صحيفة المثقف

اللذة والألم وفقا لمقياس الصبر: فلسفة ابيقور إنموذجا

عقيل العبودهل اللذة مفهوم مادي، ام معنوي- اعتباري، ام روحي - حسي؟

من المناسب ان اللذة والألم من المسائل التي تخضع لمقاييس التوافق الحسي والعقلي. وهي حالات شعورية ترافق الإنسان طوال حياته، بيد ان هنالك فروقا ومعايير مختلفة، وهذه الفروق يتحكم بها العقل، والحس، والضمير.

يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي:

" الا ان ابيقور فرق، هو والابيقوريون، بين أنواع عدة من اللذة والألم. فهو لا ينظر الى اللذة بإعتبارها اللذة الحسية الصرفة، التي يجدها الإنسان في الإحساس المباشر بما هو ملائم في اللحظة والزمن المعينين بل يفاضل بين اللذات بعضها وبعض، وبين الآلام بعضها وبعض، فيجعل بعض الآلام أفضل من بعض اللذات، لأن في احتمال هذه الآلام ما يؤدي الى لذة اكبر، ولأن في تجنب هذه اللذات ، ما يؤدي الى تجنب الآم اكبر، لإن كل لذة وكل ألم لا بد لهما من اثر مترتب".*

لذلك قولي، لعل في اللذة ألم، وفي الألم لذة، والصبر بين الأثنين مساحة تحتاج الى زمن، والزمن هو الكاشف عن قدرة الإنسان وامكانياته على التحمل وفقا لمعنى القدرة على الاحتمال، اي الجهد والمشقة.

فالعيش على حساب الآخرين والبحث عن اللذائذ، سيقود ذات يوم الى الهزيمة والانكسار، كما حصل مع اولئك الملوك الذين انغمسوا في تحقيق ملذاتهم على حساب الجمهور، ليخسروا كل شئ لحظة المواجهة.

فصورة اللذة هنا تجسيد لعالم ألانا المتسافلة. حيث انحسار لغة العقل بعد إذعانها وسقوطها في شرنقة الجسد بناء على (فوقية) الحاجيات المادية لأنا الذات.

وبعكسه صبر الأحرار في زنازين التعذيب، فهنالك ألم لا يطاق، اما اللذة في صورة الصبر هذه التي منحت لغة الألم اعلى مراتبها، فهي الانتقال من حالة وهن الجسد الى حالة التجلي والانعتاق من عبودية الضعف والاستسلام، ومنه لذة الشعور بلحظة الانتصار والعلو، بعد انحسار انا الذات وتهافتها بناء على فوقية اللذة الحسية للمبدأ.

وذلك اعلى مراتب العلو، كونه يعني لغة الانكشاف والتحرر من شرنقة هذا الغطاء الواهن الذي يحجب النفس المتعالية عن الوصول الى مرتبة الحقيقة.

وهذا يعني ان لا فصل بين اللذة والألم، الا بلحاظ الصورة التي تجمعهما بناء على مقياس العقل والضمير، فاللذة ألم، والألم لذة بناء على المعاني الخبيئة لكليهما.

 

عقيل العبود

...........................

هوامش البحث:

الدكتور عبد الرحمن بدوي، خريف الفكر اليوناني

المقطع ٣ السطر ١-٨

الاخلاق الأبيقورية-أنواع اللذات عند ابيقور ص ٨٤ خريف الفكر اليوناني للدكتور عبد الرحمن بدوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم