تابعة لذوي النفوذ والمؤسسة العسكرية، وينبغي أن تعوض هذه المعادلة بمعادلة أخرى تتضمن طرفين: مجتمعا مستقلا نسبيا ودولة منبثقة من المجتمع، بذلك تصبح الدولة الجزائرية دولة أمّة بمعنى الكلمة، ودولة الأمّة هي دولة المواطنة وليست سلطة سياسية تمارس السيادة على سكان إقليم معين "، نعم فدولة الأمة ليست دولة جماعات مصالح وشبكات النفوذ، فمطلب بناء جزائر جديدة، لا يكون بتغيير الوجوه فقط أو بتعيين فلان على رأس مؤسسة ما، أو ولاية ما وإنهاء مهام آخر منها ومنحه منصب فوق العادة مثلا، بل بناء جمهورية شعبية ديمقراطية يكون فيها الشعب هو السيّد، دولة مبنية على أسس ومبادئ بيان أول نوفمبر، ومستمدة من الشريعة الإسلامية طالما الدستور الجزائري يقر بأن الإسلام دين الدولة الجزائرية، وهذا هو المشروع الذي غُيِّبَ في جميع الدساتير التي عرفتها الجزائر، تبقى القضية الحساسة جدا والتي لم تتطرق إليها الأحزاب السياسية، ولا ندري إن وردت في مسودة الدستور الجديد أم لا، ألا وهي قضية تعيين "الثلث الرئاسي" في الإنتخابات التشريعية، إن كان الرئيس الحالي سيختار مجموعته كما دأب الحال في عهدة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أم سيلغي هذا الإختيار، فقد لوحظ أن بعض النواب الذين تم تعيينهم في الثلث الرئاسي لم يقوموا بأي دور فعلي طيلة عهدتهم البرلمانية، ماعدا المصادقة على برنامج الحكومة، فلا أحد سمع صوتهم ولا أحد قدم مشروعا يخدم الوطن والمواطن، وقد علّق أحدهم بالقول: "نريد نوّاب مواقف لا نوّاب رفع الأيدي وإسقاطها".

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم